تسليم مزارع شبعا لليونيفيل

كتب ناصر قنديل في 'البناء':

يواصل بعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين حملة التخلي عن لبنانية مزارع شبعا، وعندما يعجزون يتذرّعون بأنها تابعة للقرار 242 وليس للقرار 425، وهذا الاستغباء والاستحمار للبنانيين تولّى الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون الرد عليه، وهو غير اللبنانيّ، وغير المساند للمقاومة، والذي لا يمكن اتهامه بالسعي لإيجاد ذريعة تحول دون نزع سلاح حزب الله، وقد ناقش الإسرائيليين بوضع مزارع شبعا المحتلة وقالوا له مرة إنها سورية وغير لبنانية، وعندما واجههم بالخرائط والوثائق وجلب خبيراً ناقش مع خبرائهم وأسقط منطقهم حتى اعترفوا بصورة قاطعة بلبنانيّة المزارع، قالوا إنّها لو كانت لبنانيّة فهي غير خاضعة للقرار 425 بل للقرار 242، بذريعة أنّها احتلت عام 1967، علماً أن هذا غير صحيح فبعض المزارع تمّ احتلاله عام 1989، لكن المهم هو ما قاله بان كي مون، الأشد حرصاً على مصالح لبنان السياديّة من قادة يفترض أن مصالح لبنان العليا هي ما يرسم توجّههم وليس استرضاء من يجب استرضاؤه لحماية مصالح وزعامات وحسابات بعيدة عن هذه المصالح العليا وعلى حسابها.

يقول الخبراء القانونيّون في الدوائر التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة، إنّهم أعدّوا دراسة زوّدوا بها الأمين العام بان كي مون في نيسان عام 2007 قبل جولته إلى المنطقة التي زار خلالها بيروت وتل أبيب، وإنها تعالج هذه المسألة من منطلق جوهر القانون الدوليّ القائم على رفض احتلال أرض الغير بالقوة، ورفض تحويل أي تعدّد في المرجعيات القانونية إلى غطاء للاحتلال، وتقول الدراسة إنه سبق للأمم المتحدة أن تعاملت مع حالات مشابهة في وضع القدس الشرقية المحتلة عام 1967، في اختراع جدل قانوني حول الجهة المرجعية لممارسة السيادة على القدس، بين الأردن والدولة الفلسطينية التي لم تعلن الأمم المتحدة قيامها والتي يفترض أن تتبع لها كل الأرض المحتلة ما دامت تسمّى أرضاً فلسطينية محتلة، علماً أن كيان الاحتلال لم يقبل يوماً بنشوء كيان وطني فلسطيني، وتقول الدراسة إن القرارات الأممية تندرج من زاوية مفهوم القانون الدولي تحت عنوان توصيف مزارع شبعا بالأراضي المحتلة، سواء كان ذلك وفقاً لإقرار 425 او وفق القرار 242، وان على كيان الاحتلال مناقشة سبل الانسحاب منها، وليس على الأمم المتحدة القبول بمناقشة سبل احتفاظ الاحتلال بها.

يقول خبراء في الدوائر القانونية للأمم المتحدة إن مناقشة الخرائط والوثائق التي بحوزتهم والتي زوّدتهم بها الحكومات اللبنانية المتعاقبة تحسم هوية المزارع اللبنانية، وإن الخبراء الإسرائيليين لم يستطيعوا إنكار ذلك بعد فشلهم في دحضها، وفي 11 تموز 2007 نشر موقع إيلاف عن مراسله في فلسطين المحتلة “أعلن مسؤول إسرائيلي ان الامم المتحدة طلبت من اسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا في جنوب لبنان معتبرة للمرة الأولى أن هذه المنطقة تابعة للبنان وليس لسورية. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه إن الامم المتحدة وجهت رسائل الى “إسرائيل” في الاسابيع الماضية تتعلق باستنتاجات وصل اليها احد خبراء الخرائط التابعين للمنظمة الدولية واعتبر فيها أن مزارع شبعا الواقعة على المثلث الحدودي بين “إسرائيل” وسورية ولبنان، تخصّ لبنان وليس سورية كما كانت تؤكد الأمم المتحدة سابقا”.

أفادت صحيفة «هآرتس» في 11 تموز 2007 بأن الأمم المتحدة أبلغت “إسرائيل” في الأسابيع الأخيرة أن نتائج الفحص الذي تجريه لمزارع شبعا تظهر أنها أرض لبنانية لا سورية، مقترحةً على الدولة العبريّة نقل المسؤولية عن المزارع لقوات اليونيفيل، الأمر الذي رفضته تل أبيب لأنّه يضرّ بصورتها أمام حزب الله، رغم أنها مستعدّة لتسليم المزارع في إطار صفقة تتضمن تعديلاً للقرار 1701 ونشر قوات دوليّة على الحدود السورية اللبنانية لمنع تهريب السلاح. وأضافت «هآرتس»، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، أن «القيادة السياسية في القدس سمعت من مسؤولين رفيعي المستوى في الأمم المتحدة أن الاستنتاج الذي يتبلور لدى خبير ترسيم الحدود الذي قام بفحص المسألة هو أن مزارع شبعا أرض لبنانية»، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة، بناء على هذه المعطيات «اقترحت على إسرائيل حلاً على شكل انسحاب (إسرائيلي) من مزراع شبعا وتحويلها إلى أرض دوليّة تسيطر عليها قوات اليونيفيل، إلا أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني رفضا هذا الحل». وقالت الصحيفة إن «أبرز الرسائل التي وصلت (إلى “إسرائيل”) في موضوع مزارع شبعا كانت خلال لقاء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وأولمرت في نيويورك قبل نحو شهر، إضافة إلى قناة اتصال أخرى تمثلت بالمحادثات بين ليفني ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط مايكل وليامز قبل أسابيع». وتابعت «هآرتس» أن «النقاش في الموضوع بين إسرائيل والأمم المتحدة جرى أيضاً قبل نشر التقرير المرحلي لتطبيق القرار 1701 قبل أسبوعين، بعدما اعتزمت الأمم المتحدة أن تضمن تقريرها بنداً ينص على لبنانية مزارع شبعا»، الأمر الذي رأته الصحيفة خروجاً عن القرار 1701 القاضي بتقرير مساحة المزارع في إطار ترسيم إجمالي للحدود بين لبنان وسورية.

تقول وثائق وزارة الخارجية اللبنانية إن بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة تلقت رسائل من الأمين العام بان كي مون الى الحكومة اللبنانية التي كان يترأسها الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك، وتلقت أجوبة من الحكومة ورئيسها موجهة الى الأمين العام للأمم المتحدة، وأن حصيلة هذه المراسلات استقرت على التوافق على تبني الأمين العام بان كي مون لمقترح وضعها في عهدة اليونيفيل، وفق معادلة ضمان الانسحاب يسبق المطالبة بالترسيم الحدودي بين لبنان وسورية، لأن الطرف الثالث وهو الاحتلال لا علاقة له بتحديد هوية ملكية المزارع بين طرفين آخرين هما لبنان وسورية، والأصح أن تبقى المزارع في عهدة الأمم المتحدة الى حين حسم هويتها بين البلدين وفق عملية ترسيم ترعاها الأمم المتحدة، أو تتأخر لحين حل قضية الجولان، أو تكون ضمن عملية ترسيم شاملة للحدود اللبنانية السورية، لكن كل ذلك لا يجوز أن يؤخر انسحاب الاحتلال منها.

هناك طرحان لا ثالث بينهما على الطاولة، طرح تسيبي ليفني وطرح بان كي مون، الترسيم بين لبنان وسورية قبل البتّ بأمر الانسحاب، والتبعية للقرار 242 لا القرار 425، وفق تسيبي ليفني، وأولوية الانسحاب على الترسيم ونقل السيادة الى عهدة الأمم المتحدة بانتظار الترسيم، سواء اليونيفيل او الاندوف أو كلتيهما، فذلك شأن الأمم المتحدة لا حكومة الاحتلال، وعلى اللبنانيين الذين يختارون التخلي عن المطالبة بالسيادة الوطنية الكاملة على الأرض اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا رغم الوثائق والخرائط، أن يختاروا معكسر بان كي مون او معسكر تسيبي ليفني، وجماعة ليفني مهتمون ببقاء الاحتلال وتسهيل التطبيع بإزالة عقبة المزارع من الطريق، وصولاً الى الدعوة لنزع سلاح المقاومة باعتبار المزارع مرّة سورية ومرة خاضعة للقرار 242.