اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
لم يكن رئيس مجلس النواب نبيه بري متفائلاً أو متشائماً خلال لقائه مجلس نقابة محرّري الصحافة، بل كان واقعياً إلى أقصى درجات الواقعية في توصيفه الوضع الراهن. فهو ليس «قارئ فنجان» ليتنبّأ بوقوع الحرب من عدمها، فكل الاحتمالات مفتوحة مع دولة كإسرائيل، لا وثوق بنياتها نظراً لعدائيّتها، واستمرارها في خرق وقف إطلاق النار، وبالتالي، فإنّ تطبيق اتفاق 27 تشرين هو الطريق المؤدّي إلى ما يلي من إجراءات وترتيبات تُعيد الأمن والاستقرار إلى الجنوب، وتالياً إلى كل المناطق الأخرى المستهدفة في لبنان.
ولا يبدو الهلع على الرئيس بري، وإن كان لا يُخفي أسفه على عدم قدرة اللبنانيِّين على الوحدة والاتفاق حول الأساسيات البديهية التي يقوم عليها بلدهم. فالوحدة بين كل المكوّنات الوطنية قائمة، بدليل استقبال النازحين من الجنوب والضاحية والبقاع في كل المناطق اللبنانية الأخرى، ومن أبناء الطوائف المسيحية والإسلامية كافة، علامة على عمق العلاقة التي تشدّ اللبنانيِّين بعضهم إلى بعض بعيداً من «زواريب» السياسة الضيّقة ونكاياتها.
ولعلّ أكثر ما أزعج رئيس المجلس النيابي – ويلتقي في هذه النقطة مع رئيس الجمهورية – هو التحريض الذي قاده لبنانيّون يزورون واشنطن من حين إلى حين، ولا يتورّعون عن الطلب من الإدارة الأميركية أن تُصعّد الضغوط والتهويل كَي «يلكّ» لبنان، فلا تعود لديه القدرة على المقاومة، فينصاع إلى إملاءات لا يرى فيها مصلحة وطنية تخدم وحدته واستقراره الداخلي. وهو أشار إلى لقاءات تتمّ مع الوفود الأميركية الزائرة في «مطبخ» أحدهم قد تولّى تسمِيته، وهو نفسه من زوار العاصمة الأميركية من حين إلى حين مع آخرين. وأنّ التسريبات التي صدرت في مأدبة أقيمت للوفد الأميركي الأخير الذي زار بيروت، وما جرى فيها من تحريض، كانت وراء اعتذاره عن عدم استقباله شخصياً وإحالته إلى مستشاره علي حمدان. وهنا يتقاطع موقف بري مع موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، مع فارق في التوصيف. الأول تحدّث عن «المطبخ» والثاني عن «البخّ»، ممّا يعني أنّ هناك انزعاجاً لدى الاثنين من هذا السلوك. فيما يؤكّد الاثنان أيضاً أنّ هناك تعجّباً يقارب الامتعاض لدى عدد من المسؤولين الأميركيِّين الذين لم يتورّعوا عن نقل ما سمعوا، وأنّ كل ما قيل في العاصمة الأميركية نُقِل إلى قصر بعبدا وعين التينة. وإنّ موقف بري من عدم استقبال الوفد الأميركي الذي تحدث بلغة «تهديدية» يعود إلى مبدأ أساس «كرامة البلد». وإذا كان بري لا يوافق «حزب الله» على توجيه رسالته الأخيرة إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيسَي مجلسَي النواب والوزراء، فإنّه يؤكّد أنّ الحزب لم يطلق رصاصة واحدة في منطقة جنوب الليطاني ومن أي منطقة سواها، والتزم بقرار وقف إطلاق النار كلياً، فيما إسرائيل تستمر في اعتداءاتها، مؤكّداً أنّ الحزب لا يُعيد بناء قدراته العسكرية ومن أين، إذا لا تهبط أي طائرة إيرانية في مطار بيروت، والحدود السورية – اللبنانية تحت رقابة مشدّدة من قِبل الذين ينسبون له إعادة بناء قدراته. وذلك من دون أن ينسى أنّ إسرائيل قبلت مبدأ الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في سوريا قبل بدء التفاوض مع دمشق، فيما ترفض وقف إطلاق النار مع لبنان وتضغط للتفاوض مع بيروت. متسائلاً باستغراب، لماذا يُقبل (بضم الياء) أن تظل «قسد» على سلاحها في مناطق وجودها تحت رعاية الدولة، وعندنا في لبنان لا يقبلون بالتجميد؟ والجواب: «لأنّنا غير متفقين في الداخل». وأسف كيف أنّ اجتماعات «الميكانيزم» تحوّلت من رصد وإدانة ومحاسبة لإسرائيل على خروقاتها، إلى التصويب على الجيش اللبناني: «صاروا عم يراقبو الجيش وليس الإسرائيلي». وهو مع التفاوض غير السياسي، وقالها صراحة: «أمّا التفاوض السياسي فهو غير وارد إطلاقاً»، ووحدة اللبنانيِّين هي الأساس، وهي المنطلق، وأنّ أي إنجاز لا يتحقق من دونها، وأنّه مرتاح الضمير إلى أنّ لا عداوات لديه، إنّما خصومات، وهي أمر طبيعي في الحياة السياسية.
وأشار الرئيس بري إلى علاقاته مع المملكة العربية السعودية، وقال إنّ «الحوار لم ينقطع معها يوماً»، وإلى استضافتها وكل دول الخليج لآلاف اللبنانيِّين من كل المناطق والطوائف حيث يعملون فيها. وكرّر موقفه من السجال القائم حول قانون الإنتخاب، وهو حتى الآن لم يتسلّم نسخة منه رسمياً ليبني على الشيء مقتضاه. وعندما سُئل عن الودائع ومصيرها في ظلّ غموض موقف مصرف لبنان والسلطات المالية في شأنها، سوى كلام عام يُساق للاستهلاك، كرّر ثلاث مرّات عبارة: «الودائع مقدّسة، مقدّسة، مقدّسة». واقعيّته التي دفعته إلى القول رداً على سؤال: «لا بقول في حرب، ولا ما في حرب»، تؤكّد أنّ الرئيس نبيه بري قارئ مميّز للأحداث، وليس «قارئ فنجان» يسوّق توقعاته وتمنّياته، وكأنّها حقائق وقدر لا مفرّ منه.











































































