اخبار لبنان
موقع كل يوم -الصدارة نيوز
نشر بتاريخ: ٨ تموز ٢٠٢٥
جاء في “الراي الكويتية”:
من خلف الكلام «المنمّق» للموفد الأميركي توماس براك من بيروت عن «الرضا الكبير» على «الردّ المدروس والمتزن» الذي قدّمه لبنان أمس، على المقترح الذي سبق أن أودعه لدى كبار المسؤولين قبل 3 أسابيع حول تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية بين بيروت وتل أبيب (27 تشرين الثاني) خصوصاً سَحْب سلاح «حزب الله»، فإنّ الإطارَ العام للمواقف التي أطْلقها رسّم مدى دقّة اللحظة المفصلية التي تواجهها «بلاد الأرز» التي وَضَعها الدبلوماسي اللبناني الأصل أمام معادلةٍ بسيطة وخطيرة: فإما تتعاملون أنتم مع الحزب وتسلكون طريق التغيير وعندها فإن الولايات المتحدة ستكون معكم، وإما هذه مشكلتكم، «فالمنطقة بأسرها تسير بسرعة فائقة وستتخلفون عن الركب، وهذا سيكون مُحْزِناً».
وإذ رمى براك الذي استهلّ زيارته بلقاءات مع رؤساء الجمهورية جوزاف عون والبرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام ووزير الخارجية يوسف رجي، مسؤوليةَ ربطْ لبنان بـ «القطار السريع» للتحوّل في الإقليم على مسؤوليه بالدرجة الأولى خصوصاً الحكومة التي يتعيّن عليها «تركيب قِطع الـ puzzle المعقّد»، فإنّه حرص على «تَشفير» رسالةِ «المهلة الزمنية» المتاحة لبيروت لتعود «لؤلؤة المتوسط والجسر بين الشرق والغرب»، محدداً إياها بالسرعة الهائلة التي تتغيّر فيها المنطقة «التي تعاود صياغة نفسها»، وبـ «الصبر غير الطويل» للرئيس دونالد ترامب الذي عبّر عن «التزامه واحترامه الكبير للبنان ورغبته بمساعدته ودعمه لتحقيق السلام والازدهار، ولا أظن أن هناك تصريحاً مشابهاً منذ عهد دوايت ايزنهاور».
وفي موازاة حرص سفير الولايات المتحدة لدى تركيا وموفدها إلى سوريا، الذي رافقه «أبرز وجوه مجلس الشيوخ في العلاقات الخارجية»، على تأكيد أن ترامب «يَعتقد ان لبنان لايزال المفتاح للمنطقة، وقد شرّفني بهذه المسؤولية ليس كدبلوماسي بل كممثل للحكومة»، فهو أرفق إشادته «بما قدّمته لنا الحكومة اللبنانية وكان أمراً استثنائياً في فترة قصيرة»، بإشارةٍ بارزة إلى أن «ردّ الصفحات السبع» الذي تسلمه من عون متضمّناً 15 نقطة و«كان على قدر كبير من المسؤولية» سيخضع «لتفكير في التفاصيل»، موضحاً أن ما يتم العمل عليه هو «ملء (الحكومة اللبنانية) القطع التفصيلية الناقصة في آلية مراقبة اتفاق وقف الأعمال العدائية التي لا تملك القدرة على تصحيح الخلل عند حدوثه».
وفي الوقت الذي عُلم أن براك وبعد أن يدقّق في الردِّ والملاحظات اللبنانية ويدرسها، ويتم اطلاع إسرائيل عليها، سيعود إلى المسؤولين اللبنانيين عبر السفيرة ليزا جونسون ليُستكمل بعدها المسارُ التنفيذي عبر مجلس الوزراء إذا سارت الأمور وفق المأمول منه، ساد الحذر في بيروت حيال الوقعِ الفعلي للجواب اللبناني الذي جاء على وهج ليلة عاصفة بالنار إسرائيلياً اتخذت شكل غارات في الجنوب والبقاع، وصولاً لتحليق مسيّرة فوق السرايا الحكومية، خلال لقاء الموفد الأميركي مع سلام، خصوصاً أن «حزب الله» رسم خطاً أحمر حول سلاحه وحدّد «أولويات» على إسرائيل التزامها كشرط – مدخل لأي نقاشٍ حول سلاحه حدّد سرعته بـ «توقيت قديم» عنوانه «حوار داخلي حول الإستراتيجية الدفاعية»، وهي الانسحاب من التلال الخمس، وقف الاعتداءات، إطلاق الأسرى وبدء الإعمار.
تدوير زوايا الردّ
ولم يكن عابراً أنه في ربع الساعة الأخير قبل وصول براك، الذي رَبَطَ ضمناً مسار الحلّ لملف السلاح بالسلام «وأعتقد أن إسرائيل تريد السلام مع لبنان، ولكن التحدي يكمن في كيفية الوصول إلى تحقيق ذلك»، كاشفاً «أن الحوار بدأ بين سوريا وإسرائيل، كما يجب ان يحصل من جديد من قِبل لبنان»، اضطر المسؤولون اللبنانيون إلى معاودة تدوير بعض زوايا الردّ الذي كان اتفق عليه بين الرؤساء الثلاثة بعدما بلغهم أن أجواء واشنطن بإزائه غير مشجّعة، حيث تم إدخال تعديلات تناولت موضوع السلاح وجاءت خلال اجتماع ليلي حتى ساعة متأخرة للجنة الصياغة أعقبت لقاء بين النائب علي حسن خليل موفداً من بري ورئيس كتلة نواب «حزب الله» النائب محمد رعد والقيادي في الحزب حسين خليل.
وفي حين أوردت «وكالة الأنباء المركزية» أن براك قال خلال لقاءاته مع المسؤولين «إنه لا يمكن أن يجزم بأن إسرائيل لن تتولى نزع سلاح الحزب بنفسها بالقوة ان لم تنزعه السلطة اللبنانية»، أعلنت رئاسة الجمهورية أن عون سلّم براك «أفكاراً لبنانية لحلٍّ شامل خلال الاجتماع في قصر بعبدا»، وسط تقارير عن أنها تشمل خريطة طريق لحل المشاكل العالقة بين إسرائيل ولبنان وبين سوريا ولبنان (ولا سيما الحدود والنازحين)، وتتناول النقاط المثارة منذ اتفاق 27 تشرين الثاني خصوصاً حصر السلاح والانسحاب من التلال الخمس والخلاف حول الخط الأزرق ووقف الاعتداءات.
وفيما وصف بري الاجتماع مع براك بأنه «كان جيداً وبناءً آخذاً بحرص كبير مصلحة لبنان وسيادته وهواجس اللبنانيين كافة وكذلك مطالب حزب الله»، قال الموفد الأميركي، الذي زار أيضاً رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد لقائه رئيس البرلمان «إننا عندما نتعامل مع محترف تصبح الأمور أسهل وأنا متفائل ومتشجع».
أما سلام فحرص بعد استقبال براك على عقد مؤتمر صحافي أعلن فيه «أن الأفكار التي قدّمها (براك) هي لتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وتقوم على تلازُم الخطوات على فترة، أي ليس تنسحب إسرائيل ثم نتحدث في حصرية السلاح بيد الدولة، وليس إذا لم تحصل حصرية السلاح لا يتم الانسحاب».
وأوضح أن البحث مع براك «ينطلق من مسلمات لبنانية، هي ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان، ووقف الأعمال العدائية بكافة أشكالها، وبدء الإعمار وإطلاق الأسرى»، قال «من جهة ثانية هناك مسلّمات – مرجعيات تنطلق من مضامين اتفاق الطائف وخطاب القسم والبيان الوزاري، حول بسط الدولة سيادتها بقواها الذاتية على كل أراضيها أي حصرية السلاح، واستعادة الدولة قرار الحرب والسلم وحدها، والقرار 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية»، موضحاً أنه «من هذه المسلمات يتم التفاوض مع براك».
«ترويكا رئاسية»
وردّ ضمناً على موقف جعجع الذي تحدّث فيه عن «ترويكا رئاسية» واعتبر «ان الردّ الذي سيعطيه الرؤساء الثلاثة للموفد الأميركي غير دستوري وغير قانوني والمطلوب من رئيس الحكومة أن يدعو مجلس الوزراء إلى الاجتماع من دون إبطاء، بعد أن يكون قد أطلع الوزراء على ورقة برّاك، وأن تتم مناقشة الورقة في اجتماع، أو اجتماعات متتالية لمجلس الوزراء مكتملا لاتّخاذ الموقف الدستوري الرسمي منها».
وقال سلام «لا توجد ترويكا ولا إحياء لها، وهناك تداول مع الرئيسين عون وبري في موضوع وطني بهذه الخطورة»، لافتاً إلى «ان هناك أفكاراً لبنانية جديدة وعندما تنضج الأمور، فإن مكان بحثها هو مجلس الوزراء حيث يُتخذ القرار»، موضحاً رداً على سؤال أن «حزب الله جزء من الدولة اللبنانية وجميع نواب«الحزب»صوّتوا على البيان الوزاريّ، والشيخ نعيم قاسم ملتزم باتفاق الطائف وترتيبات اتفاق وقف النار ولا أعتقد أنه قرر الخروج عن تلك المسلّمات».
وكان براك قال في إطلالة مطوّلة من على منبر القصر الجمهوري بعد لقاء عون: «عقدنا اجتماعاً مثيراً جداً ومرضياً للغاية مع فخامة الرئيس وفريقه ونحن والرئيس ترامب والوزير روبيو نشعر بامتنان كبير للسرعة والاهتمام واللهجة المتزنة والمدروسة في الرد على اقتراحاتنا. انها فترة شديدة الأهمية بالنسبة للبنان وفي المنطقة، وأنتم الذين تتابعون كل جوانب ما يجري في المنطقة، تعلمون أكثر من غيركم أن هناك فرصة تلوح في الأفق ولا أحد أكثر من اللبناني قادر على اغتنام الفرص المتاحة في مختلف انحاء العالم. المنطقة تتغير وكل شيء يتحرك بسرعة فائقة. فالدول من حولنا تمر بتحولات وتغييرات».
وحين سئل: هل أنتم مقتنعون بالرد اللبناني حول نزح سلاح الحزب وهل كان الجواب واضحاً بالنسبة إليكم؟ أجاب «أنا ممتن للرد اللبناني، لقد حصلت عليه منذ 45 دقيقة فقط، وكان مدروساً ومتزناً. نحن نعمل على إعداد خطة للمضي قدماً، ولتحقيق ذلك نحتاج إلى الحوار، وما قدمته لنا الحكومة كان أمراً استثنائياً في فترة قصيرة. وأنا أشعر برضى غير عادي عن الرد. ونحتاج الآن إلى التعمق وفترة للتفكير أكثر في التفاصيل، وهذا ما سنقوم به. نحن، مع الجانب اللبناني، ملتزمون بالوصول إلى القرار والحل، ولذلك أنا كلي أمل (…) هناك هندسة جديدة، علينا أن نغتم الفرصة الآن وسيكون على الجميع أن يتنازل عن شيء ما. فعندما يتخلى البعض عن بعض الأمل الزائف او عن التوقعات غير الواقعية أو عن الأوهام، أو عن العداوات الداخلية التي عشناها، يمكنكم أن تحظوا بدعم من العالم أجمع لتحقيق ذلك. لكن لابد من أن يبدأ ذلك من الداخل. وكل هذا يحدث في فترة قصيرة جداً».
وهل ستكون هناك فرصة أخرى للبنان، وكيف سيتم التعامل مع موقف حزب الله الرافض لتسليم سلاحه إلى الدولة؟ قال «إن الخبر السار بالنسبة إلى الولايات المتحدة أننا لا ننوي التعامل معهم، بل ننوي أن تتعاملوا أنتم معهم. فهذه ليست حالة تأتي فيها الولايات المتحدة لتقول: نريد تغيير النظام، أو نحن غير راضين عن أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد. أو نحن غير مرتاحين للطائفية الدينية في هذا البلد. فليس هذا هو موقفنا. ما نقوله ببساطة هو، إذا أردتم التغيير فأنتم من يجب أن يحدثه، ونحن سنكون إلى جانبكم وندعمكم. أما إذا لم ترغبوا في التغيير، فلا مشكلة، فالمنطقة بأسرها تسير بسرعة فائقة، وأنتم ستكونون متخلفين للاسف، وهذه هي فعلاً رسالة الوزير ماركو روبيو، والرئيس ترامب، ورسالة العالم أجمع. إنها دعوة للتحرك (…) لذلك، فليس الولايات المتحدة من يتعامل مع حزب الله، وليس هي من تملي عليكم ما عليكم فعله. وما نقوله هو اننا مستعدون للمساعدة في حال رغبتم».
ضامن أمني لإسرائيل
وأكد أن الولايات المتحدة «لم تكن في الأساس ضامن أمني لإسرائيل» في اتفاق 27 تشرين الثاني «وما كان موجوداً هو آلية تم انشاؤها (mechanism) ولكن ما حصل هو ان بنود الاتفاق لم تكن كافية. وكانت هناك آلية لا تملك القدرة على تصحيح الخلل عند حدوثه. ولذلك فإن انعدام الثقة بين إسرائيل وحزب الله والجيش اللبناني وكل الأطراف المعنية، لم يسمح بتشكيل أرضية مشتركة لأن الجميع كانوا في عجلة من أمرهم لإنجاز اتفاق، لدرجة أن العناوين العريضة للاتفاق لم تكن كافية لتغطية تفاصيل ما حدث فعلياً. وما تقوم به حكومتكم الآن هو ملء تلك التفاصيل».
وبعدما دعا «الى الرجوع إلى الماضي واستخلاص الدروس»، قال: «السبب الحقيقي الذي يجعلني مؤمناً بإمكان تحقيق ذلك في هذه المرحلة بالذات هو ما يحدث من حولنا. وأعتقد بأن إسرائيل تريد السلام مع لبنان، ولكن التحدي يكمن في كيفية الوصول إلى تحقيق ذلك. حزب الله هو حزب سياسي، لكنه ايضاً يملك جانباً عسكرياً. وهو يحتاج لأن يرى ان هناك مستقبلاً له، وان الطريق المطروح ليس مرفوضاً ضده فقط، بل هناك نقطة تقاطع بين السلام والازدهار يمكن ان تشمله ايضاً. وعلى مستوى المنطقة، إن ما يحدث في إيران، وفي إسرائيل وما يحدث في سوريا… فسورية تتقدم بسرعة هائلة. من كان ليتخيل ذلك؟ أليس كذلك».
وشدد على أن لا رابط بين ما يحصل مع «حزب الله» والمفاوضات مع إيران، قال حين سئل: هل هناك وقت محدد لالتزام لبنان (بسحب السلاح) «لبنان ليس بحاجة إلى للالتزام، بل هو يسرع في محاولة للوصول إلى صيفة للاتفاق على ما يريده، وعندها كأميركيين، يمكننا التقدم بالموضوع، وقد اتى معنا أبرز وجوه مجلس الشيوخ في العلاقات الخارجية (…) وما يحصل هو جزء للوصول إلى قرار مبني على أساس دبلوماسي، وعلى أساس مطالب صندوق النقد الدولي، وعلى أساس مجلس الوزراء، وكيفية الجمع بين هذه الأمور، وإعادة الحياة إلى الجنوب، وطرح التعاطي مع إسرائيل حول هذه المواضيع، وكيفية جعل الجميع يخففون من حدتهم والقول اننا سنثق بالالية التي ستراقب هذه المسائل، كيفية المراقبة والقيام بها».
حزب سياسي في دولة سيادية
ومن سيتدخل إذا لم تنجح الحكومة في التعامل مع السلاح؟ اجاب: «هل حزب الله حزب سياسي في لبنان؟ فلماذا تظنون ان أميركا او فرنسا او بريطانيا سيأتون إلى لبنان لحل حزب سياسي في دولة سيادية؟ انها مشكلتكم وعليكم انتم حلها».
وعما سيقدمه الإسرائيليون في المقابل للبنان، قال: «أعتقد ان البلدين يحاولان القيام بالأمر نفسه، مفهوم التخفيف من التوتر والحدية ووقف الأعمال العدائية وان يخطوا نحو السلام. وأشعر بالفعل أن الإسرائيليين لا يريدون حرباً مع لبنان (…) وهناك فرصة بفضل رئيس الولايات المتحدة من خلال اللحظة البطولية التي قام بها من أجل إسرائيل وما فعله مع إيران (…) ولكن المشكلة مختلفة بعض الشيء، لماذا سوريا مذهلة؟ لانها انتقلت من الفوضى الشاملة في لحظة ما إلى الأمل في وقوف العالم أجمع خلفها وبداية الاعمار، وبدأت من الصفر. وهذا الامر الصعب في لبنان، لانه لا ينطلق من الصفر. فكيف يمكن للبنان ان يتخلف، لا يمكن حصول ذلك، وسوريا ليست طفيلية كذلك، فهي تحاول اعادة اعمار نفسها ولا تملك العناصر التي تملكونها هنا».