اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٧ أيلول ٢٠٢٥
برافو! أضأتم الصخرة. لكن من سيضيء بيوتكم المهدّمة بعد حرب عبثية خضتموها مع إسرائيل؟ برافو! صخرة الروشة أُضيئت، لكن من سيُضيء لكم الطريق إذا هجّركم العدوّ مرةً أخرى؟ نفسهم أهالي بيروت الذين استفزّيتموهم الخميس؟
أخرجت قيادة حزب الله مشهدًا كانت بأمسّ الحاجة إليه لإغراق جمهورها بالمزيد من الانتصارات الوهمية، كونها أفلست سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا. لكن حتى المشهد الذي أرهقها التحضير له لا يصلح للبيع في صالات السينما؛ وفي أحسن الأحوال يخدم بضعة أيام على منصة تيك توك حيث هو بارع اليوم جمهور حزب الله مع هاشتاغ السيكي لحلح والانفلوينسر المستجدّ وفيق صفا.
ما بدا استعراض نصرٍ صغيرٍ على واجهة البحر لم يكن أكثر من إعلان إفلاس سياسي. حزب الله، الذي بنى خطابه طويلًا على مقاومة إسرائيل، لم يعد يملك أمام جمهوره سوى صورة موضوعة على صخرة. انتهت شمّاعة مواجهة العدو الخارجي، وتلاشت أوهام افتعال الفتنة مع قوى الداخل؛ فلم يبقَ له عدوّ واضحٌ إلا الدولة نفسها. الأمر ليس بجديد: منذ نشأته لم يقتصر دور الحزب على كونه قوة مسلّحة، بل صار رديفًا للدولة داخل بيئته، في الأمن والاقتصاد والشبكات الاجتماعية؛ فحوّل هويته إلى نقيض الدولة. الانخراط الفعلي في الدولة يعني عندهم إلغاءَ هذه الهوية ووجودها، ولذلك يبدو أن التحوّل أسهل عليهم بكثير من التراجع: إعادة تغليف الصورة من إطلاق الصواريخ على حيفا إلى إضاءة صخرة الروشة بالـ ليزر أشدُّ سهولةً من إعادة تموضع حقيقي والاندماج في مؤسسات الدولة.
وعندما يُفتعل خصم، لا بدّ من رسم شخصية واضحة له؛ مشهد وفيق صفا وعلي برّو اللذين يتحدّيان ويستفزّان رئيس الحكومة نواف سلام كان متوقعًا. المفارقة الصارخة أن بيئة الحزب تتّهم شقيق الضحية جو نون ويليام نون مثلًا بتهديد السلم الأهلي بكلامه الصادق عن عرقلة حزب الله التحقيقات (وهي عرقلة موثّقة)، لكنها لا ترى في أقوالها وأفعالها هي الأخرى تهديداً للسلم ذاته.
لماذا اختاروا تحدّي سلام؟ الدولة اليوم يمثّلها سلام أكثر من غيره؛ فهو الأكثر جدية في عملية إعادة هيبة الدولة، والأشد التزامًا بما جاء في خطاب قسم رئيس الجمهورية والبيان الوزاري. بدا وحيدًا ربما وسط صمتٍ مستغرب بين زملائه في السلطة في مواجهة أيكوس الميليشيا؛ لكنه على الأكيد يحظى بدعم أحزاب سيادية كثيرة وغالبيّة لبنانية كانت متعطّشة لمظهر مسؤول فعلًا مسؤول بعد زمنٍ طغت عليه صورة المسؤولين السماسرة.
في ملخّص ما جرى: من هو الخاسر الأكبر في عمليّة تحدّي الدولة وتحدّي غالبية اللبنانيين؟
الخاسر الأكبر هو الحزب نفسه. الإصرار على إنكار الأخطاء واستمرار المغامرات غير المدروسة يحوّل الحزب إلى عبءٍ على بيئته. رفضُ الاعتراف بالإخفاقات التكتيكية والاستراتيجية، والإصرار على الإنكار الجماعي والخطابات التي ولّى عليها الزمن، والتصرفات الصبيانية والبلطجيّة، كل ذلك يوسّع الهوّة بينه وبين باقي اللبنانيين. هذا الإنكار لا يحمي الحزب، بل يقصف قاعدته من الداخل؛ فكلّ مرة يختار النكاية والاستفزاز بدل الاعتذار والالتزام بسقف الدولة، تبتعد عنه شريحة جديدة من المواطنين، بينما إسرائيل مستمرّة باستهدافه، وبيئته تدفع ثمن المغامرات بأرواحها ومنازلها ومداخيلها.
إليكم النتيجة المتوقعة: حزب يبيع بيئته أوهام المظلومية كي يبقى متحكّمًا بها، لكنه في الوقت نفسه يساهم في نبذها عبر استفزاز ومعاداة الجميع داخل البلاد وخارجها. يمدّ يده لشركائه في الوطن وللمجتمع الدولي طالبًا المساعدة فيرفضون؛ ثمّ يعود ليبكي ويشتكي انعدام الوحدة الوطنية ويشيطن الخارج عربًا وغربًا. العبث هنا يذكّر بسلوك الولد السئيل الذي يريد دائمًا أن يكون رئيس اللعبة فيقبل الفريق. يخطئ هذا الولد فيُعطى فرصة، يخطئ من جديد، يعود باكيًا يطلب العطف، ثم يعود بنفس العناد وبنفس المغامرة التي تُرهق الجميع. وإذا رفض الفريق أن يشاركه لعبته، يتحوّل إلى مُشتكٍ: ما حدا بدّه يلعّبني معه.