اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تتجه أنظار المراقبين صبيحة الثلثاء المقبل إلى بلاد الرافدين، حيث تفتح صناديق الاقتراع أمام زهاء 21 مليون ناخب، للإدلاء بدلوهم الديمقراطي في انتخابات تشريعية هي السادسة منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، في بلد مترامي الأطراف، يغصّ بالتناقضات الطائفية والمذهبية والسياسية، ويُعد حلبة خلفية يتصارع فيها لاعبون إقليميون ودوليون، على رأسهم واشنطن وطهران.
بحسب المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات في العراق، تستعدّ 8703 مراكز اقتراع لاستقبال الناخبين، في انتخابات يتبارز فيها 7744 طامحًا لدخول جنة البرلمان، من بينهم 2250 امرأة، على مقاعد برلمانية يبلغ عددها 329، منها 83 مقعدًا مخصصة للنساء، وتتوزع المقاعد على 18 دائرة انتخابية في عموم العراق، لتشكل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة.
يتوقع المراقبون للشأن العراقي أن تكون المشاركة الشعبية خجولة وأقلّ من سابقاتها في الدورات الأخيرة، بحكم مقاطعة مكونات وازنة، أبرزها التيار الصدري، والذي بات يحمل اسم التيار الوطني الشيعي، فضلًا عن قوى مدنية أخرى، لأسباب عدة، منها استفحال الفساد الذي ينخر المؤسسات الرسمية، وانعكاسه يأسًا في نفوس المواطنين وانعدامًا للثقة بالأداء الحكومي، ناهيك عن تفشي ظاهرة شراء الأصوات والذمم، في بلد تغرق شريحة واسعة من مواطنيه في فقر مدقع.
وفي ظلّ مقاطعة الصدريين المدوية للانتخابات، واللامبالاة الشعبية بها، كان لا بد لـ الماكينات الحزبية والانتخابية من إدارة محرّكاتها للترويج لمرشحيها، من خلال ضخ أموال طائلة في السوق الانتخابي، حاكت ملايين الدولارات، وهي أموال يعتبر العراقيون أنها نهبت أصلًا من خزائن الدولة المثقوبة.
مع انسحاب التيار الوطني الشيعي بزعامة الصدر، كما ائتلاف النصر برئاسة رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، والذي يتمتع بثقل شعبي شيعي أيضًا، من السباق الانتخابي، أظهرت خريطة التحالفات السياسية الشيعية انضواء غالبية المكونات الشيعية تحت مظلة الإطار التنسيقي الحاكم، الذي يحتضن أكبر كتلة برلمانية شيعية، تتشكل من ثمانية تحالفات رئيسية، بينما ارتأى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني عدم الانصهار بـ الإطار انتخابيًا، والمشاركة بتحالف موازٍ تحت مسمّى الإعمار والتنمية، وإن كانت تحالفات تشكيل حكومة عتيدة تعيد لاحقًا لمّ شمل جميع القوى الشيعية، باستثناء الصدريين، تحت لواء الإطار التنسيقي، من أجل الظفر برئاسة الحكومة والتنعّم بخيرات حصصها الوزارية.
في المقابل، تخوض أحزاب القوى السنية الغمار الانتخابي من خلال تحالفات غير موحدة، أبرزها تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر، وحزب تقدّم بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي. أما الأحزاب الكردية، فآثرت خوض المنازلة الانتخابية منفردة، كـ الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني. وفي المحصلة، يشارك حوالى 400 حزب في انتخابات الثلثاء المقبل، ضمن نحو 140 تحالفًا سياسيًا.
لا ريب في أن الانتخابات في جوهرها، تعَدّ الركن الأساسي في اللعبة الديمقراطية في الدول المتقدمة التي تتمتع بديمقراطية حَقة. بيد أن التجارب الانتخابية الخمس السابقة في بلاد الرافدين بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، اعتراها العديد من الشوائب، كان أشدّها وطأة وأكثرها إفسادًا استغلال السلطة، والمال السياسي، والسلاح المتفلّت الذي يدور خصوصًا في فلك أذرع إيران في العراق، التي لا تزال على قيد الحياة، بعكس نظيراتها في الدول المحيطة، التي أعطبتها الضربات الإسرائيلية القاصمة، بعد هجمات 7 أكتوبر عام 2023.
يعتبر المراقبون أن خروج الصدر من المشهد الانتخابي، أجّج الصراعات الشيعية الداخلية، وقد سارعت غالبية الفصائل المسلّحة إلى الانضواء تحت عباءة الانتخابات، للتلطي خلف العملية الديمقراطية والبقاء على قيد الحياة السياسية، علمًا أن قانون الانتخابات يحظر في الشكل مشاركة جماعات مسلحة في الانتخابات والعمل السياسي، غير أن الأحزاب المسلحة في العراق لطالما صرفت في الدورات الانتخابية السابقة فائض قوتها، لتحقيق مكاسب سياسية ومقاعد برلمانية إضافية، وهو نهج متبع أيضًا في الدورة الحالية.
كما يشكو بعض المرشحين من نهج الاستبعادات الذي اعتمدته السلطات العراقية بحقهم، ورأوا فيه استبعادات بخلفيات سياسية بحتة، مغلّفة باتهامات ملفقة، وهو ما سيضر حتمًا بصحة العملية الانتخابية وبتكافؤ فرصها، وينعكس سلبًا على نسب المشاركة فيها.
تبقى آمال العراقيين، وإن لم تكن كبيرة، معلّقة على الاستحقاق الديمقراطي الواقع تحت المجهر الأميركي، علّه يبدل المشهد السياسي في بلاد خنقتها الديكاتورية المقيتة لأكثر من عقدين، ومزقتها الحروب والاقتتالات الداخلية لسنوات، تاركة إياها رهينة في ظلال نظام الملالي المجاور، الذي يستخدم أذرعه المتنوعة أو ما تبقى منها في الإقليم، وقودًا في محاربة الشيطان الأكبر.











































































