اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لا يمكن إيجاد نقطة مشرفة على كل الوضع في منطقة المشرق العربي أكثر من نقطة ذروة ارتفاع جبل الشيخ المطل على دمشق وعلى عقدة طريق المصنع بين سورية ولبنان وعلى منطقة واسعة من الجنوب السوري..
وبالتزامن سيطرت إسرائيل على مرتفعات متحكمة على طول الحدود داخل لبنان؛ وأيضاً على مرتفعات متحكمة على طول الحدود داخل سورية حيث أقامت غرفة عمليات للجيش الإسرائيلي على تلة الحارة التي تشكل إحدى تلال جبل حوارن المطلة على درعا المدينة وعلى ريفها الغربي.
بهذا المعنى يمكن القول أن إسرائيل منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ وهو كان موعد سريان وقف النار مع لبنان؛ ومنذ نفس هذا التاريخ تقريباً، وهو كان موعد سقوط نظام الأسد؛ أقدمت على تغيير حدودها مع كل من لبنان وسورية وأصبحت تتواجد على سلسلة تلال حاكمة تمتد من الناقورة حتى الغجر امتداداً حتى القنيطرة مروراً بالسويداء استخبارتياً حتى منطقة الريف الغربي لدرعا حيث تمارس في هذه الأخيرة 'استراتيجية تأمين'..
والواقع أن مناطق السيطرة تمارس إسرائيل من خلالها عدة أنواع من التحكم بها: عمليات تحكم من خلال وجود عسكري مباشر كما هو الحال على التلال الخمس اللبنانية وكما هو الحال في منطقة القنيطرة الإدارية التي طردت منها إسرائيل قوة الاندوف؛ وحل مكانها جيشها؛ أي أن تل أبيب ألغت من جانب واحد اتفاق ١٩٧٤ للفصل بين الجيشين السوري والإسرائيلي؛ وأيضاً كما هو الحال على تلة الحارة في جبل حوران المشرف على مدينة درعا.
.. إلى ذلك هناك نوع ثاني من السيطرة الذي باتت إسرائيل تمارسه فوق المساحات البعيدة عن حدودها الجديدة؛ وهو السيطرة الديموغرافية أو عبر ما يمكن تسميته 'بالسيطرة على توجيه الأحداث الديموغرافية'؛ ويمكن القول أن هذا سلاح جديد بدأت تل أبيب تمارسه بعد ٧ أكتوبر بتوجيه من نتنياهو؛ ومفاده أن تسيطر إسرائيل على توجيه الأحداث الديموغرافية فوق ساحات العدو أو على مساحة جبهة العدو الداخلية التي تستهدفها بشكل مباشر أو غير مباشر؛ وهذه الاستراتيجية تم لحظها في غزة حيث يتقصد الجيش الإسرائيلي نقل سكان القطاع بإستمرار من منطقة إلى أخرى توصلاً بالنهاية لحشرهم في شريط ضيق كمقدمة لتهجيرهم أو لاحتلال غزة ديموغرافياً بدل من احتلالها جغرافياً.
وتنطلق خلفية هذه الفكرة من وجود إشكالية في إسرائيل تفيد بأن المعدة الإسرائيلية لم تعد تستطيع بسهولة هضم التوسع الجغرافي وعليه المطلوب ليس إلغاء فكرة التوسع بل استبدال التوسع الجغرافي بالتوسع الديموغرافي، وذلك من خلال اتباع استراتيجية السيطرة على توجيه الأحداث الديموغرافية فوق مناطق الخصم البعيدة والقريبة وداخل ساحات جبهاته الداخلية.
والواقع أن تدخل إسرائيل في أحداث جرمانا والأشرفية وصحنايا ليس غايته الاستراتيجية والعميقة حماية الدروز بل تأسيس قواعد اشتباك في داخل سورية تمهد لإرساء عدة مفاهيم مستحدثة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية أبرزها امتلاك إسرائيل قدرة عملية على توجيه الأحداث الديموغرافية داخل سورية؛ أقله في منطقة دمشق وجنوبها ومدينة درعا وريفها الغربي.
على نحو أعم تريد إسرائيل تفعيل استراتيجية توجيه الأحداث الديموغرافية فوق ميادين الدول المجاورة لها سواء في سورية أو في لبنان وحتى في غزة والصفة الغربية. ومن بين الخلفيات الاستراتيجية الأساسية التي تجعل نتنياهو يتمسك بهذه الاستراتيجية هو أمر أساسي: إدراكه أن التغيير المرتقب في المنطقة لن يكون على مستوى تغيير حدود الدول بل على مستوى تغيير الحدود الديموغرافية داخل الدول. وعليه فإن من يمسك بتوجيه الأحداث الديموغرافية داخل دول المنطقة يمسك بالتالي بقرار المنطقة.