اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
أدونيس الغربة والهجرة، المتمرد على الظلم الموروث والكبت المستديم في البيئة الراكنة على التربص، الساكنة على حفظ الذات، الدائبة الكينونةمن الفزع المستطير، أقلية متغربة الانطواء مجهولة، مستديرة الاجتماع بين الأكثريات ذات التشكيلات المزركشة وفق توزع الضوابط الدينية والفكرية.لم يسعفه نسب التشبه بالمتنبي في تجانس الانتماء وتغييب الهوية، و ان تمرد على انضباطه في سلّم الشعر وساوره في الغربة خارج ألفةالحضرة للبيئة والمكان، ولم يراوده أبو فراس الحمداني في دمعه المسكوب من فرط الغربة والأسر. تنحى خارج الجماعة بريبة التفرد عن بيئته وإثبات التمييز.
شارل بودلير أثّر في تمرده (أدونيس) بعدم الانصياع إلى المظهر، بل في اكتشاف الواقع، وأن الجمال موجود حتى في القبح و الأمكنة المظلمة ، وهذا إعادة ترتيب لمكانة العقل وتصنيفه في أعلى درجات سلّم الكائن الإنساني. هذا الذي روادته اللغة الفرنسية عن إبداعاتها منذ ان ظفر عمره على مطل الحياة الأولى، وأوقعته في حبائلها نموذجا متمردا يستعير الصراخ العالي في ما يشعر به، وما يرنو إليه، حيث الصوت الخافت والانصياع الكلي طبائع الجماعة المستدركة لقلقها الابدي و حتمية النجاة من القدر والغدر، تحمله هونا على هون. كأن إدواردسعيد يعنيه وحده بقوله: حين يتحدث الأقوياء عن الأقليات، فإنهم يحددون لها مكانها ودورها مسبقا، وكأنها كائنات تحتاج إلى من يعّرفها.هذا الذي لا يستجير ولا يستكين إلا بذاته فوق ريبة العالمين، قيّد اول تغاريبه في الهوية غير المكتملة. عندما استعان بكنيته أدونيس على اسمه علي أحمد سعيد إسبر، واستعارها، وهو لم يبلغ شأو السبعةعشر عاما، كان يسرُّ لنفسه، بأن لا يمكن أن تكون إلا رقما نافرا بين الأرقام الصامتة وحرفا مصوتا بين الحروف الساكنة. وجده الآخرون كيفما تاه أو غاب أو عاد، ولم يجد ذاته حتى بلغته التسعون. أين الثابت؟ وأين المتحول؟ وكيف لا؟ والضياع انتظار، صوفي وثني. لم تكتمل الغربة عنده في لوم الحنين، رغم أنه راحل بلا عودة، مسافة كبيرةوخطوة صغيرة في غربة الحدود. يرمي حاله على شباك الانتظار، يريد ذاته ذاك الغصن الذي يبحث عن ظله ولا يراه.
ولم يعد هذا الشاعر الذي يكترث بالبحث عن الهوية في زمن الضياعهذا الضياع الذي وحّده بسواه، الفالت من قيود السبي للطوائف التى ترتضي بيوت عبادتها بلا إشهار أو إعلان، لا مآذن ولا أبراج أجراس ولا عناوين إقامة لها، الطافرة من العيون، الجالبة للطالع السيئ في المنطقة الحائرة بين الأديان والمذاهب، ويخصص وصفها،إنها الضفة الشرقية من البحر الأبيض المتوسط… يتم التأسيس المتواصل لثقافة العدوان بدلا من العقل، النقل بدلا من المساواةوالعدالة، الظلم والطغيان والتراتبية السلطوية والقبيلية بدلا من تلاحم التنوع والتعدد، شتات الوحدة والتوحيد والوحدنة، والشيء هو الذي يحل محل الإنسان، قبل أن يشهر القول ويعلنه الإسلام يعلّم، أساساً، ثقافة الإقامة في السماء. هكذا تبدو الأرض في الممارسة،كانّها مجرد جسر لهذه الإقامة. وأصحاب الأديان يحاصرون، في المقام الأول، أديانهم ذاتها، يغلقونها على تأويلاتهم السياسية التجارية ويمنعون الدخول إلا عبرهم وعبر تأويلاتهم المرتبطة عضويا بالسلطة،سياسة وتجارة، ارتباط عنف واستتباع.
أدونيس لا يدجن في صيغ الانتماء أو الولاء. هو فوقهما، هو جمع بصيغة المفرد وليس العكس تماماً، يجافي ولا يحابي عندما يقول بلثغته : القارئ العربي لا يقرأك إلا لكي يرى فيك أفكاره ومعتقداته.أدونيس تتفرد به جائزة نوبل على لوائحها، كنية أو اسما، وتسمو وتتميزإذا ما أنصفته يوما.هل خلخل المدى؟ من ظنه النداء؟ من ظنه الصدى؟











































































