اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي إقامة محور جديد يفصل شرق محافظة خانيونس عن غربها يشكّل تصعيدًا خطيرًا في إطار مشروع استعماري استيطاني شامل يستهدف تفتيت الأرض الفلسطينية برمّتها.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي، في بيان صحافي، أن ذلك يمهد لإعادة تشكيل الأرض جغرافيًا وديمغرافيًا بما يخدم أهداف إسرائيل طويلة الأمد، ويعد أداة إضافية لعزل كل منطقة على حدة، وتقويض أي إمكانية لوحدة جغرافية أو سكانية في قطاع غزة، ضمن مسار متواصل من إعادة هندسة الواقع الميداني، وتعزيز السيطرة العسكرية، ودفع السكان قسرًا إلى التكدّس في نطاق ساحلي ضيّق، تحت ظروف معيشية غير قابلة للحياة تُستخدم كوسيلة مباشرة لإهلاكهم المتعمّد.
وأوضح الأورومتوسطي أنّ إعلان الجيش الإسرائيلي، اليوم الأربعاء 16 يوليو/تموز 2025، فتح محور 'ماجين عوز' الذي يفصل بين شرق وغرب خانيونس على مسافة نحو 15 كيلومترًا، يكرّس سياسة العزل وتفكيك وحدة الأرض، ويعيد إنتاج أدوات استعمارية تقليدية بأشكال حديثة تهدف إلى فرض وقائع ميدانية دائمة تُقوّض الوجود الفلسطيني وتُمهّد لإخراج السكان من أرضهم.
وأشار إلى أنّ هذا الإعلان يندرج ضمن مسعى إسرائيلي لتكريس وجود عسكري دائم في قطاع غزة، ويؤكد عدم اكتراث إسرائيل بأي جهود تهدئة قد تفضي إلى وقف عملياتها العسكرية أو إلى إنهاء احتلالها غير المشروع لأراضي القطاع.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أنّ المناطق التي يعزلها المحور الإسرائيلي الجديد تمتد على مساحة تُقدّر بنحو 45% من محافظة خانيونس، أي ما يعادل حوالي 12% من إجمالي مساحة قطاع غزة، حيث يبدأ هذا المحور من محور 'موراغ' جنوب خانيونس، الذي أعلن الاحتلال عن إقامته في أبريل/نيسان الماضي، ويتجه شمالًا بمحاذاة شارع صلاح الدين، ليعزل بالكامل مناطق 'جورة اللوت' و'معن'، وبلدات 'الفخاري'، 'خزاعة'، 'بني سهيلا'، 'عبسان الكبيرة'، 'عبسان الجديدة'، وصولًا إلى الجزء الشرقي من بلدة 'القرارة' شمالي خانيونس.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ فريقه الميداني تابع خلال الأسابيع الماضية تصاعد وتيرة القصف والتدمير المنهجي في المناطق المعزولة شرق خانيونس، حيث نفذت القوات الإسرائيلية عمليات مركّبة من القصف الجوي والمدفعي، والتفجير باستخدام الروبوتات المتفجرة، ثم جلبت الآليات الثقيلة لطمس معالم الدمار ونقل الركام إلى وجهات مجهولة داخل إسرائيل، مقدرًا أنّ الجيش الإسرائيلي دمّر ما لا يقل عن 90% من المباني في تلك المناطق.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمد في إعلاناته المتعلقة بأنشطته في قطاع غزة إلى الإعلان عن إنشاء 'محور' أو 'طريق عسكري' جديد بشكل مضلل، بينما في الواقع يتم شق هذا المحور فوق أنقاض آلاف المباني والمنازل السكنية التي كانت قائمة في المنطقة، حيث لا يقتصر التدمير الشامل على المباني الواقعة ضمن مسار الطريق العسكري فحسب، بل يمتد ليشمل المناطق المحيطة في جميع الاتجاهات، وصولًا إلى مساحات واسعة تتجاوز عدة كيلومترات، في عملية تهدف إلى محو البيئة العمرانية بالكامل تحت غطاء عسكري زائف.
وعلى نحو مماثل، شدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّه كلّما أعلن الجيش الإسرائيلي عن 'تطهير' منطقة ما من المسلحين، فإنّه في الحقيقة يعلن عن محوها التام من الوجود: تدمير شامل، وتهجير قسري، واجتثاث للحياة بكل أشكالها. وقد تجلّى هذا النمط على نحو كارثي في شمالي قطاع غزة ورفح جنوبي القطاع، حيث استخدمت إسرائيل لغة عسكرية مضلِّلة للتستّر على جرائم قتل جماعي، وتهجير واسع النطاق، وتدمير ممنهج للبنية العمرانية، في محاولة لإخفاء أفعال جريمة الإبادة الجماعية خلف مصطلحات قتالية خادعة.
وأشار إلى أن هذا السلوك يعكس عقيدة عسكرية إسرائيلية ترى في الوجود المدني نفسه تهديدًا يجب القضاء عليه، إذ تُصنّف المنازل والمستشفيات والمدارس كبُنى 'إرهابية'، وتتعامل مع المدنيين كأهداف مشروعة لمجرد بقائهم في مناطق مستهدفة، في خرق غير مسبوق لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني.
ولفت إلى أنّ هذه الممارسات تندرج ضمن عملية ممنهجة بدأت مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تقوم على التدمير الشامل والمقصود لمدن وأحياء بأكملها، في تجسيد مباشر لجريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من 21 شهرًا، والتي تُستخدم فيها أدوات الهدم والتدمير والتهجير القسري كوسائل رئيسة لتنفيذها.
وأوضح أنّ قوات الاحتلال تعمل إلى جانب قتل وإصابة مئات الفلسطينيين وتدمير حياة نحو 2.3 مليون إنسان بشكل تدريجي عبر القضاء على مقومات نجاتهم الأساسية، على إبادة المدن الفلسطينية بالكامل بنسيجها المعماري والحضاري، وما يتبع ذلك من تدمير للهوية الوطنية والثقافية للفلسطينيين، واستئصال وجودهم من أراضيهم، وفرض التهجير القسري الدائم عليهم، ومنع عودتهم، وتفكيك مجتمعاتهم، وطمس ذاكرتهم الجمعيّة، في محاولة منهجية للقضاء على وجودهم المادي والإنساني وتدمير ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّه يتابع عمليات التدمير اليومية والنسف المتكرر للمربعات السكنية في جميع تمركزات الجيش الإسرائيلي بمختلف مناطق القطاع، إذ يحيلها إلى ركام قبل أن تصل آليات ثقيلة إسرائيلية لمعالجة الركام ونقله إلى داخل إسرائيل، لتغيير معالم تلك المناطق بالكامل.
وشدّد على أنّ نمط التدمير الشامل الذي استهدف البلدات والأحياء الفلسطينية، بما يشمل عمرانها ومنازلها ومنشآتها المدنية والاقتصادية وبناها التحتية، واستمراره بشكل منهجي؛ يدل بشكل قاطع على أنّ هذا التدمير لم يكن له أي ضرورة عسكرية، بل جاء بهدف التدمير والمحو الكامل للأثر الفلسطيني المادي والحضاري، وذلك في انتهاك خطير لقواعد القانون الدولي.
وأكد الأورومتوسطي أنّ هذا السلوك يمثل جزءًا من سياسة إبادة المدن (الإبادة الحضارية) التي تنفذها إسرائيل، والتي تستهدف ليس فقط السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم كأفراد، بل أيضًا وجودهم الثقافي والحضاري، بما يشمل إزالة أي أثر مادي أو تاريخي يدل على ارتباطهم بأرضهم، وبالتالي إضعاف قدرتهم على البقاء على قيد الحياة في مناطقهم، وصولًا إلى القضاء على وجودهم الفعلي والمجتمعي فيها، مقابل تسهيل إقامة مشاريع استيطانية غير قانونية في القطاع.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ خطط تهجير الفلسطينيين قسرًا تمثّل امتدادًا مباشرًا لمشروع إسرائيل الاستعماري الاستيطاني المنظم والممتد منذ عقود، والقائم على محو الوجود الفلسطيني والاستيلاء على الأرض، محذرّا من أنّ ما يميّز هذه المرحلة عن سابقاتها هو أنها تتخذ طابعًا أكثر خطورة واتساعًا، إذ تستهدف 2.3 مليون إنسان خضعوا لإبادة جماعية شاملة.