اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
كتب القاضي م جمال الحلو…
في زمنٍ صار فيه الصّمت عملة نادرة، يخرج اسم القاضي سهيل عبّود كواحد من الرّموز التي تحترف الصّمت، لا ضعفًا، بل وعيًا بالمكان، وحكمة في الموقف.
قاضٍ لبنانيّ شغل موقع رئيس مجلس القضاء الأعلى، لكنّه بقي بعيدًا عن الأضواء، ثابتًا في مواقفه، هادئًا في حضوره، لا تُغريه الكاميرات ولا تستفزّه الضّوضاء السياسيّة.
وُلد سهيل عبّود في بيت يُجيد الصّمت كما يُجيد القانون، ومرّ في مسار قضائيّ نظيف، حتّى أصبح اسمه مرادفًا للثبات والاستقلاليّة داخل مؤسّسة تهتزّ أركانها تحت ضغط السّياسة والفساد. رفض الانجرار إلى المناكفات، وأصرّ على أن يبقى موقع القضاء منيعًا، لا يُستدرج إلى مواقف شعبويّة ولا يُشترى بلغة التّسويات.
'*القاضي الصّامت*'، كما يحلو للبعض أن يصفه، لم يكن يومًا غائبًا، بل كان حضوره في الملفّات الحسّاسة صامتًا لكنّه فعّال.
في كلّ مرة يُطلب فيها من القضاء موقف جريء، يكون اسمه حاضرًا في الكواليس، يُوزن الموقف بعقل القانون، لا بانفعال الشّارع.
من أبرز مواقف عبّود كانت دعمه لعمل المحقّق العدليّ في قضيّة انفجار مرفأ بيروت، حيث أصرّ على استقلاليّة القرار القضائيّ، رافضًا الضّغوط من كلّ الجهات، مؤكّدًا أن لا أحد فوق المساءلة، مهما علا شأنه.
لكنّه لم يتحدّث. لم يُصدر بيانات شعبويّة، لم يردّ على الحملات… بل ترك للصمت أن يكون لسانه، وللقانون أن ينطق باسمه.
في زمن كثُر فيه الصّراخ، يبدو سهيل عبّود استثناءً… قاضٍ يدرك أنّ الكلمة إذا لم تكن موزونة، تصبح عبئًا، وأنّ الصّمت حين يأتي من صاحب سلطة، يكون موقفًا لا هروبًا.
إنّه ليس فقط قاضيًا صامتًا، بل صوت ضمير في بلدٍ جريح… اختار أن يحمي ما تبقّى من هيبة القضاء، حتّى وإن كلفّه ذلك أن يقف وحيدًا في وجه العاصفة.