اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
في مشهد استعراضي أكثر منه إنساني، تواصلت خلال اليومين الماضيين عمليات الإنزال الجوي للمساعدات على قطاع غزة، الذي يرزح تحت حرب إبادة جماعية وحصار خانق منذ أكثر من 20 شهرًا، ويواجه سكانه خطر المجاعة القاتلة، وسط انهيار شبه كامل في المنظومة الصحية والإنسانية.
ورغم الزخم الإعلامي الذي يرافق هذه الإنزالات، إلا أن فاعليتها تطرح حولها علامات استفهام كبيرة، لا سيما في ظل التقارير الأممية التي تؤكد أن نسبة كبيرة من سكان غزة يعيشون حالة 'انعدام الأمن الغذائي الكلي'، وأن المساعدات التي تصل عبر الجو لا تغطي إلا أقل من 1% من الاحتياجات اليومية للسكان.
وفي ظل هذه الوقائع، يبقى الإنزال الجوي فعلاً 'رمزيًا' لا يسمن ولا يغني من جوع، بل قد يرسخ واقعًا كارثيًا يتم فيه إدارة الجوع بدلًا من إنهائه، فالمساعدات وحدها لا تكفي ما لم يرفَع الحصار، وتفتح المعابر، وتحمل الجهات المسؤولة عن الكارثة تبعاتها القانونية والإنسانية.
ويرى مراقبون أن عمليات الإنزال الجوي ليست إلا جزءًا من ما بات يعرف بـ'هندسة الجوع' في غزة، وهي مصطلح يشير إلى استخدام التجويع كأداة ضغط سياسي وعسكري، يتم من خلالها التحكم في كميات الغذاء والدواء التي يسمح بوصولها إلى المدنيين.
وبحسب حقوقيون، فإن الإنزال الجوي لا يعدو كونه وسيلة لـ'تجميل الجريمة'، وإعطاء الانطباع بأن المجتمع الدولي يقوم بواجبه، في حين أنه يتجاهل الأسباب الجذرية للأزمة، وعلى رأسها استمرار الحصار ومنع وصول المساعدات البرية بكميات كافية.
ولم تخلُ عمليات الإنزال من انتقادات على المستوى الإنساني أيضًا؛ حيث تم توثيق حالات وفاة نتيجة سقوط الحاويات على منازل وخيام المدنيين، أو غرقها في البحر، أو سقطوها في أماكن تواجد جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو تعرضها للنهب من قبل مجموعات مسلحة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى هذا الأسلوب، مقارنة بفتح المعابر البرية والسماح لقوافل المساعدات بالدخول بإشراف دولي.
'خدعة دعائية'
مؤسسة 'الضمير' لحقوق الإنسان، عبّرت عن رفضها الشديد لعمليات إنزال المساعدات الإنسانية من الجو فوق قطاع غزة، واصفةً بأنها 'إجراء دعائي مضلل' يسعى لحرف الأنظار عن جريمة التجويع الممنهجة، التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين منذ أكثر من 660 يومًا في إطار حرب إبادة جماعية متواصلة.
وقالت المؤسسة، إن 'المساعدات المسقطة جوًا لا تمثل حلًا حقيقيًا للأزمة الإنسانية، بل هي وسيلة مهينة تُغلف المجاعة بغلاف إنساني زائف'.
وأشارت إلى أن هذه الطريقة لا تفي بالاحتياجات الأساسية، بل تحمل مخاطر كبيرة على حياة المدنيين، خاصة حين تُلقى فوق مخيمات النازحين، وهو ما وثقته المؤسسة من خلال وقوع إصابات، بعضها خطير، في صفوف المواطنين جراء عمليات الإنزال.
واتهمت 'الضمير' الاحتلال بتصعيد سياسة التجويع منذ مطلع آذار/مارس الماضي، عبر منع دخول الغذاء والدواء والوقود، واستهداف التجمعات المدنية قرب ما يُعرف بـ'نقاط توزيع المساعدات'، ما أسفر عن ارتقاء مئات الشهداء وآلاف الجرحى في صفوف السكان الذين يعانون من الجوع.
وأضافت أن 'الادعاء الإسرائيلي بإسقاط مساعدات جوية هو محاولة فاضحة للتضليل الإعلامي والتنصل من مسؤولية جريمة التجويع الجماعي، التي تُنفذ بقرارات سياسية وعسكرية عليا'، معتبرةً أن هذه السياسة جزءًا من جريمة إبادة جماعية يعاقب عليها القانون الدولي بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
وانتقدت المؤسسة الادعاءات الكاذبة حول هدَن إنسانية، مؤكدةً على أن المساعدات التي دخلت لا تكفي لتغطية الحد الأدنى من احتياجات أكثر من 2.3 مليون إنسان يعيشون في ظروف حصار خانقة.
ودعت إلى فتح جميع المعابر فورًا، والسماح بدخول مئات الشاحنات يوميًا من الغذاء والماء والدواء والوقود، بإشراف الأمم المتحدة ومنظمات محلية ودولية موثوقة.
كما ودعت مؤسسة 'الضمير' الدول المشاركة في عمليات إنزال المساعدات إلى وقف مشاركتها في هذه الآلية المهينة، مطالبةً المجتمع الدولي والأمم المتحدة وهيئاتها باتخاذ إجراءات فورية لضمان تدفق آمن ومنتظم للمساعدات الإنسانية، بما يحفظ حياة المدنيين وكرامتهم.
إذلال الفلسطينيين وامتهان كرامتهم
ومن جانبه، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن الإنزالات الجوية للإمدادات الإنسانية مهينة ولا تعالج حالة التجويع في غزة وأنه يتوجب فتح الممرات البرية المؤدية إلى القطاع لإدخالها بكميات كافية.
وأضاف المرصد، أن إنزال المساعدات عبر الجو حلقة إضافية في إذلال الفلسطينيين وامتهان كرامتهم وهندسة التجويع لخدمة الأهداف السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
وأكد أن هذا الأسلوب يحمل مخاطر حقيقية على أرواح المدنيين نظرًا لتكدسهم في مساحة تقل عن 15% من مساحة القطاع.
وتابع المرصد: 'بعد أشهر من التجويع القاسي فإن الإنزالات الجوية لا توفر الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية ولا تعالج الوضع الكارثي الناجم عن سياسة التجويع الإسرائيلية المتعمدة'.
وحذر المرصد من التلاعب بهدف تخفيف الضغوط الدولية التي بدأت تضج بسياسة التجويع وما أفضت إليه من وضع إنساني كارثي في قطاع غزة الذي سجل وفاة 55 حالة رسميًا نتيجة التجويع في أسبوع.
وكان المفوض العام لوكالة 'أونروا' فيليب لازاريني قد أكد بدوره أن الإنزال الجوي للمساعدات لن يُنهي المجاعة المتفاقمة في قطاع غزة، بل يُمكن أن يتسبب بمقتل مدنيين.
وقال لازاريني: 'الإنزال الجوي مجرد تشتيت للأنظار وذر للرماد في العيون، وهو مكلف وغير مجدٍ'.
مناورة للتهرب من المحاسبة
ومن جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن سماح الاحتلال الإسرائيلي بمرور وإنزال جزئي للمساعدات إلى قطاع غزة لا يُمثل تحولًا إنسانيًا في سلوك الاحتلال، بل هو 'تحول تكتيكي' فرضته الضغوط الدولية المتصاعدة، بعد شهور من استخدام التجويع كسلاح رسمي ضمن ما تُعرف بخطة 'عربات جدعون'.
وأوضح عفيفة، في تصريح خاص لوكالة 'شهاب' للأنباء، أن الاحتلال تبنّى منذ مارس الماضي سياسة تجويع ممنهجة عبر إغلاق المعابر ومنع الغذاء والدواء، إلى جانب تفكيك المنظومة الدولية للإغاثة، ووقف عمل 'الأونروا' والمؤسسات الإنسانية، في محاولة لفرض واقع إداري جديد عبر مؤسسة تُسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية'، وبدعم أميركي، تمهيدًا لإقامة ما يُسمى بـ'المدينة الإنسانية' في رفح، واستكمال مشروع تهجير واسع.
وأشار إلى أن هذه السياسة قوبلت برفض دولي واسع، تُرجم بمواقف سياسية وقانونية مثل قرار هولندا إدراج الاحتلال ضمن الدول المهددة للأمن، إلى جانب مواقف حادة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفعاليات شعبية أحرجت حكومات العالم، بما فيها تلك الحليفة لـ'إسرائيل'.
وأضاف عفيفة: 'ما يجري اليوم ليس رفعًا للحصار، بل إدارة للكارثة وفق منطق القطارة، في محاولة لشراء الصمت العالمي وتجميل صورة كيان بات في مرمى الاتهامات الأخلاقية والقانونية'.
وأكد أن الاحتلال يُحاول تحويل مشهد إسقاط فتات المساعدات من السماء إلى غطاء للجرائم المرتكبة على الأرض، متسائلًا: 'لماذا لا تُفتح المعابر بشكل دائم؟'، مشددًا على أن ما يحدث لا يعدو كونه 'مناورة للتهرب من المحاسبة، وليس خطوة لإنهاء المجاعة'.
وتابع: 'الاحتلال لن يتخلى عن سلاح التجويع، لأنه أصبح ورقة ضغط ميداني وسياسي يعتمد عليها في المفاوضات'.