اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
بعد سنوات من الغياب السياسي والإعلامي، يستعد الشيخ بهاء الدين رفيق الحريري للعودة إلى لبنان، وسط ترقب شعبي ورسمي لمسار هذه العودة، وما إذا كانت ستشكل منعطفاً حقيقياً في إعادة إحياء «الحريرية السياسية»، التي تراجعت بحدة خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما في ظل الانكفاء الكامل لشقيقه الرئيس سعد الحريري عن الحياة السياسية.
الشيخ بهاء، الإبن البكر للرئيس الشهيد رفيق الحريري، اختار توقيتاً بالغ الدقة ليطل مجدداً على الساحة اللبنانية. توقيت يتزامن مع أزمة وطنية شاملة تطال بنية الدولة ومؤسساتها، وانهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، واستسلام شبه كامل للفراغ السياسي والجمود في المبادرات الداخلية والدولية.
وتعتبر أوساط متابعة أن عودة بهاء الحريري في أواخر الشهر الحالي، ليست مجرد محاولة شخصية للمشاركة في الشأن العام، بل تبدو أقرب إلى مهمة إنقاذية تحمل بُعداً رمزياً وسياسياً كبيراً.
فالحريرية السياسية، كما أطلقها الرئيس الشهيد، لم تكن يوماً مجرّد مشروع انتخابي أو زعامة مناطقية، بل كانت رؤية مستقبلية لبناء دولة حديثة، قائمة على الاقتصاد الحر، والانفتاح، والإعمار، والشراكة الوطنية. لكن هذه الرؤية تعرضت لتشويه عميق خلال السنوات التي تلت اغتيال مؤسسها، وتفاقمت التحديات خلال مرحلة الرئيس سعد الحريري الذي واجه صعوبات جمّة في التوازن بين مقتضيات الحكم وضغوط الداخل والخارج، وبين إرث والده ومتطلبات المرحلة، ولم يفلح في تجاوز المطبات التي أدت إلى إجهاض تجربته.
وتؤكد الأوساط المتابعة أنه مع عودة الشيخ بهاء، يبرز أمل جديد في إعادة ترتيب البيت الحريري الداخلي، وتصحيح المسار السياسي الذي تآكل بفعل التنازلات المتكررة، والعزلة، والانكفاء عن المواجهة. صحيح أن بهاء الحريري لا يمتلك بعد خبرة العمل السياسي المباشر، لكنّه يحمل رصيداً معنوياً كبيراً، يستمده من كونه نجل رجل الدولة الذي أعاد إعمار لبنان بعد الحرب، ووضعه على خارطة الاهتمام الدولي والإقليمي، فضلاً عن شبكة علاقات دولية واسعة من شأنها أن تشكل دعماً إضافياً للبنان في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها البلد.
كما أن الرجل الذي حقق نجاحات كبيرة في دنيا الأعمال، يمتلك الإمكانيات المالية واللوجستية، ما يجعله قادراً على إطلاق دينامية جديدة في الوسط السني، وتحديداً في بيروت وطرابلس وصيدا، إمتداداً إلى عكار والبقاع والجنوب، حيث تشعر القواعد الشعبية باليتم السياسي بعد غياب المرجعية. غير أن التحدي الأكبر أمامه لا يكمن فقط في استعادة الشارع، بل في بلورة مشروع سياسي واضح، يتجاوز شعارات استعادة الإرث، نحو تقديم رؤية متكاملة لمستقبل لبنان، في مواجهة السلاح غير الشرعي، والفساد، والانهيار المؤسسي.
عودة بهاء الحريري تمثّل لحظة اختبار حقيقي: للحريرية السياسية أولاً، وللطائفة السنية ثانياً، وللبنان ككل. فإما أن تكون خطوة نحو ترميم الحياة السياسية على أسس جديدة، تعيد الاعتبار للعمل الوطني والاقتصادي والاجتماعي، وإما أن تكون حلقة إضافية في سلسلة الإحباطات التي يعيشها اللبنانيون.
المعادلة ليست سهلة، لكن لبنان يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى شخصيات تمتلك الجرأة والمصداقية، لا لإعادة إنتاج الماضي، بل لإعادة إطلاق الحلم اللبناني الذي مات مع رفيق الحريري.