اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
ربما كانت هذه أول مرة تقول فيها الولايات المتحدة الأميركية أنها لا تملك أن تمنح بلداً صغيراً (لبنان) ضمانة من قبلها بجعل 'جارتها' القوية والمتغولة والعدوانية توقف تعديها عليها!!
قال هذا توم براك على نحو صريح وواضح ولم يخش أن يتم تفسير كلامه هذا على أنه دليل ضعف أو مؤشر إلى أن قوة واشنطن تتراجع ونفوذها في الشرق الأوسط يتراجع…
.. غير أن الموضوعية تحتم النظر إلى كلام توم براك بخصوص أن بلده ليس بإمكانه الضغط على إسرائيل لتوقف اعتداءاتها وتعدياتها لى لبنان وسيادته، من زاوية أخرى؛ وهي أن ترامب وإدارته لا يرغبان بالضغط على إسرائيل من ناحية، ولا يريدان من ناحية ثانية التكرم على لبنان بمنحه ضمانات.. وهذا يعني أن الموضوع لا يقع داخل دائرة ما تستطيعه ولا تستطيعه إدارة ترامب، بل داخل دائرة ما تريده وما ترغبه إدارة ترامب وما لا تريده ولا ترغب به..
.. وعليه يصبح السؤال الواقعي والحقيقي هو لماذا لا يريد ترامب تقديم ضمانة إلى لبنان مقابل موافقة لبنان على تنفيذ كامل مندرجات القرار ١٧٠١؛ بكلام آخر لماذا ترامب يعقد صفقات ويأخذ مطالب بمقابل تقديمه ضمانات، ويتعامل 'بمبدأ خذ واعطي' في كل العالم تقريباً إلا مع لبنان؟؟.
طبعاً هناك أجوبة كثيرة عن هذا السؤال المزعج والمحبط للبنان؛ وأبرز هذه الأجوبة تقول أن العالم يأس من 'الكذب' اللبناني وخاصة بموضوع ملف سلاح حزب الله وموضوع وقف الفساد.. ويضيف أصحاب هذا الرأي، وهم كثر، وموجودون داخل لبنان وخارجه؛ أنه في لبنان ليس بالإمكان أبدع مما كان ومما هو موجود؛ وأن شيئاً لا يتغير في بلد الأرز لأن الفساد متجذر داخل كل شيء فيه.
وهذا الواقع هو الذي يقود واشنطن للقول للبنان نحن نريد ضمانة ملموسة بأن اللبنانيين صار يمكن الثقة بوعودهم؛ وقبل عودة الثقة بكلمة لبنان؛ وقبل لحظ خطوة عملية وليست كلامية يقوم بها لبنان فإن أحداً في العالم لن يتقدم أية خطوة تحاه لبنان..
ربما كان هذا الرأي له مستمسك مادي على الأرض؛ ولكن بالمقابل هناك سؤال ورأي يطرح نفسه بمقابله؛ يقول هذا الرأي أنه في الوقت الذي تمارس فيه أميركا أعلى درجات عدم الثقة بلبنان بزعم أنه فاقد الثقة الدولية نتيجة سجله القاتم على هذا الصعيد؛ فإن واشنطن بالمقابل تقدم كل الضمانات لنتنياهو وتمنحه كل الثقة، علماً أن سجله يقدمه على أنه شخصية سياسية لا يمكن الوثوق فيها ولو للحظة واحدة وهو يكذب على البيت الأبيض بنفس السهولة التي يقتل فيها أطفال غزة ويعتدي بها على لبنان وسورية والضفة الغربية!؟؟.
ولا يوجد تفسير لهذا التناقض في استخدام واشنطن للمكاييل؛ إلا تفسير واحد وهو أن البيت الأبيض لم يرتق بعد لمنزلة الوسيط لا في حرب إسرائيل على غزة ولا في تفاوض لبنان من أجل تطبيق القرار ١٧٠١، بل هو موجود في موقع أنه شريك لإسرائيل ومنحاز لصالحها ضد غزة ولبنان..
قد يكون لبنان بحاجة للاعتراف بأن أميركا يحق لها أن تفعل ما تريد ولكن يحق للبنان أن يقول لأميركا أنه بات يبادلها نفس الشعور مع عدم الثقة بدورها كوسيط. ويجب أيضاً على الرؤساء الثلاثة أن يحافظوا على ابتسامة دبلوماسية وهم يفاوضون ويحادثون مندوب رئيس أقوى دولة في العالم؛ ولكنهم يحق لهم أيضاً أن يسألوه أنه طالما لا تريد أميركا العظيمة والقادرة منح لبنان ضمانات مقابل قيامه بخطوات ذات صلة بطرف آخر في هذه العملية إسمه نتنياهو المطلوب للقضاء العالمي وصاحب السوابق المخزية بنكث الاتفاقات والرغبة بعدم إيقاف الحروب؛ فإذن ماذا يمكن للبنان أن ينتظر من واشنطن؛ ولماذا يجب على لبنان أن يسير إلى جانب واشنطن طالما أن الأخيرة ليس لديها لتعطيه لبلد الأرز إلا الكلام والنصائح والتمنيات!!
.. أكثر من ذلك يحق للرؤساء الثلاثة نصيحة توم براك (ابن البلد) بأن يتذكر مسرحية المحطة للأخوين الرحباني وذلك بمناسبة حديث براك عن أنه إذا لم يسمع لبنان لنصائح واشنطن فإن قطار الفرص سيمر من أمام الشعب اللبناني من دون أن يصعدوا إلى مقطوراته العامرة.
من خلال أحداث مسرحية المحطة اخترع الأخوان الرحباني قطاراً شبيهاً بقطار براك؛ فهو قطار متخيل يتم الدعوة لانتظار مجيئه، ولكنه لا يأتي رغم أن الناس تقوم بكل مراسم انتظاره حيث تفتح المحال على جوانب محطاته وتضرب مواعيد الزواج مع لحظة تدفق خيراته؛ ولكن قطار الأخوين الرحباني كاذب ويبيع الآمال الزائفة؛ تماماً مثل قطار براك الذي قال للبنان في زيارته قبل الحالية أن القطار الذي يعد به سيحمل لنا نفس هدايا القطار الذي قفزت إليه سورية؛ وفي هذه الزيارة يشاهد لبنان وبراك ما نوعية حمولة قطار الفرص الذي قفز إليه السوريون: أحداث السويداء وقصف إسرائيل لقصر الرئاسة السوري مع ملاحظة أن أميركا لم تكن تعلم بنية نتنياهو بقصفه!!