توجّه لعدم المثول أمام المحقق العدلي عدالة معطّلة بين القانون والسياسة: بارقة أمل أم مراوغة؟

يواجه القضاء اللبناني أزمة هيكلية عميقة تعرقل مسار تحقيق العدالة، ولا سيما في ما يتعلق بأكبر تفجير غير نووي في العالم شهدته بيروت. فبين تدخلات القوى السياسية، وتعطيل التشكيلات القضائية، وتعسّف 'المتورطين' في استخدام الحقوق القانونية، وتحوّل النيابة العامة التمييزية إلى خصم للمحقق العدلي، يدور صدى حقيقة فاجعة 4 آب 2020 في دائرة مفرغة.

أعاد المحقق العدلي طارق البيطار الجدل القانوني إلى الواجهة مجدّداً، إذ استأنف في 16 كانون الثاني الادعاء على دفعة جديدة من المسؤولين. وحدد تواريخ لاستجوابهم خلال شهر شباط على النحو الآتي:

7 شباط: أحمد قصابية، مروان كعكي، وربيع سرور (موظفون في مرفأ بيروت)، المدير الإقليمي السابق للجمارك في بيروت موسى هزيمة، شركة شبلي للتعهدات، وممثل شركة سفارو، Vladimir Verbonol.

11 شباط: المدير العام للجمارك بالإنابة ريمون الخوري، العميد المتقاعد في الجمارك عادل فرنسيس، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي، وعضو المجلس الأعلى للجمارك غراسيا القزي.

18 شباط: المدير السابق لمكتب المعلومات في الأمن العام العميد المتقاعد منح صوايا، العميد المتقاعد في الأمن العام نجم الأحمدية، والعميد المتقاعد في الأمن العام محمد حسن مقلّد.

28 شباط: مدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني العميد المتقاعد إدمون فاضل، والعميد المتقاعد في الجيش مروان عيد.

ووفق معلومات 'نداء الوطن'، فإن عدداً من المدعى عليهم اتخذوا قراراً بعدم المثول أمام البيطار، والعمل على تحضير ادعاء جديد بوجهه. ويعتزم البيطار أيضاً وفق المعلومات التي حصلنا عليها، إعادة استدعاء شخصيات بارزة، منها رئيس الحكومة السابق حسان دياب، والوزير السابق غازي زعيتر، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، والمدير العام السابق للأمن العام اللواء المتقاعد عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، والعميدان المتقاعدان في الجيش جودت عويدات وغسان غرز الدين ومدير المخابرات الأسبق العميد المتقاعد كميل ضاهر، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، والنائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات والمحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، والقاضيان جاد معلوف وكارلا شواح، بالإضافة إلى مسؤولين أمنيين وعسكريين رفيعي المستوى، ممن أظهرت التحقيقات الأولية احتمال ضلوعهم في الملف.

عوائق قضائية

كشفت مصادر قضائية مطلعة أنّ 'النيابة العامة التمييزية ترفض بشكل قاطع تسجيل سابقة على نفسها تتيح للمحقق العدلي مقاضاتها. وتتمسك بموقف النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات، الذي طلب عدم التعاون مع البيطار لكونه 'مكفوف اليد وغير ذي صفة'.

وأوضحت المصادر أنّ 'مخاطبة البيطار لدائرة المباشرين في بيروت لتنفيذ التبليغات تعد إجراءً قانونياً صحيحاً، يسبق اللجوء إلى التبليغ باللصق في حال تعذّر الوصول إلى المدعى عليهم في أماكن سكنهم'.

وأضافت أنّ 'تخطي البيطار للنيابة العامة في التبليغات لا يمكن أن يمتد إلى إصدار القرار الظني، وتحديداً ما إذا كان المطلوب أن يسلك التحقيق طريقه إلى المجلس العدلي لمحاكمة المدعى عليهم أمام قوس المحكمة، وليس عبر الإعلام؛ وذلك انطلاقاً من أن وضع المجلس العدلي يده على القرار الظني يتم استناداً إلى قائمة الاتهام التي تعدّها النيابة العامة التمييزية، والتي تؤدي دوراً محورياً في تبليغ المدعى عليهم وتنفيذ مذكرات التوقيف'.

وفي موازاة ذلك، تواجه قضية المرفأ تعقيدات جوهرية، أبرزها دعاوى ردّ القاضي البيطار، التي تتطلب انعقاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز. ويتمسّك المدعى عليهم بهذا الإجراء خلافاً للبيطار الذي استند إلى دراسة قانونية خولته تخطيها منذ 2023.

كما أن الشكوى الجزائية التي رفعها عويدات ضد البيطار بتهمة 'اغتصاب السلطة' تعقد المشهد القضائي، وتدفع إلى الحذر من تكرار التخبّط لا بل الشرخ الذي جمّد عمل مجلس القضاء الأعلى قبل انتهاء ولاية أعضائه، وتحديداً لجهة عجزهم عن تعيين هيئة إتهامية للبتّ في استئناف عويدات للقرار 'الملتبس' الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، حبيب رزق الله، وطلبه من عويدات تعديل ادعائه على البيطار بجرم 'انتحال صفة محقق عدلي'، مما جعل القضية عالقة في دائرة من 'المراوغات القانونية'.

وأمام هذا التخبّط، برز بوضوح من خلال متابعة حيثيات التحقيقات مع أهالي الشهداء وبعض المقربين من المدعى عليهم، رهانهم على أن تشكّل إعادة تكوين السلطة في لبنان، خصوصاً على الصعيد القضائي، بارقة أمل تسهم في إبعاد هذا الملف الجوهري عن دائرة 'الشعبوية'؛ وعن زج قضيتهم في أتون 'المساومات' الحكومية لفرض تعيينات قضائية معلّبة، ومصممة مسبقاً بما يتماشى مع الولاءات الحزبية والأحكام الانتقائية التي تفرغ التحقيق من مضمونه.