اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ تموز ٢٠٢٥
في بيتٍ بسيط لدى أحد أقاربها، تجلس آية عدنان على كرسيها المتحرك، ذلك الكرسي الذي حصلت عليه بعد معاناة طويلة مع الحرمان. كان كطوق نجاة، يمنحها حرية الحركة دون الحاجة إلى مساعدة أحد.
آية، المصابة بشلل نصفي نتيجة ورم على النخاع الشوكي، تعايشت مع حالتها لسنوات، وتحدّت الإعاقة بكل ما أوتيت من إرادة. أنهت دراستها، وانخرطت في مؤسسات وجمعيات تُعنى بذوي الإعاقة، تساند وتدعم من هم بحاجة.
لكن حياتها انقلبت رأسًا على عقب منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر 2023. لم تكن تدري أن الحرب ستسرق منها كل شيء: بيتها، حياتها، وحتى أبسط مقومات العيش… وكرسيها المتحرك، الذي تركته ظنًّا منها أنها ستعود إليه بعد يومين فقط.
ومع اشتداد القصف على شمال غزة، اضطرت آية للنزوح من بيت لاهيا، دون أن تتمكن من أخذ كرسيها معها. تقول:
'غادرت بيتي دون كرسيي المتحرك.. ومن وقتها وأنا بزحف على الأرض، أو بنام على كراسي وأرضية البيوت والخيام اللي نزحت إلها. ما كان عندي شي يساعدني على الحركة أو حتى على النوم أو لقمة أكل محترمة.'
الحرب لم تكن فقط صواريخ ودمارًا، بل أيضًا جوع دائم، وسوء تغذية، وانعدام تام لأي نوع من الرعاية الطبية. لا مسكنات، لا أدوية، لا رعاية خاصة تناسب حالتها الصحية الصعبة.
تنقّلت آية بين مراكز إيواء عدة، وبين الخوف والجوع، قررت أن تواجه واقعها قدر استطاعتها. تقول لـ 'فلسطين أون لاين': 'رغم النزوح، قررت ما أستسلم. جمعت أدوات خياطة بسيطة، وفتحت مشروع صغير أخيط فيه ملابس لنفسي ولعيلتي.'
نجح مشروعها بشكل متواضع في البداية، ولاقى رواجًا في محيطها، إلى أن نفدت المواد الخام بسبب الإغلاق الكامل للمعابر، ما أدى إلى توقف المشروع وعودة العجز من جديد.
لكن آية لم تسمح للعجز أن يصمت صوتها. لجأت إلى الكتابة، ودوّنت تجربتها الشخصية بلغة صادقة تنقل للعالم كيف تعيش فتاة فلسطينية من ذوي الإعاقة تحت وطأة الإبادة الجماعية. أطلقت كتابًا إلكترونيًا باللغة الإنجليزية بعنوان:
'Trapped Between Wheels and War'
نشرته على منصة 'أمازون'، وتحكي فيه تفاصيل رحلتها مع الإعاقة، والنزوح، والحرب، والمعاناة اليومية في ظروف لم تعد إنسانية.
تقول: 'الكتاب رسالة لكل العالم.. بدي يعرفوا إننا مش أرقام، إحنا بشر، وعم نعيش ظروف أقسى من أي خيال.'
وفي 19 يناير 2025، ومع بداية التهدئة المؤقتة، تمكنت آية من العودة إلى مدينة غزة قادمة من دير البلح، وتقيم حاليًا في منزل أحد أقاربها، حيث تحاول لملمة أنفاسها وسط الدمار، بانتظار فرصة واحدة فقط:
تحويلة طبية إلى تركيا لاستكمال علاجها، الذي بدأ قبل الحرب، ثم انقطع تحت القصف والدمار والحصار.
'بحلم أرجع أتعالج.. أرجع أوقف، أتحرك، أعيش زي باقي الناس.. بحلم يتحقق بس جزء بسيط من حقي.'
آية ليست مجرد ناجية من الحرب. إنها فتاة صمدت بأدوات بسيطة في وجه قهر ثلاثي: الإعاقة، والنزوح، والحصار. وما زالت تحاول، بكل ما تملك، أن تصنع من خيطٍ أملًا، ومن كتابٍ شهادة.