اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
مع شروع حركة حماس اليوم بتسليم جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين لديها وفقًا لاتفاق وقف النار في غزة، الذي وقعت عليه في شرم الشيخ الأسبوع الماضي بعد موافقتها على المرحلة الأولى من خطة الرئيس ترامب حول إنهاء الحرب في القطاع، يعود الغزيون إلى مدنهم المنكوبة بعدما أقحمتهم الحركة في حلقة مفرغة من النزوح والموت والدمار إثر قرارها شن هجوم 7 أكتوبر. وبينما يعمّ التفاؤل المشهد السياسي الإقليمي والدولي بأن مآسي الغزيين المستمرّة منذ سنتين باتت على قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء، يتساءل كثيرون: ماذا حققت حماس بإطلاقها طوفان الأقصى؟ وهل تبرّر نتائج العملية التضحيات الجسيمة غير المسبوقة التي قدّمها الغزيون؟ وماذا عن سلاح الحركة؟ هل ستوافق حماس على المرحلة الثانية من خطة ترامب التي تقضي بنزع سلاحها وإبعادها من حكم غزة؟
تعدّدت الأهداف التي أرادت الحركة تحقيقها من خلال طوفان الأقصى. على المستوى الاستراتيجي، كانت النتيجة المرجوّة تتمثل بوقف قطار التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وتوجيه ضربة قاصمة لمنظومة الردع الإسرائيلية، وتعميق الشقاق الداخلي الإسرائيلي الذي كان في أوجّه قبيل 7 أكتوبر. اليوم، بات جليًا أن الطوفان حقق نتائج استراتيجية عكسية بالنسبة إلى حماس ومحور الممانعة الذي تنتمي إليه. صحيح أن هجوم 7 أكتوبر جمّد مسار التطبيع في المنطقة لبعض الوقت، غير أن زخم السلام بين إسرائيل والدول العربية أصبح اليوم أقوى من أي وقت مضى بسبب التراجع الهائل لقوة المحور إثر الهزائم العسكرية المتتالية الذي مُني بها على يد إسرائيل، الأمر الذي عزز الوضعية الاستراتيجية للأخيرة وقوة ردعها بشكل راديكالي، ما جعل المصلحة الاستراتيجية للدول العربية في السلام بديهية.
أمّا بالنسبة إلى الشقاق الداخلي الإسرائيلي، فتبيّن أن الخلافات بين التيارات السياسية والفكرية في إسرائيل حول المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية تفقد أي أهمية وتخرج من الحسابات عندما يواجه الإسرائيليون تهديدًا خارجيًا يعتبرونه وجوديًا. هكذا، بدل أن يُعمّق الطوفان الخلافات بين الإسرائيليين، وحّدهم حول مبدأ الدفاع عن بلادهم، ولو اختلفوا أحيانًا حول التكتيك المتبع لتحقيق هذا الهدف، الأمر الذي سمح لإسرائيل بخوض حروب ناجحة على سبع جبهات على مدى عامين، بينما كانت أبواق الممانعة تُنظّر أن المجتمع الإسرائيلي لا يتحمّل خوض حروب طويلة الأمد مع المحور بأكمله.
على صعيد آخر، كان أحد أهداف حماس الرئيسية من الطوفان، الردّ على توسيع إسرائيل مشاريعها الاستيطانية في الضفة الغربية والاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى، إلّا أن الهجوم حقق في هذا الإطار أيضًا نتائج عكسية كارثية، إذ إن مشاريع الاستيطان توسّعت بوتيرة غير مسبوقة منذ 7 أكتوبر، فيما أقرّت الحكومة الإسرائيلية هذا الصيف مشروع E1 الاستيطاني الضخم الذي من شأنه عزل القدس الشرقية عن التجمعات الفلسطينية في الضفة، كما ضيّقت إسرائيل الخناق على فلسطينيي الضفة على كافة المستويات الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تحدّث الناطق العسكري باسم كتائب القسام الراحل أبو عبيدة، في 28 تشرين الأوّل 2023، أي بعد ثلاثة أسابيع من طوفان الأقصى، عن أن ثمن استعادة إسرائيل للرهائن هو تبييض السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين، غير أن الحركة لم تتمكّن من فرض هذا الشرط على تل أبيب، حيث تمكّنت الأخيرة من استرجاع رهائنها على مراحل مقابل الإفراج عن ما مجموعه نحو ثلاثة آلاف سجين فلسطيني، معظمهم اعتُقل بعد 7 أكتوبر.
وبالنسبة إلى قطاع غزة، فعدا عن كونه تعرّض لدمار لا يوصف وسيحتاج لسنوات طويلة وأموال طائلة فقط لكي يُعاد إلى الحال التي كان عليها قبل 7 أكتوبر، وعدا عن الخسائر البشرية الفلسطينية الهائلة التي قد تتجاوز بعد إزالة الأنقاض الـ 100 ألف قتيل، فإن القوات الإسرائيلية لا تزال تحتلّ، بعد انسحابها الجزئي وفق اتفاق شرم الشيخ، حوالى نصف القطاع، بينما تعهّدت تل أبيب بأنها لن تنسحب من المزيد من أراضي غزة إلّا بعد الاتفاق حول المرحلة الثانية من خطة ترامب، التي تتضمّن نزع سلاح الحركة ونشر قوات دولية في القطاع وتسليم السلطة في غزة إلى لجنة تكنوقراط فلسطينية غير مرتبطة بـ حماس بأي شكل من الأشكال، والتي ستعمل تحت إشراف مجلس السلام الذي سيرأسه ترامب وسيتكوّن من قادة حاليين وسابقين لدول أجنبية وعربية وإسلامية.
تتعرّض حماس لضغوط شديدة من الوسطاء والقوى المؤثرة للمضي قدمًا في خطة ترامب وعدم عرقلتها، إلّا أن الحركة ترفض إجراء مراجعة ذاتية لمسارها وتأبى الإقرار بأن خيار الحرب الأبدية ضدّ الدولة اليهودية أوصل الفلسطينيين بعد كلّ حرب أو مواجهة إلى وضعية أسوأ من تلك التي سبقتها. تجلت حال الإنكار التي تعيشها حماس في رفضها تسليم السلاح ونشر قوات دولية وإنشاء مجلس السلام، كما انتشرت قواتها في المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية وفق اتفاق شرم الشيخ، ما يشي بأن احتمال تجدّد الحرب بعد تسليم الرهائن وارد بقوّة، خصوصًا أن ترامب تعهّد بدعم إسرائيل في استكمال حملتها على حماس في حال رفضت الأخيرة تسليم السلاح والتخلّي عن حكم غزة.
من المتوقع أن تُنجز عملية تسليم الرهائن من دون عوائق نظرًا للضغوط الدولية الهائلة التي مورست على حماس كي تقبل بالتخلّي عن أقوى أوراقها مقابل وقف النار وانسحاب إسرائيلي جزئي من القطاع وإطلاق سراح 1950 سجينًا فلسطينيًا، 1700 منهم اعتقل في غزة بعد 7 أكتوبر، غير أن رفض الحركة المبادئ الجوهرية من المرحلة الثانية من خطة ترامب يؤكد أنها لا تزال مصرّة على التمسّك بخيار الحرب مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين ومصلحتهم العليا.
تعيش إيران وأذرعها حال الإنكار عينها التي تعيشها حماس، من حزب الله في لبنان، مرورًا بميليشيا الحوثي في اليمن، وصولًا إلى ملالي طهران، إلّا أن ميزان القوى الجديد الذي فرضته تداعيات الطوفان لا يقيم أي حساب للهلوسات الأيديولوجية التي تنخر محور الممانعة. وفي حال استمرّ أركان هذا المحور في اعتبار أن ما جرى خلال العامين الماضيين هو مجرّد نكسة يمكن تعويضها، مدّعين أن صمودهم يكفي لإثبات صوابية خياراتهم، فإن التوازنات الجديدة ستفرض عليهم أثمانًا باهظة على كافة المستويات حتى خضوعهم للواقع وتحمّلهم مسؤولية قراراتهم الانتحارية.




 
 
 
 
 
 
 
 
 






































































