اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في إطار دعمها للاصدارات والأنشطة الثقافية والأدبية في طرابلس والشمال، نظمت «مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية» ندوة للدكتور هاشم الأيوبي بمناسبة توقيع كتابه «خمسون عاما يا زمان الجامعة»، في مركز الصفدي الثقافي في طرابلس، في حضور النواب طه ناجي، فادي كرم، جورج عطا الله، أشرف ريفي ممثلا بكمال زيادة، الرئيس السابق لبلدية طرابلس رياض يمق، المدير العام السابق لوزارة الثقافة فيصل طالب، رئيس مجلس أمناء جامعة الجنان الدكتور سالم فتحي يكن وممثلين عن هيئات وفاعليات أدبية وفكرية وأندية وجمعيات.
زريق: أهنالك أسخى من مؤلفنا؟
بعد النشيدين الوطني والمؤسسة، وكلمة للدكتورة ريما الأحدب، ألقى الدكتور سابا قيصر زريق كلمة، قال فيها: «الزمان يسرق كل شيء إلّا الذكريات. فهي تعود إلينا على هيئة حنين، قول للأديب والكاتب المصري الكبير، مصطفى لطفي المنفلوطي. «خمسون عاما يا زمان الجامعة»، مناجٍ ينادي زمانا اختزله بنصف قرن، أذابه في كنف عائلته الأولى، أي جامعتنا الوطنية. فكان من أضعف الإيمان أن تتصدر قائمة إهداءاته لمؤلفه. «خمسون عاما يا زمان الجامعة»، قد يتراءى لنا أنه مجرد عنوان لكتاب، بينما هو في الحقيقة عنوان لزمان الدكتور الأيوبي، وتأريخ لزمان ومكان وإنسان، زمن الشعر والأدب والسماء الصافية والنكسات بغيومها السوداء. ولم تغب عنه سوى انتصارات غير وهمية لم تتحقق».
أضاف: «عنوان ينبئ بآهات لحنين، تارة يرزح تحت أثقال من الأتراح، وتارة أخرى، تنعشه ذكريات من الأفراح. فلولا الحلو والمرّ لما كان لحيواتنا معنى. ولم ينل هذا الحنين من موضوعية الأيوبي، إذ جاءت سردياته، غير المملّة، لسيرة حياة كقصة مسيرة وثّق فيها الكاتب أبرز محطاتها، دون الإلتفات إلى ما قد يكون لواقعة أو لحدث ما من أثر أو قبول أو اهتمام لدى القارئ. فما يذكره هي دقائق طبعت في ذاكرته، إلى حد الرغبة في مشاركتنا أبسط تفاصيلها.
بوادر تميّز كاتبنا لاحت باكرا، مما حدا بالمطران جورج خضر، أطال الله بعمره، وكان أرشمندريتا آنذاك، إلى تحفيزه على متابعة دراساته العليا في ألمانيا، لنيل شهادة الدكتوراه التي لم تكن الجامعة اللبنانية تمنحها آنذاك. فانطلق مبعوثا بمنحة من الجامعة، التي عاد إليها ليعمل أستاذا في كلية التربية فيها، ومن ثم في كليتها للآداب، مترئسا بعد ذلك قسم اللغة العربية وآدابها فيها. وجال د. هاشم زائرا وباحثا في جامعات ألمانية وفرنسية، مختتما مسيرته عميدا لكلية الفنون الجميلة فيها. وبفضل قدراته الأكاديمية إرتقى إلى الأمانة العامة لكليات الفنون الجميلة والعمارة في اتحاد الجامعات العربية وعضوية مجلس الجامعة اللبنانية».
وعن مضمون الكتاب، قال: «من اللافت أن مؤلفنا بوّبه وفق محاور تدور حول جامعته. والتساؤل الذي يراودني هو: هل كان الدكتور هاشم عدل في العناوين العريضة لأبواب كتابه، لو لم يكن عنوانه يوحي بلا لبس أنه يتعلق بالجامعة؟ أرى أن الإجابة هي بالنفي، إذ أن الجامعة كانت حياته كلها. حال دون تجاهل أي ذكرى انسلّت إلى قلمه، لينزفها مداده على القرطاس الذي يضعه اليوم بين أيادينا، وليشعل في من عاصروه أو واكبوه أو تتلمذوا على يده أو أضحوا أترابا له بعد ذلك، نارا خالوها خامدة. فكأني بأميرنا، في تحريره، يتلقّف الذكريات التي كانت تداهمه، متنقلة عشوائيا في ذهنه، من زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان ومن وجه إلى وجه، بقفزات طويلة، دون تسلسل معيّن أحيانا، مما يضاعف في الإثارة لما قد يترقّب القارئ قراءته بعد أن يفرغ من قراءة نص ما. في فقرة، وعلى سبيل المثال، يتنقل من طرابلس إلى بيروت، دون أن تجمع بين المكانين مناسبة واحدة. ففي 13 نيسان 1975 المشؤوم، قفز المؤلف إلى الأمام، ليهبط عام 2003، من مناسبة شرارة الحرب الأهلية الأليمة إلى أخرى تزرع الأمل، إلّا وهي غرس شجرة زيتون أمام الإدارة المركزية للجامعة؛ ليعود بقفزة إلى الوراء هذه المرة، بذكرياته عن طلاب المسرح في معهد الفنون الجميلة».
ورأى أن الأيوبي، «حرص على عدم تفويت ذكر أي أمر استرجعته ذاكرته دون تقيّده بارتباط هذا الأمر بزمن أو تاريخ معيّن، مما يدلّ على شفافية وأمانة لا تعتريها أي مبالغة، شفافية أفصح هو عنها بإقراره أنه لا يعرف لذكرياته لا بداية ولا نهاية. شملت مراجعات المؤلف التاريخية موضوعات متنوعة؛ والفضل في ذلك يعود إلى الدرب الغنية التي سار عليها والثروة الفكرية التي اختزنها. كتب د. الأيوبي عن الشعر وفيه وعن شؤون ثقافية وأكاديمية ووطنية، وكذلك نضالية جامعية، كان هو أحد فرسانها؛ وعن وجوه بارزة التقاها وتقاريظ لقامات فنية وأدبية وصحافية وسياسية. كما استعاد أحداثا أصابت لبنان وعالمنا العربي. وهو لم يقصّر في إعطاء كل من الأصدقاء والطلاب والأساتذة ومدراء الأقسام والعمداء حقّه، ومنهم من انتقل إلى عالم الخلود. وكان للعاصمة بيروت وشوارعها ومقاهيها حصة وازنة في الكتاب، هي التي أمضى فيها ردحا طويلا من الزمن، مرابطا فيها في أحلك الظروف. وكيف له أن ينسى وطنه الثاني بالتبنّي الثقافي، عنيت ألمانيا، حيث حصل شهادته الأعلى والتي لا بد أن تكون أسهمت في صقل شخصيته. كما عرج على أخبار ووقائع حول ندوات ومحاضرات ومؤتمرات وحفلات تكريم وما شابه. وهو المشجّع للأدب والفن، كان له دور بارز في تكريم أدباء وفنانين من تربويين ومخرجين ورسامين تشكيليين. للدكتور الأيوبي في ذمة الجامعة اللبنانية وطلابها دين أكيد، هو الذي جهد لاستحداث أقسام فيها وتعديل نظام الشهادات التي تمنحها وتحويل معهد الفنون الجميلة إلى كلية. وباختصار، ينطوي الكتاب على فسيفساء زاهرة، بألوان باهرة، لوحة يطيب لكل خيال أن يحلل ما يراه فيها. كتاب حرّره عروبي أصيل وشاعر مجيد وأديب شامل ومربٍّ وأكاديمي وإداري ومناضل وإعلامي، وألسني إستثنائي على ما وصفه به الوزير رشيد درباس».
وختم متسائلا: «أهنالك أسخى من مؤلفنا، تلك القامة العملاقة، المجبولة بفضائل الإلتزام والتواضع والوداعة والنبل، يضع بالتصرف ثمرة عمر كامل، لكي نتذوق تجربته ونقتدي بها؟».
توما: أعيدوا لنا الجامعة وخذوا ألقابها
وأشار الدكتور جان توما إلى أن هاشم الأيوبي «لم يخف من الاتجاه المعاكس، بمنحة من الجامعة اللبنانية إلى ألمانيا وليس إلى فرنسا، كاشفا من باب الاستشراق والاستعراب عن مفاهيم العروبة والقومية، كإرث حضاري إسلامي حي يحتضن الجميع، فعبر الأيوبي التاريخ من المحلية إلى الفكر المنطقي العالمي لتكتمل صورة العرب عنده بغنى وعظامة وأمل ورجاء. بهذا المنطق الإلماني المعمّد بالتاريخ العربي الظافر بسماحة الإسلام وريادة مكارم الأخلاق، تعامل الأيوبي مع محيطه بانفتاح وحرية، من دون الوقوف أمام الانتماء الاجتماعي أو الطائفي أو المذهبي إنطلاقا من إيمانه الحي وتجارب عمره إلى أن الإسلام عابر للوجوه والقارات، وأن الأمة التي يتعرفها تقبل الجميع، على تنوعهم، في مودّة وتراحم ومكارم أخلاق ووحدة حال».
ولفت الى ان الكتاب «يجمع بين السردية الذاتية والسردية الغيرية، هو سرد تختلط فيه الشخصيات بين الحاكي والمحكي والمحكى والمحكى، هو معجم أسماء وقامات ومسرى عمر عبر ترجمة مهارات اكتسبها الأمير، في التعليم والإدارة، في القطاعين الرسمي والخاص، كما في الجامعة اللبنانية، جامعة الكل، فيوضح توما موقف الأيوبي. «أين زمان منحها إلى جامعات العالم لننعم بالتيارات الثقافية العالمية في تلاقح فكري عرفته العصور العربية زادا واكتشافا، إسهاما منها في حركة النهضة الأوروبية، أعيدوه زمان الجامعة على زمان أبهى «أعيدوا لنا الجامعة وخذوا ألقابها».
يوسف: مسيرة عمر حافلة بالأحداث
وتحدث الأمين العام السابق للمنتدى الثقافي في الضنية أحمد يوسف، فتناول فترة معرفته وتلقّيه دراسة اللغة العربية وآدابها في كلية التربية - الجامعة اللبنانية في مقتبل العمر على يد الدكتور هاشم الأيوبي في العام 1973 وكان قادما حديثا حيث أنهى دراسته في ألمانيا أستاذا لمادة اللغات السامية وعرف بالجدّية وقربه من الجميع وأصبح واحدا منا فعقدنا معه صداقات متينة ما تزال راسخة في اذهاننا طلابا وأصدقاء.
وقال: «خمسون عاما يا زمان الجامعة. يختصر عنوان الكتاب مسيرة عمر حافلة بالأحداث التي تتجسّد عناوين وسطورا وصفحات هي نتاج رحلة طويلة ومرحلة قاسية وصعبة تتزاحم فيها الأحداث التي كان لها التأثير المباشر وغير المباشر على الجامعة وعلى مسيرتها ومصيرها»، متناولا «التأثير المباشر وغير المباشر للرحلة الطويلة ومراحلها القاسية وتأثيرها على الجامعة وعلى مسيرتها، وتوقف عند عهد مضى نابض بحيوية الشباب والتحفّز ورفع الشعارات الكبرى في ظلال الطموح»، وقال: «خمسون ونيف من الأعوام امضاها هاشم في الجامعة اللبنانية جامعة الوطن تجلّت فيها نبضات قلب وتوهج فكر وتوثب عاطفة ومشاعر تشفّ عن مواقف ووجدان حيّ ونضال ذي أهداف سامية».
عبيد: المرشد لزملائه
واستذكر مدير كلية الفنون الجميلة والعمارة الفرع الثالث في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام عبيد سيرة العميد الدكتور هاشم الأيوبي، فقال: «لقد عاش حياته الجامعية وخصوصا خلال عمادته لكلية الفنون الجميلة والعمارة على مدى عشر سنوات، بكل تفاصيلها وأعطاها من ذاته ووقته وفكره وعاطفته فكان المرشد لزملائه الأساتذة والصديق والمحب والمعطاء، وفي مشهدياته في كتابه عن كلية الفنون تراه ينهمر علينا بسردية كافة المحطات والإنجازات التي جرت خلال ولايته: عن إنجاز مرسوم الترفع والتعيين الخاص بكلية الفنون والإنتقال إلى نظام التعليم الجديد». كما ذكر «حفلات تخريج الطلاب ورعاية الرئيس الشهيد رفيق الحريري لها»، وعن «دوره في مجلس الجامعة والأبواب المفتوحة والمشاركة في المعارض المحلية والعربية وإقامة ورش العمل الفنية وإصدار المجلة البحثية: فن وعمارة، وكذلك إستحداث شعار جديد للجامعة اللبنانية ولجميع الكليات، وإنجاز دراسات هندسية على إمتداد الأراضي اللبنانية».
عثمان: الكتاب دستور عابق بالقِيَم والرجولة والأدب
وتحدث الدكتور رياض عثمان فتوجه إلى الأيوبي قائلا: «عندما طلبت مني أن أتكلم عن إصدارك الجديد «خمسون عاما يا زمان الجامعة» وجدتني في منتصف الخمسين وبدأت القراءة من المنتصف لأني عشت معك معظم أحداث النصف الآخر، وتعلّمت منك الفأل واليسار والتيسير، وتعلّمت الكثير من خلال ملازمتي لك في عشرة مؤتمرات وعشرات المناقشات، إنك علّمتني تحت إشرافك أن أبدأ بكتابة بحثي الماستر والدكتوراه من المنتصف لأنه الفصل العملي».
أضاف: «الكتاب الذي نستذكره اليوم دستور عابق بالقِيَم والرجولة والأدب والفن والعلاقات والأنشطة والنضالات وإزدهار الجامعة، بورك الزرع وطاب الحصاد أستاذي الفاضل أطال الله في عمرك والنفع بك».
جبور: الوفاء لجيل آمن بأن الكلمة تبني الأوطان
وتحدث المدير السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية الدكتور جان جبور، فاعتبر أن الأيوبي «يقدّم في كتابه شهادة نادرة في الوجدان الجامعي اللبناني، تمزج بين السيرة الذاتية والتاريخ التربوي، وتروي خمسين عاما من الحضور الفاعل في جامعة كانت صورة للوطن بآماله وأزماته، من الطفولة في الكورة إلى عمادة كلية الفنون. ويعبر الأيوبي مراحل لبنان الثقافية والسياسية كأستاذ وشاعر ومثقف عام، في نص يفيض بالحنين والمسؤولية معا، ويجعل من الجامعة رمزا اللهوية والمعرفة والإنتماء إنه كتاب الوفاء لجيل آمن بأن الكلمة تبني الأوطان وأن الجامعة ليست مبنى من حجارة بل روحا من فكر وحرية وأمل».
الأيوبي: زمان الجامعة المساحة الأوسع من عمري
وفي الختام، قال الأيوبي: «يغطي زمان الجامعة المساحة الأوسع من عمري، وفي هذه الصفحات أسترجع خطوات هذه الرحلة في رحاب الجامعة، ومراحلها، وأقرأ أبعاد التجربة التي عشتها خلال هذه السنوات الطوال، قراءة تجمع بين التوثيق وبين مواكبة المجريات، ليس عن بُعد، وإنما على أنها تفاعل لا ينفصل عن الوجدان. من هنا فقد لا تحمل أهمية كبيرة عند البعض، ولكنها تعني الكثير عند من عاشها نابضة بالحياة في زمانها ومكانها وأشخاصها. فوق ذلك ، فقد أردت أن تبقى في ذاكرتنا نحن ذلك الجيل، لوحة عن الزمن الجميل الذي عشناه في الجامعة، فيشدّنا إليه الحنين، وأن ترى الأجيال الحديثة صورة من ذلك الزمان فيشدّها الأمل والإرادة إلى استرجاع ذلك الزمن أو إلى العمل على خلق زمن جديد وجميل لهذه الجامعة التي تضم أبناء الوطن من كل المناطق والأطياف. سيقرأون كيف كان طالب الجامعة يأخذ مكافأة مالية على كل مسابقة ينال فيها درجة جيد أو جيد جدا. سيقرأون كيف كانت الجامعة ترسل المتفوّقين من طلابها للتخصص في الخارج بمنح وافية، وكيف كان الطالب اللبناني الممنوح من جامعته يشعر في الخارج بثقة واعتزاز بأنه ليس عبئا على هذه الدولة أو تلك، فجامعته أمّنت له كل ما يحتاج وأكثر. وستقرأ هذه الأجيال، كيف كان التفرغ يتم حسب الحاجة وحسب الاختصاص، ويقارنون بين ما يجري اليوم حول هذا الاستحقاق الذي ينتظر سنوات حتى يتم التوافق الطائفي والمذهبي والسياسي، فيحنّون إلى ذلك الزمن ويعملون على محاولة إرجاعه إلى جامعتهم. ويقرأون أيضا كيف كانت المظاهرات تخرج من الجامعة لا بتحريك طائفي أو سياسي ضد الحكومة، بل انطلاقا من مواقف وطنية وإصلاحية، أو للمطالبة بتحسين أوضاع الجامعة والطلاب، كل الطلاب وكل الكليات. وسيرون في هذا الكتاب صورة لطلاب اعتصموا مضربين عن الطعام لمد ثلاثة عشر يوما، للمطالبة باستحداث كليات تطبيقية كالطب والهندسة والصيدلة، حيث لا يستطيع أبناء الطبقة المتوسطة أن يدخلوا هذه الكليات في الجامعات الخاصة بأقساطها المرتفعة».
وختم قائلا: «لكل هذا وذاك، كنت حريصا على أن أقرن خمسون عاما بما يشبه الحنين يا زمان الجامعة».
وإختتم الاحتفال بكوكتيل.











































































