اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٩ كانون الأول ٢٠٢٤
فُتحت دمشق بعد تعنتها أسدياً وروسياً وإيرانياً على مدى أكثر من عشر سنوات، سقط المحور الظلامي الذي أنهك سنة الإقليم، وصادر قرارت أربع عواصم عربية إسلامية، وجار على أهلهم وفتك بمقدراتهم وقلب حياتهم رأساً على عقب.
ومنذ الساعات الأولى للانتصار الزلزالي، تزاحم السنّة جماعات إسلامية وسياسية وأفراداً لخطب ودّ القيادة السورية الجديدة، وذهبوا إلى الشام مباركين، وأطلقوا في مدنهم العنان للرصاص ووزعوا الحلوى في الشوارع وأقاموا مآدب الغداء فرحاً وسروراً بفتح دمشق وهروب بشار الأسد، وكأن دمشق عاصمتهم والرئيس المخلوع الفار هو رئيسهم الذي عادوه لسنوات.
أسئلة مشروعة
فكيف سينظر أهل السنّة في لبنان إلى هذا الانتصار؟ وبأي منزل سينزلونه، هل سيفتحون له أبواب بيوتهم الخاصة وساحات مدنهم، ويستقبلونه كحق حصري لهم؟ ويستقوون به على جيرانهم من الطوائف اللبنانية الأخرى؟ أم سيطالبونه بالتوجه نحو العاصمة بيروت حيث مركز الشرعية ورمز الدولة؟ فيمنحون شرعيتها قوة من قوتهم المستجدة، ويمدّونها بشرايين جديدة للحياة، فيصبح نفسها أنقى، ورئتاها أقدر على التخلص من ثاني أوكسيد الفساد والظواهر الشاذة؟.
يرى كثر من أهل السنّة أن انتصار 'المعارضة السنّية السورية' هو انتصار لهم بالذات، وبالتالي يجب أن ينعكس هذا الفتح التاريخي الذي طال انتظاره، على الداخل اللبناني ويعوّض أهل السنة عما فاتهم في سنوات الإجحاف الماضية.
وهي قراءة قد تبدو للوهلة الأولى صائبة، لكنها تدعونا إلى مزيد من التعقل والحكمة والتفكر في إيجابيات ذلك من عدمه، وطرح السؤال التالي:
تكرار الخطيئة
هل يجب فعلياً توظيف ما جرى في سوريا لتعويض السنّة في لبنان عن الظلم الذي لحق بهم طيلة السنوات الماضية، على حساب الآخرين؟ وتكبير حجم دورهم الوطني اللبناني ليصل إلى مرحلة يصبح فيها عبئاً على الدولة اللبنانية؟ فنعيد تكرار 'خطيئة' ما فعله بعض المسيحيين في الحرب الأهلية، و'حزب الله' في مرحلة ما بعد حرب تموز 2006؟
وهل الكيانات السياسية الموجودة الآن على الساحة تتوفر فيها الصفات اللازمة لتقوم بهذه المهمة؟ أم سيصار إلى استيلاد حالات جديدة مشابهة للحالات السورية فيستعيد السنة علاقتهم التناغمية القديمة، في مرحلة ما قبل حافظ الأسد، مع سوريا الجديدة؟
ومن هي المجموعات أو الشخصيات التي يمكنها الاضطلاع بهذا الدور؟ ما خلفيتها الثقافية والسياسية؟ وهل ستكون امتداداً لرغبة عربية؟ أو تسلّم بتقسيم يدبدب في الأروقة الخلفية لصناع السياسات؟
دعم الشرعية
وماذا لو طرحنا القضية من منظار آخر؟ توظيف سنّة لبنان ما جرى في سوريا لتمتين أواصر الدولة اللبنانية وتقوية موقفها وجيشها وتثبيت دعائم مؤسساتها؟
فلبنان القوي بدولته وجيشه ومؤسساته هو الضامن لأدوار كل طوائفه، بحيث لا تطغى طائفة على أخرى ولا تستقوي طائفة بدولة خارجية على أبناء وطنها، لأن الدولة المركزية هي التي تختصر بحكومتها العلاقات الخارجية وتقيم مع كل الدول علاقات ديبلوماسية ندية، تسكت بموجبها كل الألسنة المعترضة على طبيعة وشكل العلاقة بين الدولة اللبنانية وبين هذه الدولة او تلك.
وانتصار المعارضة السورية وتظهيرها خطاباً سياسياً عقلانياً، يجب أن يشكل حافزاً لعودة الفعالية السنية اللبنانية إلى دورها التاريخي في إطار الشرعية اللبنانية، لأن استعادة الدينامية السياسية السنّية لا يكون إلا تحت مظلة دولة قوية، ومتى كانت هذه الدولة بخير كان السنّة بخير، ومتى تقلّص دورها وتخلّت عن مسؤولياتها أصيب الجسد السنّي بالمرض وأنهكته الالتهابات التي تجد في تعب الجسم بيئة صالحة للظهور على أشكال متعددة.