اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
كان وليد جنبلاط واضحاً ودقيقاً في تعليقاته الأخيرة على جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، خصوصاً عندما قال إنّ الضغط على إسرائيل للانسحاب من التلال الخمس في جنوب لبنان ووقف غاراتها الجوية الدائمة التي تستهدف مواطنين تتسبب بقتلهم، لا يتطلّب جهداً كبيراًَ من إدارته، طالما أنّ جولته هذه أحدثت إنقلاباً كبيراً في المشهد الدولي ـ الإقليمي من البوابة العربية.
فرئيس الدولة العظمى التي تتحكّم بمفاصل السياسة الكونية وتحدّد مصائر الأنظمة وتشرف على رسم خرائط جديدة متخطّية إرادات الشعوب وتطلعاتها، تجاوز كل الاعتبارات، والتقى الرئيس أحمد الشرع مصرّحاً برفع العقوبات عن سوريا، واعداً باتخاذ التدابير التي تضمن تنفيذ ما تعهّد به من دون المرور بالقنوات القانونية المعقّدة التي تستغرق وقتاً طويلاً. معه حق وليد جنبلاط، إنّ انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها لا يتطلّبان إلّا «كبسة زر». لماذا لا «يكبس» هذا الزر طالما أنّ الأوضاع في لبنان تسير نحو الأفضل بعد الجولة الخليجية الموفقة التي قام بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي لا يبني تفاؤله على وعود، بل على تأكيد أقرب إلى الالتزام بأنّ البلاد لن تكون متروكة، وأنّ ثمة يداً ترعاها لكي تنفض عنها ما علق بها من رماد الحقبة السابقة. إنّ جولة الرئيس ترامب العربية قد تكون أهم ما شهدته المنطقة خلال العشرية المنصرمة، وبطبيعة الحال لم تنظر إسرائيل إليها بعين الارتياح، وأقلقت الدول الكبرى الأخرى مثل الصين التي تراقب بحذر تطورات الأحداث بين الباكستان والهند وخلفياتها، وروسيا المتخبطة بالملف الأوكراني والمفاوضات الجارية لحسمه، ولكن هذه الجولة لم تحمل معها جديداً على صعيد وقف الحرب في غزة، فيما الخطر يقترب من الضفة الغربية من دون أن تكون هناك ملامح واضحة للموضوع الفلسطيني، والسؤال المطروح: ما هو مصير القضية: «حل الدولتين» هل ما زال ممكناً في ضوء المجازر التي يرتكبها الصهاينة في القطاع وما يُهيأ للضفة؟ أما في الشأن السوري، فإنّ أبرز ما صدر عن ترامب هو رفع العقوبات، وإنّ انعكاسات هذا القرار ستكون لها ايجابياتها بلا شك في تحريك الاقتصاد وتحفيز الاستثمارات الدولية والعربية وإعادة إعمار هذا البلد الذي دمّرته الحرب، ولا بدّ من أن تنسحب هذه الإيجابية على لبنان، وتحديداً على مستوى ملف النزوح السوري فيه، ولكن إلى أي مدى ستتمكن سوريا الجديدة من تلقف رفع العقوبات والإفادة من هذا الإجراء في ظل الغموض الذي يلفّ الوضع الداخلي فيها، والخوف من استدامة عدم الاستقرار؟ حتى الساعة لا مؤشر إلى طبيعة النظام الجديد وهويته، وهل يكون ضامناً لقيام دولة مدنية؟ وهل سيدخل تعديلات على مشروع الدستور المقترح والذي أحدث «قبطة» لدى العلويين، الدروز، المسيحيين وسائر الأقليات، إضافة إلى العلمانيين ذوي النزعة القومية واليسارية؟ بل كيف ستكون سوريا المنتظرة : فيديرالية، لامركزية موسعة، مركزية؟ وما هي حدود الانفتاح على إسرائيل الذي التزم به الشرع؟ وأين تقف وحدة سوريا من هذا الانفتاح، وما هو مصير هضبة الجولان في كل هذه «الهمروجة»؟
إنطلاقاً من ذلك كله لا بدّ من التوقف عند آلاتي:
1- إنّ جولة ترامب كرّست المملكة العربية السعودية لاعباً رئيساً ورقماً صعباً على الخريطة الإقليمية والعربية.
2- أطبقت الحصار على «محور الممانعة» بحشد كل خصومه تحت راية ترامب، وأبقت خطوط التواصل قائمة في آن مع طهران حول الملف النووي، بما يشبه ربط النزاع المفتوح: إما على تسوية أو مواجهة.
3- مع تعميق الالتزام الاستراتيجي بأمن إسرائيل ووجودها، فإنّ ترامب يحرص على أن تكون المبادرة في يده، لا أن يكون مواكباً، ومشايعاً لكل خطط بنيامين نتنياهو، وأن يقتصر دوره على تزويد الدولة العبرية بالمال والسلاح.
هذه الأسئلة على هامش جولة ترامب العربية، الجواب عنها هو في ما قد يتحقق على الأرض، فلننتظر.