اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٧ أيار ٢٠٢٥
تقرير - شهاب
وسط ضجيج سيارات الإسعاف وصيحات الجرحى في مجمع ناصر الطبي بخان يونس، وقفت الطبيبة آلاء النجار بثوبها الأبيض، تمسح العرق عن جبين أحد الأطفال المصابين، كما اعتادت أن تفعل كل يوم منذ اندلاع الحرب على غزة، فيما لم تكن تعلم أن اليوم سيكتب أبشع فصل في حياتها.
في الساعة الثامنة مساءًا، وصلت إلى قسم الطوارئ جثث متفحمة لأطفال قضوا في قصف عنيف استهدف منزلًا في منطقة قيزان النجار بخانيونس، لم يختلف المشهد عن عشرات المشاهد التي اعتاد عليها الطاقم الطبي في الأيام الماضية، إلا أن شيئًا ما جذب انتباه الطبيبة آلاء، قطعة قماش تعرفها جيدًا، كانت تغطي وجه أحد الضحايا الصغار.
اقتربت بخطى مرتجفة، سحبت القماش بيد مرتعشة، فشهقت، 'هذا يحيى... ابني'، صرخت، ركضت نحو الأسرة الأخرى، تحاول أن تتعرف على ملامح أطفالها التي شوهها القصف والنار، واحدًا تلو الآخر، بدأت المأساة تتضح، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، وسيدرا، تسعة من أبنائها، استقبلتهم الطبيبة الأم، أشلاءً محروقة، في المستشفى الذي لطالما كان مكان عملها ومصدر فخرها.
كما أن زوجها، الطبيب حمدي النجار، كان يرقد في غرفة العناية المركزة، مصابًا بجراح خطيرة، لا يعلم بعد أن أبناءه التسعة قد رحلوا، أما الطفل العاشر، آدم، فقد نجا بأعجوبة، لكنه يرقد تحت الأجهزة بين الحياة والموت.
الطواقم الطبية في مجمع ناصر اعتادت على استقبال جثامين الشهداء، لكنها لم تتخيل يومًا أن ترى زميلتهم، الطبيبة المتفانية، تنهار بين أروقة المستشفى، تصرخ من هول الفقد، وتبكي أطفالها الذين اعتادت أن تتركهم صباحًا لتسعف غيرهم.
وهذه المأساة تسلط الضوء على المعاناة التي يعيشها الكادر الطبي في غزة، حيث لا يقتصر الاستهداف على الأطباء في أماكن عملهم، بل يمتد ليشمل عائلاتهم ومنازلهم.
وللتأكيد، ليست قصة من رواية خيالية، بل فصل جديد من معاناة لا تنتهي في غزة، حيث لا ينجو من النار أحد، لا الأطباء، ولا الأطفال، ولا حتى أحلام الأمهات.
آلاء النجار لم تفقد فقط أبناءها، بل فقدت جزءًا من نفسها، في لحظة تحوّل فيها الثوب الأبيض من رمز للحياة، إلى شاهد على فاجعة إنسانية تجاوزت كل حدود الألم.
وقال المدير العام لوزارة الصحة، الدكتور منير البرش: 'هذا ما تعيشه كوادرنا الطبية في قطاع غزة. الكلمات لا تكفي لوصف الألم. في غزة، لا يُستهدف الكادر الطبي فحسب، بل يُمعن الاحتلال الإسرائيلي في الإجرام، ويستهدف عائلات بأكملها'.
أوضحت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أن عدد الشهداء الأطفال بلغ حتى الآن 16 ألفاً و503، في حصيلة صادمة تعكس حجم الاستهداف المباشر للأطفال من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
هذه الفاجعة ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بين نعي لأطفال الطبيبة ومعبرين عن حزنهم لفقدها الكبير، مؤكدين على أن الطبيبة التي كانت ولا تزال نموذجًا للتفاني بالمهنة، وآخر في التضحية بوقتها وصحتها ومالها وطاقتها لأطفالها العشر.
'الطَّبيبة آلاء النجار شاهدت بأمِّ عينيها جثث أطفالها السبعة متفحمة'.. هكذا روى أحد أفراد عائلتها تفاصيل حول جريمة الاحتلال المروعة في قصفه منزل الطبيبة آلاء النجار وارتقاء 9 من أطفالها شهداء، فيما لا يزال اثنان تحت الأنقاض، لا يُعرف على وجه الدقة من هما، بعد أن تعرضت جثامينهم للحرق الكامل وتشوه ملامحهم
'أم تحاول إنقاذ الأرواح، فتتلقى خبر استشهاد أطفالها'.. بهذه العبارة وصف المعلق الرياضي الجزائري حفيظ دراجي المشهد المؤلم، مضيفًا عبر حسابه الرسمي: 'لم تملك إلا دموعها.. وقلب أم ينهار بصمت وسط أزيز الطائرات وصراخ الجرحى... لكِ الله يا آلاء، عظم الله أجرك، وجبر كسرك، وألهمك الصبر على فاجعة لا تُحتمل'.
وتابع: 'في مشهد يفطر القلوب ويمزق الأرواح، كانت الطبيبة آلاء النجار تؤدي واجبها الإنساني في إنقاذ ضحايا القصف داخل مجمع ناصر الطبي جنوب غزة، قبل أن تفجع بوصول جثامين أطفالها التسعة إلى المستشفى ذاته، بعد أن قضوا في قصف الاحتلال لمنزلها'.
الطبيب الكويتي أحمد العنزي علّق على المأساة بكلمات غاضبة، تعكس صرخة الضمير الإنساني، قائلاً: 'هذه ليست مجرد مأساة أو كارثة… إنها خزي وعار ووحشية عالم سياسي مقرف ومزدوج المعايير! وخذلان عربي وإسلامي أدهى وأمر'.
الناشطة الفلسطينية وداد دعنا، تساءلت: 'أي قلب يتحمل هذا الوجع يا الله.. التسعة دفعة واحدة!.. التسعة!!، أي قلب يحتمل أن يُنتزع منه ذريته دفعة واحدة؟'، مؤكدةً على أن 'الاحتلال الارهابـي لا يفرق بين طبيب وطفل، بين بيت ومستشفى، بين حياة وحياة'.
الصحفي الفلسطيني معاذ ظاهر، قال: 'ليست هذه الحادثة استثناءً في غزة، بل هي جزء من مسلسل طويل من الجرائم التي تطال المدنيين، وتحديدًا الأطفال، في ظل صمت دولي وعجز عربي. لكن ما يجعل قصة آلاء النجار مفجعة بشكل خاص هو أنها طبيبة حياة، خُيّل للجميع أنها خط الدفاع الأخير أمام الموت، حتى باغتها الموت من داخل بيتها'.
وأضاف: 'وما حدث لا يمكن وصفه فقط بالألم، بل هو شهادة حيّة على انحدار أخلاقي مريع في النظام العالمي، الذي يُفرّق بين الدماء على أسس الهوية والجغرافيا'.
كما علق الصحفي الفلسطيني الذي فقد جميع عائلته، يوسف شرف، على الحادث الأليم للطبيبة النجار، قائلاً: 'بالأمس كانت أماً لثمانية أطفال.. هذا الصباح، لم تعد أماً لأحد. كلهم رحلوا ممزقون، بلا ملامح، بلا وداع… الطبيبة آلاء النجار، التي كرّست حياتها لإنقاذ الأرواح، فقدت فلذات كبدها دفعة واحدة تحت ركام القصف'.
وأضاف: 'هذه الأم لا تحتاج إلى عزاء… العزاء الحقيقي في إنسانية هذا العالم.. لضمير مات، وسَكَت أمام هذه الجرائم'.
ومن جانبه، علق مدير مكتب قناة الجزيرة في قطاع غزة الصحفي وائل الدحدوح الذي ودع أيضًا أطفاله شهداء، متسائلاً: 'أي قوة تلك التي تحتمل كل هذا الوجع.. الطبيبة آلاء النجار تفجع باستشهاد ٩ من أطفالها'.
أي قوة تلك التي تحتمل كل هذا الوجع.. الطبيبة آلاء النجار تفجع باستشهاد ٩ من أطفالها
الفلسطينية حنين درويش كتبت أيضًا على صفحتها بمنصة (X): ' يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لُقمان، سيدرا' لكي لا ينسى العالم الأُم الطبيبة آلاء النجار وأسماء أطفالها التسعة الشهداء، وأخاهم العاشر الطفل آدم الذي بقيّ وحيداً ليكون شاهداً على هذه المجزرة وشاهداً على الصمت والخذلان'.
' يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لُقمان، سيدرا '
لكي لا ينسى العالم الأُم الطبيبة ' آلاء النجار ' وأسماء أطفالها التسعة الشهداء.
وأخاهم العاشر الطفل ' آدم ' الذي بقيّ وحيداً ليكون شاهداً على هذه المجزرة وشاهداً على الصمت والخذلان.
الناشط أبو الحسن كتب على صفحته بمنصة (X) قائلاً: 'الطبيبة الاء النجار وتسعة أرواح منها تفارقها .. العالم الحقير بحاجة لإعادة تعريف الإنسانية ونحن بحاجة لإعادة تعريف الحزن'.
مشهد الطبيبة آلاء يلخص حال قطاع غزة، حيث يختلط الواجب الإنساني بالفقد، والمقاومة بالصبر، والحياة بالموت، هو مشهد يتجاوز قدرات اللغة، ويجعل من الألم اليومي عنوانًا لكل قصة في هذه الأرض المحاصرة.