اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
وقّع الأكاديمي والكاتب والباحث في التاريخ الاجتماعي للمدن الدكتور نادر سراج، كتابه «نكهة بيروت - موائد وسرديات»، خلال حفل أقيم، برعاية وزارة الثقافة، في قصر الأونيسكو في بيروت، حضره الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام، الوزير السابق حسن منيمنة، نائب رئيس جامعة جاورجيوس الدكتور أنطوان حداد، الرئيس السابق لجمعية «المقاصد الخيرية الإسلامية» أمين الداعوق، السفير رامز دمشقية، الى جانب عدد الأكاديميين والجامعيين وأصحاب الفكر وشخصيات اجتماعية وثقافية.
بختي
بعد النشيد الوطني وكلمة عريف الاحتفال، الطالبة الجامعية بنان ناصر الدين، تحدث الكاتب وصاحب «دار نلسون» للنشر سليمان بختي، فأشار الى أن سراج «يواصل في هذا العمل تأريخه الاجتماعي والثقافي لبيروت من خلال تفاصيل الحياة اليومية وما تحمله من رموز حضارية، معتبرا أن «نكهة بيروت» يضيء الهوامش المنسية في تاريخ المدينة ويحول المائدة إلى مرآة للهوية البيروتية».
كما لفت الى أن «سراج يرى أن الطعام ليس مجرد حاجة يومية، بل مدخل لفهم الإنسان وعلاقته بالمكان والزمان والآخرين، مشيرا إلى أن العادات الغذائية تشكل جزءا من البنية الاجتماعية والثقافية للمدينة».
ويؤكد الكتاب، بحسب بختي، أن «بيروت تستمد هويتها من تنوّعها وانفتاحها، وأن المائدة البيروتية هي تعبير عن هذا التنوّع العريق الممتد من الحضارات العربية والمتوسطية».
وخلص بختي إلى أن «نكهة بيروت عمل رائد يعيد الاعتبار للمهمل والمنسي، ويربط بين الذاكرة والطعام بوصفهما جوهر الهوية والحياة في المدينة».
توما
من جهته، اعتبر الأستاذ الجامعي جان توما أن «نكهة بيروت»، «يوظف علاقة رمزية بين الكلمة واللقمة، وبين الكتابة والطعام، ليبرز تشابها بديعيا بين سفر الكتاب وسفرة الطعام».
وقال: «الكاتب يرى في الكتابة نوعا من الطبخ المعرفي الذي يقدّم للقارئ كما تقدم الأطعمة على المائدة، وكلاهما يحمل بُعدا ثقافيا واجتماعيا. يرسم المؤلف لوحة إنسانية متكاملة بين الزراعة، والطهي، والكتابة، والذاكرة، رابطا بين العمل اليدوي والفعل الثقافي، كما يستعيد مقولات الجاحظ وبديع الزمان الهمذاني حول العلاقة بين الشكل والأكل».
وبحسب توما، فإن نادر سراج، «ينطلق من المائدة البيروتية لينتقل الى موائد لبنان والشام ومصر والأردن والإمارات، فيوثق عادات الأكل وآدابه وأمثاله الشعبية، جامعا بين أدب الطعام وأدب التعبير، في ما يمكن تسميته «فاكهة الكلام»، إذ يمزج لذة النص بلذة الطعم».
ونوّه بعرض المؤلف «مظاهر التنوّع الثقافي والديني في المآكل، فيتحدث عن عادات المسيحيين والمسلمين والدروز في طقوس الطعام والمناسبات الدينية، كرمز لاختلاف القيم والعادات بين المجتمعات».
ناصر الدين
بدوره، قدّم الأستاذ الجامعي الدكتور سلطان ناصر الدين، كلمة عن أثر سراج في ربط اللغة العربية بالحياة اليومية، مستعيدا لحظة دراسية غيّرت نظرته إلى اللغة عندما عرض سراج على طلابه عبارات من الشاحنات الشعبية، محولا إياها إلى مادة بحث لغوي واجتماعي وإنساني.
وتناول في كلمته كتاب «نكهة بيروت موائد وسرديات» مبرزا جمالية العنوان الذي يجسّد تمازج الحواس بالمكان، وجمالية المضمون الذي يجعل من المائدة رمزا للهوية والثقافة، ومهارة الكاتب في الجمع بين الدقة العلمية وروح الحياة البيروتية.
سراج
وكانت كلمة لسراج قال فيها: «حين تمدّ وزارة الثّقافة يدها لتبارك كتاباً، حين ترعى إطلاق كتاب «نكهة بيروت - موائد وسرديّات» فإنّها تُعلن انحيازها لجوهر الهويّة اللّبنانيّة في أبسط مظاهرها وأعمقها معاً: الطّعام بما هو ذاكرة، والمائدة بما هي سرد للوجود. بيروت في نكهتها ليست مدينة على البحر فحسب ، بل هي مدينة الأرياف في مواردها. تمتدّ جذورها في تراب القرى، وتصعد أنفاسها من عطر الزّعتر البرّي. تحمل في ملامحها لهجة الحقول والكروم، وتخبّئ في أزقّتها عبق الحصاد وطيب الجنى. هي مدينة تشرب من الينابيع البعيدة وتطهو وفاء بالذّاكرة. كلّ لقمة فيها حكاية، وكلّ نكهة جسر مودّة بين جبل وساحل».
أضاف: «الكتابة عن نكهة بيروت ليست وصفاً للطّهو ولا احتفاء بالشّهي من المآكل، بل هي إثبات وجود هذا العالم المزدحم بالوجوه واللّغات. إنّنا حين نكتب عن طعامنا نكتب عن أنفسنا، عن أرض أنبتتنا كما تُنبت الحبّة السّنابل، وعن أمّهات رَبّيننا على الملح والزّيت والكرامة. في «نكهة بيروت – موائد وسرديّات» تتشابك الصّورة البيانيّة مع الدّقة العلميّة، ويمتزج الوجدان بالفلسفة، ويتواشج المحسوس مع المجرّد، ويتجاوز علم الاجتماع مع الشّعر. فالكتاب لا يُقرأ بالعين وحدها، بل تتذوّقه الحواسّ الخمس. فيه من رائحة خبز الصّاج ما يوقظ الطّفولة، ومن نكهة البنّ ما يذكّر بالصّبح الجميل بالحركة والبركة، ومن طعم الملوخيّة ما يعيد إلينا أمان المطبخ الأموميّ. هذا الكتاب يروي بيروت الّتي تفكّر بذائقتها وتتكلّم بلقمتها. بيروت لا تخجل من عجن الفكر بالدّقيق، ومن وضع الحكاية في قدر يغلي فوق نار الذّاكرة. في الكتاب نرى أنّ الثّقافة ليست في الكتب وحدها، بل أيضا في الملاعق ، في أسواق الخضر، في طناجر الجدّات، في رائحة المطر حين يلمس النّعناع في الشّرفات».
ختم: «لكلّ مدينة نكهة. ونكهة بيروت نكهة مقاومة: مقاومة للنّسيان، مقاومة للتّماثل، مقاومة للذّوبان في العولمة. في بيروت، لا نكتب عن الطّعام لنصفه، بل لنرويَ ذاكرتنا فتقوى. شكراً لبيروت التي لا تزال، رغم كلّ ما احترق فيها، تفوح برائحة الخبز والحكاية والكرامة».











































































