اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
لم يمرّ بعد ملف التشكيلات الديبلوماسية الشامل في مجلس الوزراء، رغم وضعه على نارٍ حامية منذ مدّة، نظراً لما يحتاجه لبنان من تحديث وتعزيز للديبلوماسية اللبنانية في الخارج، ما يتيح له استعادة ثقة المجتمع الدولي به. ولا يُفترض أن تقوم الحكومة بتأجيل البتّ في هذا الملف، خصوصاً مع الشغور الحاصل على صعيد أبرز المراكز الأساسية، وإن كان جرى التمديد المؤقّت لمهام ستّة سفراء من خارج الملاك، في دول ذات أهمية استراتيجية للبنان، وهي السعودية، الإمارات، بريطانيا، الجزائر وفنزويلا، وذلك لتسيير أعمال السفارات في تلك الدول ولتجنّب الفراغ الديبلوماسي فيها، الى حين البتّ في أوضاعهم خلال إقرار التشكيلات. ولكن يبدو أنّ ثمّة أولويات أخرى لدى الحكومة التي تعِد منذ نحو شهرين ببتّ ملف التشكيلات والترفيعات والمناقلات بين أعضاء السلك الديبلوماسي، والسفراء المعينين من خارج الملاك، ولم تفعل حتى الساعة.
ويُترقّب أن تعمل الحكومة، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، على إنجاز ملف التشكيلات الديبلوماسية الذي يشمل 74 سفارة للبنان في دول الخارج، من ضمنها 3 بعثات ديبلوماسية هي: بعثة لبنان الدائمة في نيويورك والأونيسكو في فرنسا وجنيف في سويسرا. فبعد الزيارة الناجحة التي أجراها رئيس الجمهورية جوزاف عون الى دولة الكويت، والتي من شأنها أن تنعكس على مسار العلاقات بين البلدين، من خلال قرار رفع التمثيل الديبلوماسي الكويتي في لبنان، بات من الملحّ إنهاء هذا الملف في أسرع وقت ممكن، لكي تتمكّن الديبلوماسية اللبنانية من تثبيت الوجود اللبناني الفاعل في دول الخارج وفي المحافل الدولية.
وحتى الآن، لم يُناقش مجلس الوزراء هذا الملف، رغم الوعود قبل كلّ جلسة له بإدراجه على جدول الأعمال. ولا يزال يتأرجح منذ نحو ثماني سنوات الى يومنا هذا خلافاً للقانون، سيّما وأنّ آخر تشكيلات ديبلوماسية شاملة أجراها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في العام 2017، في حين حصلت بعض المناقلات في عهد الوزير السابق عبدالله بو حبيب وشملت آنذاك 60 ديبلوماسياً. واليوم وبعد أن أعدّ وزير الخارجية والمغتربين الحالي يوسف رجّي مسودة أوّلية للتشكيلات، استثنى منها المراكز الديبلوماسية في السفارات الأساسية الخاضعة لمبدأ المحاصصة، ورفعها الى رئيسي الجمهورية والحكومة، حيث تتوقّع الأوساط ان يقوم مجلس الوزراء بدراسة هذه المسودة قريباً، كونها تدخل ضمن الإصلاحات العامّة المطلوبة من لبنان.
وتشمل المسودة مناقلات شاملة بين أعضاء السلك الديبلوماسي، على أنّ السفراء المعينين من خارج الملاك هم من حصص كلّ من الرئيس عون، ورئيس الحكومة نوّاف سلام، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. وبعد أن وضع برّي في وقت سابق أسماء السفراء من ضمن حصّته في كلّ من لندن وسويسرا وبلجيكا وطوكيو وقطر، يُنتظر أن يُعلن عون أسماء السفراء الذين يريد تعيينهم في كلّ من واشنطن وباريس والفاتيكان، وسلام أسماء السفراء من خارج الملاك في كلّ من نيويورك والأونيسكو والسعودية، وذلك خلال الجلسة التي ستُناقش فيها مسودة رجّي للتشكيلات. على أنّه يتوقّع أن تشهد بعض السفارات مداورة في تسمية السفراء الذين يتمّ تعيينهم بحسب التوزيع الطائفي المعتمد على صعيد التعيينات في دول الخارج.
ويفترض، وفق الأوساط، أن يعود 47 سفيراً من الخارج الى الإدارة المركزية، بعد أن أمضوا أكثر من 12 عاماً خارجاً، فضلاً عن المستشارين الذين كُلّفوا بمهامهم منذ أكثر من 7 سنوات. فبحسب القانون، لا يُمكن للديبلوماسي أن تتجاوز فترة خدمته بين خمس أو سبع سنوات في الموقع نفسه، ومدّة 10 سنوات كمجموع إقامته في الخارج ومناقلته من بلد الى آخر، بل يجب أن يعود بعدها الى الإدارة المركزية. غير أنّ هذا الأمر قد يُسبّب اليوم إشكالية إدارية، سيما وأنّ عدد الذين سيُستدعون من دول الخارج لن تستطيع الإدارة المركزية استيعابهم، نظراً لعدم الحاجة الى هذا العدد الكبير فيها لتسلّم مهام 12 مديرية فيها، فضلاً عن منصب الأمين العام للخارجية ما يُشكّل فائضاً، في حين تعاني السفارات والبعثات الديبلوماسية في الخارج من نقصٍ كبير.
علماً بأنّ بعض السفراء لا تنطبق عليهم هذه القوانين، كما أنّ هناك عدداً بقي ١٥ عاما في بيروت، وللإستدارة حول الموضوع تمّ تكليفهم بمهام في الخارج بمدد طويلة أي لسنوات. وقد يُشكّل هذا الفائض ذريعة، وإن 'منطقية'، لإبقاء عدد من السفراء 'المحظيين' في دول الخارج حيث الرواتب أفضل، والوضع العام ككلّ أكثر استقراراً وهدوءاً.
أمّا دور الديبلوماسية اللبنانية فهو مهمّ جدّاً في الخارج، ولهذا من الضروري أن تعمل وزارة الخارجية، بحسب الأوساط الديبلوماسية، على تطوير استراتيجيات مبتكرة لجذب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز التعاون مع الدول الصديقة، على أن تتضمن هذه الاستراتيجيات تعزيز التبادل الثقافي والاقتصادي، وكذلك تحسين صورة لبنان في المحافل الدولية. علاوة على ذلك، يجب أن تُعطى الأولوية لتدريب الديبلوماسيين اللبنانيين على قضايا مثل حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، بحيث يكون لديهم القدرة على التفاعل بفاعلية مع المجتمع الدولي. وثمّة حاجة ملحة لتشكيل لجان خاصة لمتابعة الديبلوماسية العامة، والتركيز على تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول التي يمكن أن تسهم في دعم لبنان في أزماته الحالية، سيما وأنّ مسألة التمويل لإعادة إعماره لا تأخذ الأولوية حالياً بالنسبة لواشنطن المنشغلة بسوريا وغزّة أولاً. علماً بأنّ لبنان يحتاج بين 10 و14 مليار دولار لإعادة الإعمار، كما لانسحاب 'إسرائيل' من الأراضي المحتلّة لكي يتمكّن من تحقيق ذلك.
ومن المتوقّع أن تشهد المرحلة المقبلة تحرّكات ديبلوماسية نشطة، تهدف إلى تعزيز مكانة لبنان على الصعيدين الإقليمي والدولي، من خلال تحديث التشكيلات الديبلوماسية وتفعيل دور البعثات اللبنانية في الخارج، لا سيما بعد إقرار ملف التشكيلات في مجلس الوزراء.