اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
– قال رئيس الجمهورية تعليقاً على مناخ ما بعد وقف الحرب على غزة “إنه من الضروري أن نصل إلى وقت تلتزم فيه “إسرائيل” وقف العمليات العسكرية ضد لبنان ليبدأ مسار التفاوض، لأن هذا المسار الذي نراه في المنطقة يجب ألا نعاكسه، وقد سبق للبنان أن تفاوض مع “إسرائيل” برعاية كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ما أسفر عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية فما الذي يمنع أن يتكرَّر الأمر نفسه لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، لا سيما وان الحرب لم تؤد الى نتيجة؟”.
– كلام رئيس الجمهورية المتحفظ لجهة دعوات التفاوض قبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية يُزيل التحفّظ عن تنفيذ الانسحابات الإسرائيلية من المناطق المحتلة داخل الخط الأزرق، ومن بعدها الانسحاب إلى ما وراء الحدود الدولية، وبالرغم من أن دعوة الرئيس تقوم على التفاوض غير المباشر برعاية أميركيّة وأممية أسوة بالمثال الذي استعاده وهو ترسيم الحدود البحرية، إلا أنه إعلان قبول باعتبار القضايا العالقة حدودياً تحتاج إلى تفاوض، وهي حقوق بائنة وثابتة ومسلم بها من الأمم المتحدة، وتشبه المثال الخاص بالحدود البحرية غير المرسّمة أصلاً، والظرف لا يشبه الظرف عندما كان التفاوض على ترسيم الحدود البحرية يجري في ظل موازين قوى مختلفة نجحت خلالها المقاومة بتهديد قدرة “إسرائيل” على مواصلة الاستثمار في الحقول البحرية، بينما إعلان الاستعداد لقبول التفاوض على حدود مثبتة ولا تحتاج لا إلى ترسيما ولا إلى إظهار كحال الأراضي الواقعة ضمن الخط الأزرق، وحدود مثبتة وتحتاج إلى تظهير كحال النقاط المتحفظ عليها من الجانب اللبناني حول الحدود الدولية وخط الهدنة، والاحتلال نجح بإظهار تفوق القوة ويفرض على لبنان قبول التفاوض من موقع العجز والضعف بخلاف ما كان عليه الحال في المسألتين عند ترسيم الحدود البحرية.
– في ظروف مشابهة جرب لبنان التفاوض عام 1983، وجرب الاتفاق أيضاً، حيث إن اتفاق 17 أيار وضع موضع الاختبار لجهة الالتزامات الإسرائيلية فيه قبل إلغائه إثر انتفاضة 6 شباط عام 1984، والعودة إلى مذكرات الرئيس السابق أمين الجميل الذي صبّ فيها جام غضبه على المقاومة الوطنيّة والإسلاميّة وحلفائها، لكنه قدّم لنا من هذا الموقع الذي لا يمكن اتهامه بالتسويق للمقاومة، دروساً حول التفاوض مع “إسرائيل” ومعنى الاتفاقات عند قيادة كيان الاحتلال، حيث يكشف الرئيس الجميل حجم الاحتضان الأميركي الذي ظن أنه يحوز عليه، ويعترف بأن ذلك كان وهماً، عندما راجع الأميركيين بالطلبات الإسرائيلية التعجيزية خلال التفاوض، سواء في السعي للحصول على ترتيبات أمنية مثل إقامة خمس نقاط مراقبة داخل الأراضي اللبنانية بين الحدود ونهر الأولي ونقطة إنذار مبكر في جبل الباروك، أو في ربط الانسحاب الإسرائيلي بانسحاب القوات السورية والفلسطينية من الشمال والبقاع وكشف مصير الجنود الإسرائيليين الذين فقدوا خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والأمور الثلاثة خارج نطاق قدرة الدولة اللبنانية على تحقيقها، وهذه الشروط تمّت إضافتها عشية موعد توقيع الاتفاق عبر رسالة حملها نائب وزير الخارجية الأميركية موريس درايبر وممثل وزير الخارجية الأميركية جورج شولتز في رعاية المفاوضات، ويضيف الرئيس الجميل أنه رغم توقيع الاتفاق، فإن “إسرائيل” لم تنفذ التزاماتها، وهي عندما قررت الانسحاب من منطقة عاليه والشوف فعلت ذلك دون تنسيق مع مَن يفترض أنه شريكها في اتفاق يهدف أصلاً لتحقيق الانسحاب، أي الدولة اللبنانية.
– إن إشارة رئيس الجمهورية بالاستعداد للتفاوض، ولو بصورة غير مباشرة كما كان التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، ولو بشرط وقف الاعتداءات الإسرائيلية، لن تقرأ في كيان الاحتلال كما أرادها الرئيس، بل سوف تقرأ أنها بداية لتراجع تحت الضغط لقبول فكرة التفاوض، وما يبدو شرطاً اليوم سوف تتكفل المزيد من الضغوط بإزالته، بمثل ما زالت الضغوط الرفض المطلق للتفاوض وحوّلته إلى قبول مشروط، وكما خفضت الضغوط شرط وقف الاعتداءات والانسحاب ليقتصر الأمر على وقف الاعتداءات، ونجحت الضغوط بإزالة الفوارق بين تفاوض سابق جرى على حدود بحرية غير مرسّمة وغير مظهرة وغير مثبتة، وتفاوض راهن موضوعه حدود مرسمة ومظهرة ومثبتة، وإذا كان هدف الرئيس تخفيف الضغوط التي تمثلها الاعتداءات الإسرائيلية، فإن النتيجة سوف تكون زيادة هذه الضغوط طلباً لمزيد من التراجع والتنازلات.
– يقدّم مشهد خطاب الرئيس الأميركي أمام الكنيست في كيان الاحتلال، وبالتوازي خطابه أمام قمة شرم الشيخ، صورة كافية عن حجم الالتزام الأميركي بالحروب الإسرائيلية وحجم إدارة الظهر الأميركية للحقوق العربية، وإن وقف الحروب الاسرائيلية أميركياً يصير وارداً لحماية “إسرائيل” من الخسائر التي لا تعوّض كمثل انقلاب الرأي العام الغربي والأميركي خصوصاً ضدها، وليس لإنصاف الضحايا الذي يسمّي الرئيس الأميركي إبادتهم نصراً عظيماً لا يخجل من إعلان الشراكة فيه بتقديم كل أنواع السلاح الذي أثبت الإسرائيليون كفاءة في استخدامه، كما قال، والمقصود الكفاءة في قتل النساء والأطفال وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها بلا رحمة، وهذا يجب أن يكون كافياً لنقتنع كلبنانيين أن علينا الصمود والوحدة، التمسك بحقوقنا، والحفاظ على عناصر قوتنا، وإن لم نفلح بالتحرير ووقف العدوان فإننا نخفف الخسائر التي يجري استدراجنا نحوها بدعوات لا تنتج إلا المزيد من الانقسام والتفرقة، كالحديث عن التفاوض ونزع سلاح المقاومة.











































































