اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٠ أب ٢٠٢٥
في لحظة سياسية حرجة، أعلن لبنان تبنّيه للورقة الأميركية التي تقضي بحصرية السلاح بيد الدولة، مقابل وقف دائم لإطلاق النار على الحدود الجنوبية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس. هذه الخطوة، رغم ما أثارته من جدل داخلي لبناني، وضعت تل أبيب أمام اختبار دبلوماسي وأمني غير مسبوق: هل ستردّ تل أبيب بالمثل؟ أم أن واشنطن ستكتفي بالضغط على طرف واحد في معادلة النار والتهدئة؟
أمس الأول واصل الموفد الأميركي الخاص توم برّاك جهوده في بيروت حيث جال على المسؤولين قبل انتقاله مباشرة إلى تل أبيب، حاملاً معه أفكارا للتداول فيها علّها تحمل المسؤولين فيها الى اتخاذ موقف يتسم بالليونة تجاه الورقة الأميركية التي صادق عليها مجلس الوزراء اللبناني ضمن شروط واضحة تتضمن إشرافاً مباشراً من الأمم المتحدة، وجدولة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر، مع ضمانات أميركية - سياسية وأمنية - بأن لا تستغلّ إسرائيل العملية لإعادة تصعيد لاحق.
خلال زيارته إلى بيروت، التقى توم برّاك كبار المسؤولين اللبنانيين، وقائد الجيش، كما اجتمع بممثلي قوى سياسية مشاركة في الحكومة. ووفق تسريبات إعلامية، فإن برّاك أبلغ اللبنانيين بأن واشنطن لن تكتفي بخطوة من طرف واحد، وأن إدارة ترامب ستطلب من إسرائيل التزامات صريحة بالتوازي مع المسار اللبناني، ما يؤشر إلى نيّة أميركية لتوسيع نطاق الضغط إلى الساحة الإسرائيلية.لا شك ان زيارة برّاك إلى إسرائيل ستحمل ثقلاً سياسياً مختلفاً، إذ من المتوقع أن يواجه الموفد الأميركي جداراً من التحفّظ من قبل الحكومة اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو، والتي تعتبر أي انسحاب أو تهدئة مع حزب الله «تراجعاً أمنياً» في ظل ما تسمّيه «تهديدات متواصلة من الجبهة الشمالية».
لكن وفق مصادر سياسية عليمة فان برّاك في حال كانت واشنطن جادّة في إيجاد الحل بين لبنان وإسرائيل، يمتلك بعض أوراق الضغط والمناورة، ومنها:- ربط المساعدات الدفاعية الأميركية بضمانات أمنية متبادلة: لا سيما أن الكونغرس يراجع حالياً حزمة جديدة لدعم منظومات القبة الحديدية، يمكن استخدامها كورقة تفاوض.- تقديم خطة اقتصادية لإعادة إعمار الجنوب اللبناني بتمويل دولي مشترك، على أن تكون إسرائيل جزءاً منها بطريقة غير مباشرة، ما يخلق نوعاً من التداخل في المصالح.- فتح مسار تفاوضي تقني لترسيم نقاط التماس البرية المتنازع عليها، كخطوة رمزية لإظهار حسن النيّة الإسرائيلية مقابل نزع سلاح حزب الله الثقيل.والسؤال البديهي الذي يمكن طرحه هو: هل ستستجيب إسرائيل للضغط الأميركي؟من المتوقع أن لا تقبل تل أبيب أي خطة تربط بين أمنها ونزع سلاح «حزب الله»، وان كان البعض في إسرائيل يعتبر الورقة الأميركية خطة واقعية، خصوصاً في ظل التخوّف من انزلاق الأمور إلى مواجهة شاملة، ولا سيما ان صحيفة «هآرتس»، ذكرت منذ أيام أن شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي قدّمت للحكومة تقريراً يفيد بأن «التفاهمات الممكنة اليوم قد لا تكون متاحة غداً إذا فشل المسار الحالي».
في تقدير المصادر السياسية العليمة ان هناك سيناريوهات عدة متوقعة ما بعد زيارة برّاك: من بينها تجاوب جزئي إسرائيلي، وقبول بمبدأ التهدئة مقابل نزع سلاح الصواريخ الثقيلة فقط، مع تأجيل الانسحاب من بعض النقاط الحدودية.- وضع خطة أميركية معدّلة لجهة توسيع الورقة لتشمل طرفاً ثالثاً ضامناً مثل الأمم المتحدة أو فرنسا، لتقريب وجهات النظر.- تعليق المبادرة وإعلان الفشل الأميركي في إقناع إسرائيل، ما يؤدي إلى فرملة التقدّم اللبناني وعودة التوتر التدريجي.هل ستستطيع واشنطن الضغط على إسرائيل فعلاً؟
هنا يكمن السؤال الأعمق. فواشنطن، رغم كونها الحليف الأكبر لتل أبيب، نادراً ما تمارس ضغوطاً فعّالة على إسرائيل في مسائل ترتبط بأمنها الحدودي. ومع ذلك، فإن إدارة دونالد ترامب تسعى إلى تجنيب المنطقة اشتعالاً إقليمياً كبيراً قد يؤدي إلى انهيار كل المبادرات السياسية في الشرق الأوسط.
نخلص لنقول انه مع تحرّك الورقة الأميركية من بيروت إلى تل أبيب، يتحوّل الجنوب اللبناني من ساحة مواجهات إلى حلبة اختبار للسياسة الأميركية في المنطقة، فإذا نجحت واشنطن في إقناع إسرائيل بالمضي في طريق التهدئة، فسيكون ذلك سابقة نادرة في ميزان الصراع، أما إذا اختارت تل أبيب المماطلة، فإن فشل المبادرة قد يعني عودة التصعيد عاجلاً أو آجلاً، وهذه المرة وسط فراغ ثقة لا تُجدي معه أي وساطات.
فهل ينجح برّاك في مهمته في تل أبيب أم سيعود منها بورقة خالية من التوقيع؟