اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة مصدر الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٨ شباط ٢٠٢٥
القدس المحتلة – مصدر الإخبارية
ألمح تحقيق الجيش الإسرائيليّ في فشل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والذي نُشرت نتائجه، اليوم الخميس، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أراد الهدوء، في حين فشلت الاستخبارات العسكرية ('أمان') بفهم حماس لسنوات طويلة.
ووفق التحقيق، فقد شكّل الجيش والمنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة، مفهومًا كان قائمًا على افتراضات غير صحيحة، ما أتاح لحماس بناء قدراتها، التي جعلت الهجوم المفاجئ، وغير المسبوق ممكنًا.
وتشير تحقيقات الجيش الإسرائيلي إلى أن الفشل بدأ قبل وقت طويل من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في الفترة التي أعقبت العدوان الذي أطلق عليه الاحتلال مسمّى 'الجرف الصامد' في عام 2014.
السنوار أجرى تغييرا إستراتيجيًّا بحماس.. إسرائيل 'علقت' بمفاهيم قديمة
ويُظهر التحقيق كيف قاد الرئيس السابق لحماس في غزة، يحيى السنوار، منذ عام 2017، تغييرا إستراتيجيًّا جذريّا في الحركة، من الاعتماد على الحرب تحت الأرض إلى هجوم بريّ واسع النطاق، في حين ظلّت منظومة الأمن الإسرائيلية 'عالقة' في مفاهيم قديمة.
وعلى مدى سنوات عديدة، كان مفهوم الأمن الإسرائيلي تجاه غزة، يرتكز على فرضية مركزية، هي أن حماس هي حركة عقلانية 'مرتدعة وملتزمة بالاتفاق'، وحتى بعد وصول السنوار إلى القيادة في عام 2017، استمرّت شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال، في وصف حماس بأنها 'حركة واقعية'، مهتمّة بالهدوء في قطاع غزة، لصالح التنمية المدنية.
وتشير تحقيقات الجيش الإسرائيلي إلى أن 'نظامًا من المفاهيم الخاطئة كان قائمًا على مرّ السنين'.
حماس والتخطيط لـ'المشروع الكبير'
وبحسب التحقيق، فإن التقييم الإسرائيليّ، كان يشير إلى أن التهديد الذي يمكن أن يشكّله قطاع غزة، لم يكن التهديد الأعظم، وفي الوقت نفسه، نشأت فجوة في فهم استعداد حماس لتحقيق رؤية 'تحرير فلسطين'.
ولفت التحقيق إلى أنه بعد الحرب على غزة عام 2014، أنشأت حماس هيئة أركان عامّة منظّمة و'مقرًّا عملياتيًّا' برئاسة رائد سعد.
وفي الصدد ذاته، أضاف أن حماس بدأت تحت قيادته، التخطيط لـ'المشروع الكبير'، لشن هجوم واسع النطاق على إسرائيل، بما في ذلك عملية بريّة، يشارك فيها آلاف المقاتلين.
وجرى كلّ هذا، في حين واصل قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تقييمه بأن حماس 'تركّز على بناء الأنفاق تحت الأرض'.
وتبيّن من التحقيق، أن التصوّر الإسرائيليّ، قد تشكّل بشكل كبير بعد الحرب على غزة في عام 2021؛ فعلى النقيض من تقييم حماس بأنها رأت في العملية 'انتصارا' بسبب إطلاق النار على القدس المحتلة، وفهمها بأنه من الممكن خوْض معركة متعددة الجبهات ضد إسرائيل مع حزب الله اللبنانيّ، في المقابل، رأت إسرائيل في العدوان ذلك العام، 'تحقيقا للردع'، وعدّت أنها حقّقت 'ضربة' ضدّ حماس.
وأكّد التحقيق أن الاستنتاج الإسرائيليّ، قد استند إلى 'تقييم متفائل بشكل مفرط لإنجازات حارس الأسوار (الحرب على غزة 2021 وهبّة الكرامة في مناطق 48)'.
هجوم حماس؛ 'فكرة مستقبلية' لا خطّة ملموسة
وتطرّق تحقيق الجيش الإسرائيلي إلى وثيقة 'سور أريحا' لحماس، والتي كانت قد وصلت إلى إسرائيل في وقت مبكّر من عام 2022؛ ورغم أن الوثيقة وصفت بدقة نوايا حماس في اختراق فرقة غزة بجيش الاحتلال، باستخدام 4 آلاف مقاتل، والوصول إلى مدن في عمق إسرائيل، إلا أنها عُدَّت في إسرائيل 'فكرة مستقبليّة' تهدف إلى بناء القوّة، وليست تهديدا حقيقيًّا.
وعُرضت الوثيقة المذكور، على رئيس الاستخبارات العسكرية، وقائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال في أيار/ مايو 2022، لكن لوحظ أنهما لم يعرفا ما إذا كانت 'خطّة ملموسة'، أم مجرّد أفكار لرائد سعد.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في ندوة بعنوان 'صورة معركة'، نوقشت 'سور أريحا' باعتباره سيناريو مستقبليا.
وكان تقدير الجيش الإسرائيليّ في ذلك الوقت، هو أن حماس قادرة على تنفيذ هجوم بريّ بمشاركة كتيبتين، ونحو 70 مقاتلا، بينما في الواقع كان الوضع مغايرا بشكل كليّ، إذ شارك في هجوم 7 أكتوبر، نحو 5 آلاف و600 شخص.
الاعتماد المفرط على السياج الأمنيّ الفاصل
وتشير التحقيقات إلى فشل آخر، يتعلّق بـ'توجيه الموارد'، والاهتمام بجبهات أخرى، وبخاصة إلى الضفة الغربية المحتلة، والجبهة الشمالية ضد حزب الله، على حساب الاهتمام بغزة.
ويُظهر البيانات المقدمة في التحقيق، أنه في حين ظلّ عدد الكتائب والسرايا المخصصة لفرقة غزة بالجيش الإسرائيليّ، مستقرًّا على مرّ السنين؛ إلا أن حجم القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قد ازداد بنسبة 40% خلال الفترة ذاتها.
وكان أحد الأخطاء الرئيسية من قِبل إسرائيل، هو الإفراط في الاعتماد على السياج الأمنيّ الفاصل، الذي اكتمل بناؤه في تموز/ يوليو 2021، في حين لم يكن السياج الأمنيّ مصمَّما لتحمّل هجوم مفاجئ، واسع النطاق.
وكان الهدف من السياج الأمنيّ، تمكين السيطرة على أحداث الاحتجاج الجماهيريّ (كمسيرات العودة مثلا)، وتقويض عمليات التسلّل المحدودة؛ ورغم ذلك، فقد نشأ شعور إسرائيليّ مفرط بالثقة بقدرات السياج الأمنيّ، حتى عندما تم تقليص قوات الاحتلال على الحدود.
ووفق التحقيق، فقد افتقر الجيش الإسرائيلي إلى الوعي المنهجيّ بالحرب المفاجئة، حيث كان الافتراض الأكثر صرامة، هو 'جولة قتالية'، أو عملية إسرائيلية 'كبيرة' على الأكثر.
وأظهر التحقيق أن 'المستويات التكتيكية، لم تتخذ الاحتياطات المتوقعة، للاستعداد للتصعيد، حتى بدون سابق إنذار'.
الخداع الإستراتيجيّ… هكذا أخفت حماس مخطّط هجومها
وتصف تحقيقات الجيش الإسرائيليّ، كيف نجحت حماس بخداع إسرائيل من خلال عملية معقّدة؛ ويقدر جيش الاحتلال أن هذه كانت 'محاولة خادعة' تجنبت حماس من خلالها أي تصعيد مع إسرائيل من شأنه أن يعرّض خططها للهجوم للخطر.
وبحسب التحقيق فإن حماس أدركت أنها استثمرت الكثير في العمل تحت الأرض، فقامت بتغيير خطّة عملها. ومن بين الخطوات عدم مشاركة حماس في جولات القتال، إسنادا للجهاد الإسلامي، خلال عامَيّ 2022 و2023.
ومن هنا، فإنّ ما كان يُنظر إليه في إسرائيل على أنه 'ردع' و'التزام بالاتفاق' من قِبل حماس، كان في الواقع جزءا من عملية تطوير خطة الهجوم.
ويشير التحقيق إلى أن حماس توجهت إلى الجهاد الإسلامي بتعليمات واضحة: 'لا تفسدوا علينا (الهجوم المخطّط من قِبل حماس)' من أجل منع جولات التصعيد التي كان من شأنها أن تعطّل خطّة هجوم 7 أكتوبر.
ولفت الجيش الإسرائيلي إلى أن المظاهرات التي شارك فيها عشرات آلاف الغزيين، على السياج في الشهر الذي سبق الهجوم، 'قد تكون أيضا جزءا من الخداع'، لكنه لا يستطيع أن يجزم بذلك.
ومن أهمّ نقاط التحوّل التي لم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية من رصدها، هي إنشاء كتائب النخبة في حماس.
ويشير التحقيق إلى أنه بعد الحرب على غزة في عام 2014، حدّد رائد سعد هدفا لألوية النخبة في كتائب القسام، لمهاجمة مواقع الكتائب والسرايا التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بهدف أسر من فيها. وقد تم ذلك باستخدام غطاء ناريّ، وخمس كتائب قوامها 3 آلاف مقاتل، وهذا هو بالضبط السيناريو الذي تحقق في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مع بعض التعديلات.
ومع ذلك، وعلى عكس النهج الإسرائيليّ، طوّرت حماس الخطة بشكل مستمرّ منذ عام 2019، وكان الهدف النهائيّ هو 'سحق دولة إسرائيل' في حال انضمّ كل من حزب الله وإيران إلى الحرب.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، وفق التحقيق، كانت حماس قادرة على شن هجوم بنسبة 80%، وكانت تدرس تفعيل الخطة خلال عطلة تشرين الأول/ أكتوبر في ذلك العام.
ولم يتضح بعد سبب تأجيل إطلاق الهجوم في ذلك الوقت، ولكن في أيار/ مايو 2023، تم اتخاذ قرار بإطلاق الهجوم خلال عطلة تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام، وهو القرار الذي تم تنفيذه أخيرًا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتناول التحقيق بعداً آخر من الهجوم، وهو محاولة حماس حشد 'المحور' الذي تقوده إيران، لتنفيذ هجوم مشترك؛ ويشير إلى أنه بناء على هذا الفهم، فإنّ حماس بدأت في دفع الخطّة قُدما، وتسريعها.
وبدأت حماس حتى بإنتاج مسلسل تلفزيوني بعنوان 'القبضة الحرة' يعرض هجومها بشكل دقيق.
مشكلة عمليّة عميقة وفجوة في فهم الواقع
وتشير التحقيقات التي أجراها قسم الأبحاث التابع للاستخبارات العسكريّة ('أمان')، إلى فشل عميق بمنظومة الأمن الإسرائيليّة، إذ لم يتم التحذير، وهناك فجوة كبيرة ومستمرة في فهم الواقع.
وقد تمكن التحقيق من تحديد ما لا يقل عن عشرة 'إشارات' على مرّ السنين، والتي كان من الممكن من خلالها، فهم أن التصوّر الإسرائيليّ كان خاطئا، ولكن تم تجاهلها.
ومن بين الإشارات: وصول السنوار إلى قيادة الحركة في عام 2017، وتجنّب حماس المشاركة في جولات القتال مع الجهاد الإسلامي؛ ورغم كل هذا، ظلت الاستخبارات الإسرائيلية متمسّكة برأيها، بأن حماس 'ملتزمة بالاتفاق'.
ويربط التحقيق هذا الأمر بـ'ثقافة الاستخبارات' الإشكالية التي تنطلق من افتراض إسرائيل أنها 'تعلم'، بدلا من التساؤل عما إذا كانت هناك فجوة في الفهم.
ووفق الجيش، فإن المشكلة عملية، وتشير تحقيقاته إلى دروس أولية؛ أولا وقبل كل شيء، تغيير ثقافة الاستخبارات وتطوير ثقافة أمنية على كافة المستويات.
ويؤكد التحقيق أن كل مستوى من مستويات الأمن في إسرائيل، 'مطلوب للاستعداد للدفاع الكافي'، مع 'تنفيذ سيناريو معقول'، وفحص الافتراضات الأساسية بشكل نقديّ.
ويؤكد التحقيق أيضا على ضرورة تحديث نسب التهديد، بحيث تشمل سيناريوهات الهجوم، وعدم نسب للأعداء 'الدونية'، والاستعداد لسيناريوهات 'لا تستطيع الاستخبارات تخيّلها على الإطلاق'، مثل احتلال حماس للأراضي.
واختتم التحقيق بتحذير مفاده، أن 'هذه ليست دروسا يمكن تصحيحها من خلال استبدال فرع أو قطاع، بل يتطلب الأمر تغييرا عميقا وجذريا في ثقافة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي'.
وفي ما يأتي استنتاجات رئيس الأركان الإسرائيليّ وقت الهجوم، هرتسي هليفي؛
نتنياهو يهاجم الجيش: اطّلعت على نتائج التحقيق من 'التقارير الإعلامية'
بدوره، هاجم مكتب نتنياهو الجيش الإسرائيليّ، مشيرا إلى أنه اطّلع على نتائج التحقيق، من 'التقارير الإعلامية' التي نشرتها وسائل الإعلام، مساء الخميس، علما بأن ضابطا من مكتبه، شارك في عرض نتائج التحقيق، بحسب ما أوردت هيئة البثّ الإسرائيليّة العامّة ('كان 11') في تقرير.
ولفتت هيئة البثّ إلى أن هجوم نتنياهو يأتي في حين 'لم يطلب مكتب رئيس الحكومة، توسيع التحقيقات، أو تقديمها لنتنياهو بشكل منفصل'.
وقال مكتب نتنياهو بشأن ذلك، إنه 'على الرغم من أن الضابط شارك في الإحاطة مع كامل هيئة القيادة العليا للجيش الإسرائيليّ، فإن هذا لا يغيّر من حقيقة أنه حتى الآن، لم تُنقَل التحقيقات إلى رئيس الحكومة للمراجعة'.
وأضاف أن 'كل هذا في حين كان المراسلون العسكريون، مكنشفين على تحقيقات الجيش الإسرائيلي، قبل أن يكلّف أحد نفسه عناء تقديمها إلى رئيس الحكومة، بالتفصيل'.