اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
كشفت جلسات محاكمة نتنياهو المستمرة منذ وقت غير قليل، ولو بتقطع، جانباً آخراً مهماً بخصوص مستقبله السياسي؛ وهو أنه يتصف بالرجل المريض صحياً وليس فقط سياسياً.
لقد اعتاد نتنياهو أن يستخدم دواعي المرض كي يهرب من المثول في جلسات محاكمته الطويلة والمتكررة؛ ولكن حجته هذه أوقعته في مشكلة أعمق من تلك التي تنتظره في نهاية جلسات التحقيق معه وإصدار الحكم بحقه؛ وهي قضية لائحة أمراضه التي لم تعد سراً نتيجة أنه يقدمها بالتتالي للمحكمة كي يهرب من جلساتها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بحسب تقاليد الحياة السياسية في إسرائيل فإنه توجد قناعة تقول أن الشخصية السياسية التي تعاني من أمراض يتم النظر إليها في إسرائيل أنها شخصية لا تستطيع بالغالب اتخاذ قرارات سياسية صائبة.. وعليه فإن نتنياهو الذي يهرب بحجة المرض من الانتظام في مثوله أمام المحكمة، اصطدم بأن حجة المرض التي يستخدمها لتجنب تسريع الحكم ضده؛ ستستخدم ضده لإظهار أنه سياسي كثير الأمراض الصحية وبالتالي لا قدرة له على اتخاذ القرارات السياسية الصائبة؛ ولذلك فهو يتجه ليس فقط ليكون متهماً بالفساد وبالتقصير بموضوع ٧ أكتوبر، بل أيضاً بأنه قاصر سياسياً لأسباب صحية.
واللافت أن نتنياهو تبرع هو نفسه عبر محاميه بتقديم لائحة أمراضه الكثيرة أمام المحكمة كي يدفعها المرة تلو الأخرى على أرجاء جلساتها.. ففي كل جلسة كان نتنياهو يرسل للمحكمة إما تقريراً أمنياً يقول فيه أن لديه عملاً عسكرياً أو أمنياً أو سياسياً خطراً يريد إنجازه ولذلك لا يستطيع المثول أمام المحكمة في الموعد المحدد وإما أن يرسل للمحكمة تقريراً طبياً يعرض فيه عن حالة مرضية أصابته تمنعه من المثول أمام القاضي في الموعد المحدد. لقد تكرر هذا الوضع مرات عدة حتى أصبح أمام المحكمة لائحة كاملة بكل الأمراض التي يعانيها نتنياهو وهي كالتالي: في تقرير صحي رفعه للمحكمة قال نتنياهو أنه يعاني من ألم في ظهره ينتابه منذ فترة بعيدة نتيجة تدريبات بدنية معينة كان يقوم بها؛ وفي مرة أخرى قدم تقريراً يظهر أن لديه مشاكل في البروستات، حيث خضع لعملية استئصال تورم فيها حتمت عليه أن يأخذ إجازة راحة طويلة لمدة شهر؛ وفي مرة ثالثة قدم محاميه تقريراً طبياً يفيد بأنه مصاب بالتهاب مزمن في المعدة؛ وفي تقرير طبي رابع رفعه أيضاً للمحكمة شكا من أن لديه مشاكل في الحلق واستدعى ذلك خضوعه لعلاج من قبل طبيب أسنان. وربما كان لدى المحكمة تقارير أخرى عن أمراض مصاب بها نتنياهو لا يتم الكشف عنها.. ولكن بخلاصة كل هذا العرض لسجل أمراضه المصرح عنها، فإن نتنياهو يعتبر أنه بحالة صحية لا يمكن الركون إلى أنها تمكنه من اتخاذ القرارات السياسية الصائبة حسبما هو سائد في المعتقد التقليدي الإسرائيلي.
.. وبمقابل أن تهمة الفساد تلاحقه مع وجود إثباتات عليها، وبموازاة أن وضعه الصحي بشكل عام ليس على ما يرام بحسب الوثائق الطبية المقدمة من قبله للمحكمة؛ فإن نتنياهو يصبح محاصراً بجيش من الاتهامات التي تبرر جميعها منعه من الاستمرار في الحياة السياسية؛ غير أن نتنياهو حصل مؤخراً على ضمانة أو تأمين ضد محاكمته، وذلك من قبل دونالد ترامب الذي قال لرئيس الدولة هرتسوع أن عليه أن يصدر عفواً عن نتنياهو كون خطاياه ليست كبيرة في حين أن إنجازاته – حسب ترامب – كبيرة.
والواقع أن توصية ترامب لا يمكن المرور عليها داخل إسرائيل من دون الاهتمام بها والحرص على تنفيذها؛ فبالنهاية لا توجد شخصية سياسية أو مسؤولة داخل إسرائيل لا تعطي اعتبارا كبيراً لما يريده ترامب؛ أو تتجنب إغضابه أو استفزازه؛ وعليه أصبح هناك نوع من الاعتقاد في إسرائيل أنه يوجد من بين الأثمان التي دفعها ترامب لنتنياهو كي يقبل بصفقة وقف النار في غزة، وعدان إثنان: الأول التدخل لإنهاء قصة محاكمته في إسرائيل؛ والثاني هو الموافقة في الوقت المناسب على ضم ٣٠ بالمئة من الضفة الغربية لإسرائيل.
وبخصوص الوعد الأول فإن إرهاصات تنفيذه بدأت فعلياً حيث أن وزير العدل الإسرائيلي بدأ يتحرك عملياً بهذا الاتجاه؛ أما بخصوص وعد الضفة فإنه يجدر في هذا المجال التوقف بعناية عند أحد البنود العشرين في مقترح ترامب الذي يقول أنه يجب على السلطة الفلسطينية أن توافق على مقترحات ترامب للعام ٢٠٢٠؛ علماً ان مقترح ٢٠٢٠ المشار إليه يطلب من سلطة رام الله الموافقة على ضم ٣٠ بالمئة من الضفة لإسرائيل وذلك كشرط لاعتراف أميركا وإسرائيل بتمثيل هذه السلطة للشعب الفلسطيني.