اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب حسن حردان في 'البناء'
جاءت نتائج الانتخابات العراقية مفاجئة للكثير من المراقبين إنْ كان من حيث نسبة المشاركة التي فاقت الانتخابات السابقة بما يتجاوز الـ 15 بالمئة، أو من حيث النتائج.
وفي هذا السياق طرحت الأسئلة التالية:
ـ ما هي دلالات ارتفاع نسبة المشاركة رغم مقاطعة التيار الصدري، وهل شكلت النتائج انتصاراً لخط التوافق الوطني وتكريساً للتوازنات السياسية،
ـ هل حافظت فصائل المقاومة على حضورها القوي في المعادلة السياسية كبيضة القبان، بما يمكنها من ربط إيجاد حلّ لسلاحها المقاوم، بإنهاء وجود القوات الأميركية في الأراضي العراقية؟
ـ أخيراً هل تشكل النتائج فشلاً لرهانات واشنطن على إحداث تغيير في المعادلة السياسية لمصلحتها؟
أولاً، نسبة المشاركة رغم مقاطعة التيار الصدري:
على صعيد نسبة المشاركة فقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أنّ نسبة المشاركة الإجمالية في الانتخابات الأخيرة (المُشار إليها في النتائج المتوفرة بنسبة 56.11% أو تجاوزت 55% من الناخبين المسجلين) تُعتبر مرتفعة مقارنة بانتخابات 2021 التي بلغت فيها نسبة المشاركة حوالي 41%.
وهذه النسبة تشكل تجاوزاً للتوقعات، التي كانت تقدير بتدنّي النسبة في ظلّ مقاطعة تيار شعبي وازن كالتيار الصدري، حيث يُشير الارتفاع الملحوظ في نسبة المشاركة (إذا قارنّاها بانتخابات 2021 التي شارك فيها التيار الصدري وفاز بالكتلة الأكبر) إلى أنّ المقاطعة الأخيرة للتيار الصدري لم تؤدِّ إلى انخفاض كبير متوقع في التصويت العام، وقد تكون فاجأت البعض… الأمر الذي يدلّ على اتساع حجم مشاركة العراقيين إقبالهم على التصويت، وانه لو شارك التيار الصدري لكانت النسبة قد بلغت سقف الـ 65-70 بالمائة.
وفي السياق فإنّ بعض المحافظات التي تشهد ثقلاً للتيار الصدري، مثل النجف، سجلت نسب مشاركة متدنية نسبياً، مما يدلّ على تأثير المقاطعة في تلك الدوائر.
لذلك يمكن القول إنّ نسبة المشاركة فاقت التوقعات إذا ما قورنت بالانتخابات السابقة المباشرة (2021) أو بالتخوّف من عزوف شعبي واسع نتيجة مقاطعة كتلة كبيرة بحجم التيار الصدري.
ثانياً، انتصار التوافق الوطني وتكريس التوازنات السياسية:
لقد تمخضت النتائج عن انتصار واضح لخط التوافق الوظني، حيث أظهرت النتائج الأولية للانتخابات إلى أنّ “ائتلاف الإعمار والتنمية”، الذي يتزعّمه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ويضمّ تحالفات مختلفة، قد تصدّر النتائج وحصد أكبر عدد من المقاعد النيابية.
هذا التصدّر يُنظر إليه كـ “انتصار” للكتل التي تدعم الحكومة الحالية (التي تشكلت على أساس التوافق بعد أزمة تشكيل حكومة 2021 وانسحاب الصدر)، ويُعتبر البعض أنّ ذلك يكرّس خط التوافق وإدارة الدولة عبر نظام التفاهمات بين الكتل الكبيرة.
أما النتيجة الثانية فهي تعزيز التوازنات السياسية، حيث أعادت النتائج ترتيب الأوزان داخل “الإطار التنسيقي” نفسه، وقد تعزز موقع السوداني التفاوضي. وبشكل عام، فإنّ التوافق لا يزال هو سيحكم تشكيل الحكومة، مما يحافظ على التوازنات القائمة بين المكونات الأساسية للبرلمان.
ثالثاً، قوة تمثيل فصائل المقاومة وتأثيره:
لقد حافظت الأحزاب السياسية الممثلة لفصائل المقاومة على تمثيلها الوازن والمؤثر من ضمن ائتلاف العريض الذي يرأسه السوداني.
وفي ظلّ غياب التيار الصدري، تزداد أهمية مقاعد هذه الفصائل داخل الكتلة الأكبر (ائتلاف الإعمار والتنمية)، ولكن التقديرات تشير إلى أنّ تمثيلها قد يكون محدوداً أو غير حاسم بمفردها لتشكيل الكتلة الأكبر، لكنه قد يكون حاسماً في ما يتعلق بـ الثلث المعطل الذي يتطلب توافقاً واسعاً على القرارات المصيرية، مثل الاتفاق على تشكيل الحكومة، والتشريعات المتعلقة بالقوات الأجنبية.
وسوف تلعب دور “بيضة القبان” في ما يتعلق في الموقف من ملف الوجود العسكري والأمني الأميركي في العراق… ذلك أنّ القوى التي تدعو صراحة إلى إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق تظلّ قوة كبيرة ومؤثرة في البرلمان الجديد.
وهذه القوى، سواء كانت ضمن فصائل المقاومة أو حلفاءها الأوسع، تستخدم نفوذها البرلماني، والسياسي العام لـ ربط أيّ نقاش حول وضعها أو سلاحها، خارج إطار الدولة، بملف انسحاب القوات الأميركية كشرط أساسي لتحقيق السيادة الكاملة.
خصوصاً أنّ النتائج تعطي تحالف رئيس الوزراء (السوداني) زخماً، وهو الذي يتفاوض حالياً مع واشنطن بشأن مستقبل التحالف، مما يضع ملف الوجود الأميركي في قلب المعادلة السياسية التي سيشكلها البرلمان الجديد والحكومة المنبثقة عنه.
رابعاً، النتائج وفشل رهانات واشنطن:
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول انّ رهانات واشنطن على حدوث تغيير في المعادلة السياسية لمصلحة المطالبين ببقاء قواتها، خابت وذهبت أدراج الرياح، خاصة أنّ ما يسمّى بقوى التغيير فشلت في تحقيق حضور وازن ومؤثرة في البرلمان. حيث كان هناك رهان ضمني على أن تنجح القوى المنبثقة عن احتجاجات تشرين، التي ترفع شعارات مكافحة الفساد وإنهاء نفوذ فصائل المقاومة، في حصد عدد أكبر من المقاعد لتغيير ميزان القوى. فشل هذه القوى في تحقيق اختراق كبير يعزز بقاء القوى المسيطرة على المشهد، وهي القوى التي تُمثل التوازنات التي تسعى واشنطن لتجاوزها.
لذلك فإنّ النتائج لم تحقق رهانات واشنطن في رؤية “قوى إصلاحية” جديدة تكسر سيطرة الأحزاب الوطنية التي ترفض بقاء القوات الأميركية في العراق…











































































