اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة النهار اللبنانية
نشر بتاريخ: ٤ تموز ٢٠٢٤
تبسط عوامل التغيُّر المناخيّ والاحتباس الحراريّ آثارها على لبنان بحدّة بعد الدول الأوروبيّة. الحرارة التي وصلت إلى 40 درجة في القارّة الباردة، الصيف الماضي، تخطّت في لبنان، خلال شهر حزيران الحاليّ، الـ43 درجة، ممّا قد يُمهّد لصيف حارّ لم يعتَد عليه اللبنانيّون سابقاً.
في منتصف حزيران، سيطرت على البلد موجة حرّ استثنائيّة أدّت إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، مقارنة بالفترة ذاتها خلال العشريّة الأخيرة، خصوصاً وسط ترافقها مع نسبة رطوبة عالية زادت الشعور بالحرّ لدى المواطنين.
موجات الحرّ هذه تُشكّل الفتيل الرئيسيّ لاندلاع الحرائق في المناطق الحرجيّة، وتتضاعف نسب تمدّدها وخطورتها إذا ما ترافقت مع عوامل أخرى، منها بشريّة، وأخرى مرتبطة بسرعة الرياح وجفافها.حرائق الغابات في القبيات (أرشيف 'النهار').'لبنان يحترق'
شهد لبنان في تشرين الأول 2019 إحدى أضخم موجات الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من أحراج الشوف وإقليم الخروب وعكّار، وقد تصدّرت عبارة 'لبنان يحترق' المشهد حينذاك، لفظاعة النيران والدمار الكبير الذي حلّ بالثروة الحرجيّة.
وعند تبدُّل الأحوال الجوّية في كلّ صيف، يرتفع منسوب الخطر من اندلاع الحرائق مجدّداً، إلّا أنّ الدفاع المدنيّ اللبنانيّ يرفض ربط الحرائق فقط بالطقس، وذلك بالنظر إلى الحرائق المفتعلة، بدءاً من تجّار الحطب في البلدات ذات التضاريس الحرجيّة، ناهيك عن نزهات الشواء التي يقوم بها المواطنون، والأضرار التي يخلّفونها وراءهم. إضافة إلى حملات التشحيل والتنظيف الموسميّة للأراضي الزراعيّة المتاخمة للمنازل عبر إحراق الأعشاب اليابسة بدلاً من قطعها.
يوميّاً، يتلقّى الدفاع المدنيّ عشرات الاتصالات التي تُفيد باندلاع حرائق على أنواعها، بعضها محدود، فيما تستعر أخرى سريعاً وصولاً إلى تهديد المنازل والسكّان. وفق أرقام الدفاع المدنيّ التي حصلت عليها 'النهار'، فقد نفّذ العناصر آلاف المهمّات منذ بداية العام: 3500 مهمّة للتدخّل بحرائق الأعشاب، 250 مهمّة في الأحراج، مهمّات مرتبطة بحرائق النفايات القريبة من الأشجار والغابات، 82 مهمّة لحرائق في الأشجار المثمرة، إضافة إلى حرائق المزروعات الموسمية.
في المشهد العام للحرائق خلال فصلَي الربيع والصيف، يمكن ملاحظة أنّ الحرائق غطّت مساحات واسعة من لبنان ككلّ، ولم تكُن محصورة في قضاء جغرافيّ واحد، وخصوصاً في الجنوب حيث القصف الإسرائيليّ بالفوسفور والموادّ الحارقة كثّف من خطر تمدّدها في أيّ لحظة.
بحسب متابعة رئيس قسم التدريب في الدفاع المدنيّ، نبيل صالحاني، فإنّ 'حدّة الحرائق قد تختلف بين منطقة وأخرى في غضون يوم واحد بفعل عوامل عديدة'، متسائلاً عن 'اندلاع بعضها ليلاً مع غياب أشعة الشمس، ما يُعزّز فرضيّة التدخّل البشريّ'.
ويؤكّد صالحاني لـ'النهار' أنّ 'المدير العام للدفاع المدنيّ العميد ريمون خطّار أصدر مذكّرة برفع الجهوزيّة في جميع المراكز، فيما وُضِع الموظّفون والمتطوّعون في حالة استنفار للتدخّل عند أيّ طارئ في أسرع وقت'.
التحدّي الأكبر يكمن في الحرائق المندلعة في المناطق الجرديّة والمرتفعات، حيث يصعب الوصول إليها برّاً ولا تغطّيها آلات الدفاع المدنيّ، ما يستدعي اللجوء إلى طوّافات الجيش ووضع الأجهزة الأمنيّة قدراتها في تصرّف المديريّة العامّة للدفاع المدنيّ. ويؤكّد صالحاني أنّ 'الجيش يبقى الشريك الأساسيّ معنا، بامتلاكه طائرات الهليكوبتر ما يساعدنا على الوصول إلى الأماكن الوعرة'.
منذ بدء ارتفاع درجات الحرارة، دأبت المديريّة العامّة للدفاع المدنيّ على إصدار نشرة يوميّة توضح احتمال حدوث الحرائق بحسب الخريطة اللبنانيّة، وللتحذير والتوعية على خطر نشوبها.
إلى ذلك، لم تتوانَ فرق الدفاع المدنيّ يوماً عن تلبية نداء الطوارئ، في وقت تعمل في ظلّ مشاكل لوجستية بسبب الأوضاع الاقتصادية. وهنا يلفت صالحاني إلى 'النقص في المعدّات والمواد الخاصّة للإطفاء، ولكن لا نزال نلبّي جميع المهمات ونصل إلى نتائج جيّدة حتّى الساعة'.
موجات الحرّ هذه تُشكّل الفتيل الرئيسيّ لاندلاع الحرائق في المناطق الحرجيّة، وتتضاعف نسب تمدّدها وخطورتها إذا ما ترافقت مع عوامل أخرى، منها بشريّة، وأخرى مرتبطة بسرعة الرياح وجفافها.
حرائق الغابات في القبيات (أرشيف 'النهار').
'لبنان يحترق'
المسؤوليّة تقع على عاتق المواطن أوّلاً بالحفاظ على الثروة الحرجية، إذ يناشد صالحاني لـ'الانتباه لعدم إشعال النيران إن كان عن قصد أو غير قصد، وخاصّة خلال التنزّه في الأماكن العامّة والحرجيّة'، آملاً في أن يكون المواطن قد تعلّم من تجربة العام 2019، فإن اجتمعت العوامل معاً: الطقس الجافّ وسرعة الرياح والرطوبة المنخفضة وإشعال حريق ما، فلا شيء سيحدّ من تمدّده'.
هل من موجات حرّ مقبلة؟
بحسب خرائط مصلحة الأرصاد الجوية في المطار، تبدو بداية شهر تموز إلى منتصفه 'مطمئنة حتّى الساعة'، وسط توقّعات في أن 'يكون الطقس صيفيّاً ومعتاداً في الأيام المقبلة، ولا مؤشّرات جوّية بموجات حرّ استثنائيّة'، وفق ما يؤكّد وسام أبو خشفة، رئيس الفرع المناوب في مصلحة الأرصاد الجوّية في المطار، فيما لا يُمكن للخرائط الجوّية تأكيد التوقّعات على مدى بعيد.
تتابع المصلحة يوميّاً تقلّبات الطقس، وباتت تُذكّر في نشراتها اليومية تحذيرات للمواطنين 'من اندلاع الحرائق، وعدم ترك الزجاجات الفارغة في المنتزهات، التي تنعكس على أشعة الشمس وتساهم في اندلاع الحرائق، وسط تنسيق مع الدفاع المدنيّ لإرشاد المواطنين وتوعيتهم'.
التقلّبات الحادّة في الطقس هذا العام تُنذر بضرورة مراقبة الأحوال الجوّية بحذر. صحيح أنّ تسجيل حرارة 43 درجة مئوية في زحلة يُعَدّ استثنائيّاً، إلّا أنّ المخاوف تتنامى من 'تسجيل درجات عالية في بيروت تصل إلى 45 درجة مئوية، ما يثير مخاوفَ على صحّة المواطنين'، وفق خشفة، مؤكّداً أنّه 'حينها قد نتّجه لرفع توصية إلى الوزير المعنيّ بإقفال البلاد على غرار ما يحصل في بعض الدول العربية المجاورة'.
حرائق الفوسفور في الجنوب: دمار هائل في المناطق الحرجيّة
مساحات شاسعة في جنوب لبنان تحوّلت إلى رماد منذ بدء الحرب، باعتماد الجيش الإسرائيليّ سياسة الأرض المحروقة للقضاء على الغطاء النباتيّ الموجود في المنطقة الحدوديّة، خاصة في علما الشعب، الناقورة، يارون واللبونة.
في المعلومات التي حصلت عليها 'النهار' من الدفاع المدني في 'الهيئة الصحية الإسلامية'، الحاضر ميدانيّاً في الجنوب، فقد استهدف القصف الإسرائيليّ بالفوسفور المناطق الحرجية الممتدة من الناقورة حتّى كفرشوبا، على طول الخطوط بين فسلطين المحتلة ولبنان بطول أكثر من 100 كليومتر وعرض حوالي 5 كيلومترات.
يؤكّد مسؤول قسم الإطفاء في الدفاع المدني- 'الهيئة الصحية'، صادق حمية، أنّ 'مساحات شاسعة وأحراج هذه البلدات تمّ القضاء عليها بأكملها، بما فيها من دمار هائل في الثروة النباتيّة من شجر الزيتون والصنوبر والسنديان واللزّاب والبلوط'.
نسبة الحرائق هذا العام كانت استثنائية. فموجة الحرّ التي ضربت لبنان تزامنت مع القصف الإسرائيليّ بالمواد الحرارية والبلاوين الحارقة أدّت إلى تمدُّد الحرائق. ويقول حمية: 'ما نلبث أن ننتهي من إخماد حريق في بلدة ما وننتقل إلى أخرى، حتّى تعمد إسرائيل لإعادة إشعال الحريق ثانية'.
الظروف التي يواجهها عناصر الإطفاء في 'هيئة الصحّة' خطرة جدّاً وخاصّة حرائق الفوسفور، إذ يشرح حمية لـ'النهار' أنّ 'المادّة الكيميائيّة المتواجدة في الفوسفور مؤذية وحارقة، وقد تصل حرارتها إلى أكثر من 800 درجة مئوية'، لافتاً إلى أنّ 'التعرّض لها قد يُسبّب حروقاً من الدرجة الرابعة وصولاً إلى العظم'، ناهيك عن 'الآثار السامة للغازات المنبعثة عن حريق الفوسفور والتي تؤذي الجهاز التنفّس وتؤدّي إلى تهيّج حادّ لدى الإنسان، وغيرها من الأثار الصحّية بعيدة الأمد'.
ليست المخاطر الصحية وحدها ما يُعرّض عناصر الإطفاء في المنطقة الحدودية للخطر، فإنّ 'الفرق تعمل تحت القصف الإسرائيليّ العشوائيّ والمستمرّ وتحت النار، إضافة إلى انتشار الألغام ومخلّفات العدو في مناطق الحرائق الحدودية، كما يلجأ الإسرائيلي إلى إطلاق القذائف مجدّداً باتّجاه عناصر الإطفاء واستهدافهم برشقات نارية خلال أداء عملهم'.
الحرائق المستعرة في الجنوب وسط ظروف أمنية دقيقة، تستدعي تنسيقاً بأعلى المستويات بين الدفاع المدنيّ اللبنانيّ والدفاع المدنيّ في 'الهيئة الصحّية'، إذ يؤكّد حمية أنّ 'العميد خطار وإدارة العمليات حريصون بالوقوف إلى جانبنا يومياً، لكنّ الظروف الميدانيّة تحكم أحياناً بتدخّل الهيئات الإسلاميّة بالتنسيق مع الجهات الحزبيّة في البلدات الأكثر عرضة للقصف'.
إذن، خسائر لبنان البيئية والزراعية هائلة جرّاء الحرائق الطبيعية المرتبطة بالطقس والجفاف والتغيُّر المناخيّ، فيما عمّق العدوان الإسرائيليّ الأزمة البيئية وزاد من خطر تحوُّل الأراضي الصالحة للزراعة إلى أراضٍ قاحلة وخسارة المزيد من الغطاء النباتيّ على طول الحدود اللبنانية.
[email protected]