اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
بعد 23 شهرًا من العدوان الإسرائيلي والحصار الخانق المفروض على قطاع غزة، لم تعد الكماليات وحدها الغائبة عن حياة السكان، بل تحولت أبسط أدوات النظافة الشخصية، مثل: ليفة الاستحمام، وقطعة الصابون، وزجاجة الشامبو، إلى أماني مؤجلة. ومع ندرة المياه وتدمير البنية التحتية، تتفشى الأمراض الجلدية بشكل خطير، بينما يكافح الأهالي للحفاظ على كرامتهم في ظروف غير إنسانية.
في خيمة صغيرة في مدينة غزة، تعيش وردة عماد الدين مع خمسة أطفالها وسط ظروف قاسية، تقول بمرارة: 'لم أعد أستطيع تأمين أبسط ما يحتاجه أطفالي للنظافة، حتى ليفة الاستحمام لم نعد نملكها، كل ما نفعله هو غسلهم بالماء المالح عندما يتوفر، لكن دون صابون أو شامبو.'
تروي لصحيفة 'فلسطين' كيف تحولت المعاناة إلى كابوس صحي: 'ابني الصغير يصرخ من الحكة طوال الليل، ولا دواء لدينا، ولا مستحضرات ترطيب طبية تخفف آلامه.'
وتختم بصوت يملؤه الألم: 'في الماضي كنا نحلم أن نوفر لهم ألعابًا أو ملابس جديدة، أما اليوم فأكبر أحلامي قطعة صابون أو كريم جلدي.'
اما يوسف ياسين (14 عامًا) ، يتحدث عن أزمة النظافة من منظور طفل في مرحلة المراهقة: 'شعري متسخ دائمًا والبشرة تملأه ولا أستطيع غسله جيدًا، لا شامبو ولا ماء كافٍ، وأصدقائي يسخرون أحيانًا من مظهري.'
الإحراج يطارد يوسف في الخيام المكتظة: 'أشعر بالخجل حلم أن أستحم مرة واحدة بشكل طبيعي مثل باقي الأطفال، لكن هذا الحلم أصبح بعيدًا.'
ويضيف بحزن: 'لم أكن أتخيل أنني سأكبر وأنا أحلم بشيء بسيط يعتبره الآخرون أمرًا عاديًا.'
أبو خالد عويضة (52 عامًا)، سائق سابق، يعيش مع عائلته في خيمة في متنزه برشلونة منذ أشهر، يقول:'أشعر أنني فقدت كرامتي، أحيانًا يمر أسبوع كامل دون أن أجد ماءً كافيًا أو صابونًا لأغسل جسدي.'
ويتابع: 'بدأت أعاني من بثور جلدية مؤلمة في ذراعي وظهري، في العيادة المؤقتة أخبروني أن السبب هو قلة النظافة وتراكم العرق، وأعطوني كريمًا طبيًا لم أستطع شراءه بسبب ندرته وارتفاع ثمنه.'
ويختم: 'كل ما نطلبه من العالم هو أبسط حقوقنا… أن نعيش بكرامة، وأن نستطيع أن ننظف أجسادنا كبشر.'
وموضوع النظافة الشخصية للفتيات أمر له خصوصية واهتمام كبير، ولكن في ظل حرب الابادة أصبحت 'الفتيات محرومات حتى من أبسط المستلزمات'.
أمل بشير (17 عامًا) تصف معاناة الفتيات بشكل خاص: 'نحتاج إلى شامبو للشعر وكريمات لترطيب البشرة، لكننا لا نجد شيئًا، بشرتي امتلأت بالبثور وشعري يتساقط بسبب قلة الغسيل.'
وتشير إلى إن فقدان مستحضرات النظافة أثر على نفسيتها بشكل كبير، حيث أصبحت انطوائية ولا تحب الجلوس مع عائلتها أو الالتقاء بصديقاتها.
وتضيف بصوت مرتجف: 'كنت أحلم أن أشتري عطرًا جديدًا، لكن اليوم أكبر أحلامي أن أحصل على صابونة فقط.'
تقارير صادمة
تشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية إلى صورة قاتمة، حيث ان أكثر من نصف شبكات المياه والصرف الصحي في القطاع دُمرت أو تعطلت كليًا، لتتراجع قدرة الإنتاج إلى أقل من 5% مما كانت عليه قبل الحرب.
كما ان ثلث سكان غزة، لا يحصلون حتى على الحد الأدنى الطارئ (15 لترًا للفرد يوميًا) للشرب والطهي والنظافة، وفقط 10% من السكان يتمكنون من الوصول إلى مياه صالحة للشرب والاستخدام، فيما يبقى 1.8 مليون شخص بحاجة ماسة إلى خدمات المياه والنظافة والصحة.
وتم توثيق أكثر من 150 ألف إصابة جلدية منذ بدء العدوان، بينها: 96,417 حالة قمل وجرب، 60,130 حالة طفح جلدي، 9,274 إصابة بالجدري المائي.
هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية، حيث لا تقتصر الأزمة على العطش بل تمتد إلى انهيار معايير الصحة العامة.
كارثة صحية صامتة
تشير الإحصائيات إلى أن أزمة المياه والنظافة لا تهدد فقط الصحة الجسدية، بل بالانهيار النفسي أيضًا، خصوصًا للأطفال والنساء، ومع غياب البدائل، يعيش أكثر من مليوني إنسان تحت رحمة الأمراض المعدية التي تتفشى في بيئة مكتظة وفقيرة بالمستلزمات الأساسية.
في غزة، لم يعد الحلم كبيرًا أو بعيد المنال، لم يعد الناس يطلبون أكثر من ماء نظيف وصابونة بسيطة تحفظ لهم كرامتهم وصحتهم. ومع استمرار الحصار ومنع دخول المواد الأساسية، تزداد معاناة السكان، وتتحول أبسط مقومات الحياة إلى رفاهية غائبة، في انتظار لحظة إنسانية تُعيد لهم حقهم الطبيعي في الحياة بكرامة.