اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
اعتبارًا من تشرين الأول الجاري، بدأت الولايات المتحدة تتبنى موقفًا أكثر حزمًا تجاه نزع سلاح حزب الله تمثّل بزيادة تمويل الجيش اللبناني وتكثيف الضغوط الدبلوماسية. فقد التزمت إدارة الرئيس ترامب بتقديم 230 مليون دولار كمساعدات للبنان، وربطت هذا الدعم صراحةً بمسؤولية الحكومة اللبنانية في ضبط جميع الأسلحة داخل البلاد بحلول نهاية عام 2025. وحزمة المساعدات الأخيرة خصصت 190 مليون دولار للجيش اللبناني و40 مليون دولار لقوى الأمن الداخلي، وذلك لتسهيل تسلّم المهام الأمنية والتركيز على مواجهة الوجود المسلح غير الشرعي. وهذا يؤكد التزام واشنطن بدعم إنشاء دولة تكون جميع سلطاتها العسكرية تحت إمرتها. لكن ما يزيد الأمر تعقيدًا أن حزمة المساعدات مشروطة بإحراز تقدم ملموس في جهود نزع السلاح. لذا تخشى المصادر من أن تزيد انتكاسة الروشة الأخيرة من خطر قيام واشنطن بتقييد أو تقليص المساعدات المستقبلية، مما يعقّد جهود لبنان الأمنية والاقتصادية.
وتشير مصادر عسكرية أميركية إلى أن جوهر هذه الاستراتيجية يتمثل في جهد منسق مع القوى الإقليمية من إسرائيل ودول الخليج العربية، التي حذرت الحكومة اللبنانية صراحةً من أن عدم إحراز تقدم ملموس في نزع السلاح قد يعرض الدعم المالي الحيوي للخطر. ويأتي هذا التحوّل في السياسة الأميركية في أعقاب الصراع السياسي المستجد على الساحة اللبنانية والذي أضعف إلى حدّ بعيد صورة الدولة القادرة على بسط سلطتها. في المقابل، يرى المسؤولون الأميركيون أن هناك فرصة استراتيجية لتغيير ديناميكيات الأمن في المنطقة رغم التحديات التي تواجه لبنان. فواشنطن قالت على لسان مسؤوليها، وآخرهم المبعوث الرئاسي توم برّاك، إن إرساء سيطرة الدولة على الأسلحة أمر بالغ الأهمية للبنان لتحقيق الاستقرار والحوكمة الفعّالة، من خلال ربط جهود نزع السلاح والتزام لبنان بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بعملية تقديم المساعدات وإعادة الإعمار.
في المقابل، يرى دبلوماسيون أميركيون أن رفض حزب الله دعوات نزع سلاحه يعتبر تحديًا، رغم التراجع الهائل في قوته. غير أن البعض يعتبر أن الحزب يناور سعيًا لمكتسبات وشراء للوقت الذي بدأ ينفد. من هنا أشارت معلومات إلى أن الإدارة الأميركية أعادت تفعيل سياسة Maximum Pressure رغم علمها أن ذلك قد يزيد من التعقيدات السياسية والطائفية في لبنان. فالنهج الأميركي لا يسعى إلى تحقيق توازن في لبنان بقدر ما يسعى إلى تحقيق الأهداف المتمثلة بدعم السيادة اللبنانية وإدارة ديناميكيات القوة.
من هنا تشير مصادر عسكرية أميركية إلى سعي لتعديلات في خطة الجيش لنزع سلاح حزب الله. فاستراتيجية الجيش المؤلفة من خمس مراحل، قد يُعاد النظر في ترتيب أولوياتها. إذ بعد الانتهاء من المرحلة الأولى في جنوب الليطاني وإحراز تقدم كبير في تفكيك مخابئ ومنشآت الأسلحة، من المتوقع أن يشكل سهل البقاع لا سيما مناطق البقاع الشمالي وجروده الهدف التالي لهذه العملية الأمنية. وتلفت المصادر العسكرية الأميركية إلى أن واشنطن تنتظر تقرير الجيش المفصل للشروع في تهيئة الأرضية اللازمة للتقدّم إلى البقاع ذي الحساسية السياسية والمعقل الذي يضم مستودعات أسلحة وشبكات لوجستية حيوية.
ومع ذلك، تلوح في الأفق تحديات جسيمة. فقد شرح الرئيس جوزاف عون محاذير زيادة الضغط على لبنان خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي في نيويورك. وشدد على ضرورة توفير ضمانات بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وعدم قيامها باعتداءات مستقبلية. ورغم تفهّم روبيو وفريقه للمطالب اللبنانية، تشير المصادر إلى أن القرار بنزع سلاح الحزب لا رجوع فيه، واستمرار الحزب كـ مقاومة ليس واردًا. وترى الولايات المتحدة أن نزع سلاح حزب الله أمرٌ بالغ الأهمية لاستقرار لبنان، وتخفيف التوترات الإسرائيلية اللبنانية، والحد من النفوذ الإيراني. ومع ذلك، فإن الفشل في تحقيق توافق سياسي داخل لبنان يُعرّض هذه الأهداف للخطر، مما قد يسمح لـحزب الله بالبقاء قوةً مُزعزعة للاستقرار.
في المقابل، تشير المصادر العسكرية الأميركية إلى أن أبرز التعقيدات هي إدراك الجيش اللبناني محدودية موارده من حيث الأفراد واللوجستيات والمعدات، لذا فإن خريطة طريق نزع السلاح تستند إلى الدعم الدولي - بما في ذلك الدعم من الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يكون تنفيذ نزع السلاح في البقاع في المستقبل القريب حذرًا وتدريجيًا، بعد معالجة قيود القدرات العسكرية للجيش، مما يجعل هذه المرحلة من أهم الاختبارات للدولة اللبنانية وحلفائها الدوليين والإقليميين.
من ناحية أخرى، وفي قراءة للتحديات في أعقاب أحداث الروشة وما وصفته المصادر الأميركية بـ الانتكاسة الأخيرة، اعتبرت المصادر الدبلوماسية أن تفاقم الانقسامات السياسية يشكل فشلًا للرئيس وحكومته. ويعكس هذا المأزق حدود سلطة الدولة كما يُظهر غياب استراتيجية متماسكة لمعالجة نزع سلاح الحزب ودرء الانقسامات الداخلية الحادة في لبنان، والتي لا تزال تُعقّد الأمور. كذلك لفتت هذه المصادر إلى قدرة حزب الله على استغلال كتلته البرلمانية أو النواب المتحالفين معه لعرقلة العمليات التشريعية خصوصًا مسألة قانون الانتخاب، مما يشكل تهديدًا لاستقرار الحكومة. وتمتد تداعيات المأزق السياسي إلى القوات المسلحة اللبنانية، التي تواجه حساسية سياسية متزايدة وهي عوامل تساهم في خلق بيئة غير مستقرة.
في ضوء ذلك، تشير المصادر إلى أن واشنطن قد تحتاج إلى إعادة تقييم لاستراتيجيتها. وتُشدد الرسائل الأميركية على أن السلام الدائم والمساعدات الدولية يتوقفان على سيطرة لبنان على الجماعات المسلحة، وهو ما أكده برّاك ومسؤولون آخرون في الإدارة. من هنا قد تُكثّف واشنطن جهودها الدبلوماسية مع شركائها الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لتعزيز التنسيق لتحفيز التعاون مع الحكومة اللبنانية. وفي موازاة ذلك، قد تعمد واشنطن إلى زيادة التركيز لتمكين الجيش اللبناني كمؤسسة أمنية مركزية في لبنان. وقد يشمل ذلك تهيئة بيئة أكثر استقرارًا، تُمكّن الجيش من العمل بحرية في جميع أنحاء لبنان. في المقابل، ستستمر واشنطن بسياسة الضغط على الجهات السياسية التي تدور في فلك حزب الله من خلال العقوبات والعزل الدبلوماسي.
وتضيف المصادر أن واشنطن تعمل على تكييف مواقفها الدبلوماسية والعسكرية لإدارة عدم الاستقرار المُحتمل أو الأزمات الناجمة عن الجمود السياسي اللبناني. في هذا الإطار، يبدو أن السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى، الذي يستعد لتولي منصبه هذا الشهر كسفير جديد للولايات المتحدة في لبنان، يأتي وصوله في لحظة محورية في العلاقات الأميركية اللبنانية. ورغم أن خبرته كرجل أعمال لبناني أميركي في القطاع المصرفي والمالي واسعة، إلا أن المصادر تؤكد إلمامه بالتحديات الجيوسياسية المُلحّة التي تواجه لبنان لا سيما قضية نزع سلاح حزب الله التي ستكون بشكل أساسي رأس حربة مهمته.