مسيّرات الموت تحت مرمى القانون الدولي

#fixed-ad { position: fixed; bottom: 0; width: 100%; background-color: #ffffff; box-shadow: 0px -2px 5px rgba(0, 0, 0, 0.3); padding: 15px; text-align: center; z-index: 9999; right:0px; } #ad-container { position: relative; padding-top: 50px; /* ترك مساحة كافية لزر الإغلاق */ } #close-btn { position: absolute; top: -40px; right: 15px; background-color: #007bff; color: white; border: none; padding: 12px 16px; border-radius: 50%; font-size: 24px; cursor: pointer; box-shadow: 0px 4px 8px rgba(0, 0, 0, 0.3); transition: background-color 0.3s ease, transform 0.3s ease; } #close-btn:hover { background-color: #0056b3; transform: scale(1.1); } /* لجعل التصميم متجاوبًا */ @media (max-width: 768px) { #fixed-ad { padding: 10px; font-size: 14px; } #close-btn { top: -35px; padding: 10px 14px; font-size: 20px; } } @media (max-width: 480px) { #fixed-ad { padding: 8px; font-size: 12px; } #close-btn { top: -30px; padding: 10px; font-size: 18px; } }

×

في حادثة مؤلمة تعكس مدى الاستخفاف بأرواح الجنوبيين، أقدم العدو الإسرائيلي قبل عدة أشهر على تنفيذ ضربة بواسطة طائرة مسيّرة استهدفت شابًا مدنيًا، ما أدى إلى استشهاد طالبين من المدرسة الإنجيلية في صور مع والدهما. كما أسفر القصف عن إصابة الأم والابنة بجروح بالغة، ولا تزالان حتى اليوم تخضعان للعلاج في المستشفى.

بعد ذلك، توغل العدو الإسرائيلي داخل بلدة بليدا، حيث اقتحم مبنى البلدية وأطلق النار على موظف البلدية الذي كان نائمًا، ما أدى إلى استشهاده على الفور، وفي بلدة محرونة – جويا في قضاء (صور)، توفي عضو المجلس البلدي جراء غارة إسرائيلية استهدفت دراجة نارية بواسطة طائرة مسيّرة.

كما وتعرّض باص نقل طلاب لإصابات أثناء استهداف سيارة كانت بجواره، وما زال عدد من الطلاب يقبعون في المستشفيات لتلقي العلاج، وتوفي عضو مجلس بلدية حولا، إثر الغارة المعادية التي استهدفت وادي نحلة الواقع بين بلدتي شقرا ومجدل سلم.

كل ذلك، بالإضافة إلى الاعتداءات اليومية المتكررة التي تحدث على مرأى ومسمع من أهالي الضحايا.

بعد عرض هذه الوقائع، لا بدّ من الانتقال إلى الجانب القانوني، وتحديدًا أحكام القانون الدولي الإنساني، الذي نصّ على جملة من القواعد القانونية الهادفة إلى حماية الإنسان في حالتي السلم والحرب، لا سيما في ظلّ النزاعات المسلحة.

السؤال القانوني الأول الذي يتبادر إلى الأذهان هو:

هل يُعتبر الضحايا الذين يتم استهدافهم مدنيين أم عسكريين؟

وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، يُعتبر كل من لا يشارك مباشرة في الأعمال العدائية مدنيًا، ويتمتّع بالحماية الكاملة من الاستهداف.

وبناءً عليه، فإنّ الأطفال، الطلّاب، الموظفين المدنيين، أعضاء المجالس البلدية، والمواطنين المتواجدين في منازلهم، أماكن عملهم، أو في طريقهم إلى العمل، يُعتبرون مدنيين ما لم يشاركوا فعليًا في العمليات القتالية.

ولا يجوز بأي حال من الأحوال استهدافهم أو تعريضهم للأذى، وأيّ اعتداء عليهم يُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وقد يرقى في بعض الحالات إلى جريمة حرب تستوجب المحاسبة أمام المحاكم الدولية المختصة.

السؤال القانوني الثاني:

هل يمنع القانون الدولي استخدام التكنولوجيا والطائرات المسيّرة في النزاعات المسلحة؟

لا يمنع القانون الدولي الإنساني استخدام التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة (Drones)، في النزاعات المسلحة. لكن القانون يقيّد استخدامها بمجموعة من القواعد الصارمة، أهمها:

1. مبدأ التمييز (Principle of Distinction):

يجب التمييز دائمًا بين المقاتلين والمدنيين، وبين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية. أي استهداف للمدنيين باستخدام الطائرات المسيّرة يُعتبر غير قانوني.

2. مبدأ التناسب (Proportionality):

حتى عند استهداف هدف عسكري مشروع، يجب ألا تكون الأضرار الجانبية للمدنيين أو الممتلكات المدنية مفرطة مقارنةً بالفائدة العسكرية المتوقعة.

3. مبدأ الضرورة العسكرية (Military Necessity):

يجب أن يكون استخدام الطائرات المسيّرة لتحقيق هدف عسكري مشروع، وليس لأغراض الانتقام أو الترهيب.

4. مبدأ الإنسانية (Principle of Humanity):

يحظر التسبب بآلام أو معاناة لا مبرر لها.

إذاً، الطائرات المسيّرة ليست محظورة بحد ذاتها، لكن طريقة استخدامها هي التي تحدد قانونيتها. واستهداف المدنيين أو الأعيان المدنية من خلالها يُعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وقد يرقى إلى جرائم حرب.

السؤال القانوني الثالث:

ما هو الوصف القانوني للانتهاكات التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بحق المدنيين في جنوب لبنان؟

الوصف القانوني لهذه الأفعال، استنادًا إلى القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، هو كما يلي:

1. انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف:

استهداف المدنيين، وقصف المدارس والمنازل ومرافق البنية التحتية، واغتيال موظفين في البلديات وأعضاء المجالس البلدية، جميعها تشكل انتهاكات جسيمة للقواعد الأساسية في القانون الدولي الإنساني التي تحظر استهداف المدنيين والأعيان المدنية.

2. جرائم حرب (War Crimes):

عندما تُرتكب هذه الانتهاكات بشكل متعمد وممنهج، خاصة استهداف المدنيين عمداً أو شن هجمات غير متناسبة تسبب أضرارًا كبيرة لهم، فإنها تندرج تحت جرائم الحرب وفق المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

3. استخدام القوة دون مبرر مشروع:

في ظل غياب حالة حرب رسمية، واستمرار تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، يُعتبر ذلك انتهاكًا لسيادة لبنان، ومخالفًا لميثاق الأمم المتحدة، وخصوصًا المادة 2 التي تحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة أراضي الدول.

4. إرهاب المدنيين:

الهجمات التي تهدف إلى نشر الخوف والرعب بين السكان المدنيين تُصنّف كأفعال إرهابية في بعض السياقات القانونية الدولية.

بناءً على ما تقدّم من عرضٍ للوقائع الميدانية التي أصابت المدنيين في جنوب لبنان، ومن خلال قراءة قانونية للقانون الدولي الإنساني، نخلص إلى ما يلي:

أولًا: إن جميع الضحايا من طلاب، موظفين، أعضاء مجالس بلدية، وأهالي، يُعتبرون مدنيين محميّين بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا يجوز استهدافهم تحت أي مبرر، ما لم يشاركوا مباشرةً في الأعمال العدائية، وهو ما لم يحصل في هذه الوقائع.

ثانيًا: إن استخدام التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، كالمسيّرات، لا يُمنَع بحد ذاته، لكن القانون الدولي يفرض قيودًا صارمة على كيفية استخدامها، ويُجرّم أي استعمال يؤدي إلى استهداف المدنيين أو إلحاق ضرر غير متناسب بهم.

ثالثًا: إن مجمل هذه الأفعال تُشكّل انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف، وقد ترقى إلى جرائم حرب تستوجب المساءلة أمام المحافل الدولية، لا سيما المحكمة الجنائية الدولية، في حال توافر شروط الاختصاص.

وعليه، فإن هذه الاعتداءات لا تُعدّ فقط خروقات أخلاقية وإنسانية، بل تمثل جرائم موثّقة قانونًا تُدين مرتكبيها، وتفتح الباب أمام تحرّك قانوني دولي لمحاسبة المسؤولين عنها، وصون كرامة الإنسان وحقوق الشعوب.

والسؤال القانوني الأخير: ما العمل في ظل هذه الانتهاكات اليومية؟

إن محاسبة العدو على انتهاكاته، خصوصًا في حالات استهداف المدنيين، تمر بعدة مسارات قانونية ودبلوماسية، منها:

1. توثيق الانتهاكات بدقة:

عبر جمع الأدلة المادية كالصور، الشهادات، التقارير الطبية، والفيديوهات، بإشراف جهات موثوقة أو منظمات حقوقية محلية ودولية، وذلك لضمان حفظ الحقوق قانونيًا وإثبات الوقائع أمام المحافل المختصة.

2. تقديم شكاوى عبر الأمم المتحدة:

رغم أن لبنان ليس عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يمكنه، من خلال وزارة الخارجية، تقديم شكاوى وطلبات إحالة أمام مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان للمطالبة بإجراء تحقيق دولي ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات.

3. الاستعانة بالدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية:

يمكن للدول الأعضاء في المحكمة أن تتبنى قضية انتهاكات بحق المدنيين في لبنان، وتطلب من المحكمة فتح تحقيق جنائي مستقل.

4. استخدام مبدأ 'الولاية القضائية العالمية':

بعض الدول تسمح بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب حتى لو لم تقع هذه الجرائم على أراضيها، مما يفتح أبوابًا إضافية للمساءلة الدولية.

5. الضغط عبر الرأي العام الدولي:

من خلال الإعلام، والهيئات الإنسانية، وحملات التضامن، وفضح الانتهاكات أمام المجتمع الدولي، يمكن خلق ضغط فعّال يُسهم في تحريك العدالة.

للأسف، لا يزال لبنان مقصّرًا في اللجوء الجاد إلى الأدوات القانونية الدولية، ربما لأسباب سياسية، أو غياب الإرادة، أو ضعف الإمكانات. لكن المجتمع المدني، البلديات، النقابات، الجامعات، وحتى الأفراد، يمكنهم أن يلعبوا دورًا فاعلًا في توثيق الجرائم والمطالبة بالدولة للتحرك.

هل نبقى شهودًا على انتهاكات ممنهجة؟ أم نكون أصحاب قضية وكرامة وعدالة؟

العدالة الدولية قد تتحرك ببطء، لكنها لا تنسى، وجرائم الحرب لا تسقط بالتقادم.

ما نحتاجه اليوم ليس فقط أن نكون أصحاب وجع، بل أصحاب ملفات موثّقة وشهادات مرفوعة إلى حيث يجب أن تُرفع.

وإلى حين ذلك، حمى الله من بقي في لبنان، وحمى الله الوطن.