اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٣ أيلول ٢٠٢٥
كتب شادي صعيبي:
كان صوته صاخباً، حاداً، خالياً من المجاملات؛ بلا أزهار، بلا أكاذيب مهذّبة. صوت نقيّ يصدح بالحقيقة فقط. لم يكن يخشى الموت، بل كان يخاف أن تُستغل كلماته لبناء دويلات سياسية وجزر أمنية تُناهض ما آمن به، وأن يُغسل تاريخه بماء مدنّس بعد أن أفنى عمره في تمزيق أقنعة 'الوطنجيين' الزائفة.
كان يكره رجال السياسة الذين يروّجون للأباطيل، ويؤمن أن أسوأ ما قد يصيب قضيته بعد رحيله هو تحريف أفكاره وإعادة تفسيرها بما يخدم أهواء أولئك الذين لطالما حاربهم طيلة حياته.
كان يريد أن يرشد أبناء الظلمة نحو النور، ذاك النور الساطع الذي يُوجِع لكنه يُطهّر. لم يصغوا إليه، بل تآمروا عليه، وقالوا إنه عميل، وإن كلماته خطر على 'السلم الأهلي' و'العيش المشترك'، فغدروا به وأسقطوه.
فالحقيقة حين تأتي مبكرةً تقتل، وحامل النور في مملكة الظلام لا يُرى كمخلّص، بل كعدو لأنه يزعزع المفاهيم، ويشكّك في ذاكرة قوى الأمر الواقع، ويفتح أبواباً وسراديب نُسيت منذ الأزل.
ولأن ما يُهدّد الظلام ليس النار بل العقل، العقل الذي يُبصر ويحلم، كان لا بد من إطفاء هذا النور بالتكذيب، والتخوين، والعزل، وأخيراً بالقتل.
هكذا وقف صاحب النور أمامهم، وخاطبهم بالحق والحقيقة، وبعدما ارتقى شهيداً، تحوّل من قائد سياسي وعسكري إلى أيقونة ورمز يُضيء عتمة الوطن.
وحين تمكّن أبناء الظلام من مفاصل الحكم، تحوّل عنفوانه واستشهاده إلى قصة أمل في زمن الإرهاب الفكري والسلاسل الحديدية، حتى بات اسمه أغنية يردّدها الجميع، من دون أن يدركوا عمقها وماهيتها.
ورغم أننا لم نخرج من الكهف تماماً، بل زدناه منذ استشهاده ظلاماً وخداعاً، اذ كان هناك من يقيدنا، وكان هناك أيضاً من قيّد نفسه طوعاً، واختار الظلام لأنه اعتاده، فجعله حقيقة مصنوعة من عناوين مضلّلة، ومشاعر ملوّنة، وسراب يُباع على أنه يقين.
لكن اليوم، وبعد سنواتٍ عجاف، سقط جدار الظلام، وعادت خيوط النور تسطع على جبالنا. واقترب الحلم، حلم البشير الذي حَملَهُ في قلبه وعلى لسانه، اقترب من الواقع، وأصبح لبنان بجناحيه يهتف 'لبنان أولاً'.
صحيح أنه لم يعد يسكن المناطق، ولا حتى الأرض، بل أصبحت قلوب الذين أحبّهم موطنه الأزلي. هكذا كتب أسطورته بالحلم، وبالصوت، وتعمد بالنار والدم، وارتقى حارساً لجبالنا وودياننا وسهولنا.
اليوم وبعد أربعة عقود ونيف من الزمن، لا يزال لبنان يصارع على مفرق الدهر، لكن البشير ومن عليائه، باقٍ على الوعد، من خلال نبض أفكاره وأجيال تتعاقب على حمل راية الوطن حتى يشهد معنا انبلاج النور ولحظة قيامة لبناننا المؤجّلة، لبنان الحلم المشتعل..