اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ٩ أيار ٢٠٢٥
لم يكن المشهد عاديًا في مطار رفيق الحريري الدولي عندما حطّت ثلاث طائرات إماراتية في بيروت، في ما يشبه الإعلان الصريح عن انتهاء زمن القطيعة. فبعد سنوات من البرود الدبلوماسي ورفع الحظر عن السفر إلى لبنان، فتحت الإمارات العربية المتحدة نافذة أمل للبنانيين، معلنةً فتح صفحة جديدة في العلاقات.
وسرعان ما لحقت الكويت بركب الانفتاح، بزيارة مرتقبة للرئيس اللبناني جوزاف عون إلى الدولة الخليجية التي لطالما اعتبرت لبنان وطنًا ثانيًا. وبين زيارة وأخرى، وسفراء واجتماعات، يتكرّس اليوم توجّه واضح لعودة الأشقاء الخليجيين إلى بيروت، هذه المرة ليس فقط كسياح بل كمستثمرين وشركاء في التعافي.
موسم سياحي استثنائي: بين الأمن والفرص
بحسب ما نقلته صحيفة 'الديار'، فإن رفع الحظر الإماراتي عن السفر إلى لبنان ترافق مع توقعات إيجابية بسيل من الزوار الخليجيين هذا الصيف.
وفي السياق نفسه، أكد رئيس الحكومة نوّاف سلام ووزيرة السياحة لورا الخازن لحود، خلال اجتماع مع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، أنّ الدولة اللبنانية اتخذت إجراءات أمنية استثنائية بالتعاون مع وزارتيْ الداخلية والدفاع، لتهيئة الأجواء الآمنة للوافدين.
الرسائل الخليجية، وفق جريدة 'الأنباء' الكويتية، جاءت مشجعة، بعدما رصدت انتخابات بلدية ناجحة في جبل لبنان كإشارة إيجابية لاستعادة الثقة بالمؤسسات اللبنانية، ولا سيما الأمنية منها.
الاستثمارات المرتقبة: العودة إلى العمق الاقتصادي
ليست عودة السياح وحدها ما يشغل الأوساط الاقتصادية، بل الحديث المتزايد عن فرص استثمارية خليجية بدأت تلوح في الأفق، خصوصًا مع التغيّرات السياسية التي حملها 'العهد الجديد'. فبعد انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة نوّاف سلام، أعيد فتح قنوات التواصل الاقتصادي، لا سيما مع الإمارات التي تعهّدت بدراسة مشاريع تنموية مشتركة تشمل البنية التحتية، القطاع السياحي، والطاقة.
وفي هذا السياق، تتابع شركة 'طيران الشرق الأوسط'، بالتعاون مع وزارة الأشغال، تحسين طريق المطار وتوسعة مرافقه استعدادًا لاستقبال المزيد من الرحلات. كما بدأت بعض الشركات العقارية، لا سيما الكويتية والسعودية، بإعادة تأهيل ممتلكاتها في الجبل والبقاع، في إشارة إلى التحضير لموسم صيفي حافل.
أولوية للتعليم والصحة واستئناف المشاريع الإنمائية
وبحسب صحيفة 'النهار', لم تقتصر مؤشرات الانفراج على عودة الخط الجوي الإماراتي إلى العمل عبر استئناف رحلاته إلى بيروت، بل انسحبت أيضًا على المسار التنموي، حيث أعلن رئيس مجلس إدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بدر السعد، عن جاهزية الصندوق لاستئناف نشاطه التنموي في لبنان، بما يشمل المشاريع الجارية وتلك المخطّط لها مستقبلًا. وأوضح السعد أن زيارته إلى لبنان، التي شملت لقاءات مع الرؤساء الثلاثة، هدفت إلى إعادة تفعيل المشاريع المموّلة من الصندوق بعد توقفٍ دام سنوات، مؤكدًا التزام المؤسسة بتنفيذ القروض الممنوحة، مع إعطاء الأولوية للقطاعات الإنمائية الأساسية، وعلى رأسها التعليم والصحة. كما أشار إلى وجود تنسيق وتعاون مع البنك الدولي، لافتًا إلى أنّ اجتماعات ستُعقد مع الوزراء المعنيين لتحديد الأولويات التنموية، مع الأمل بتوفير الظروف اللازمة لانطلاق التنفيذ. وفي موازاة ذلك، حطّت أولى طائرات الخطوط الجوية الإماراتية في مطار رفيق الحريري الدولي، تلتها طائرة ثانية، ثم ثالثة، بعد انقطاع طويل فرضته الظروف الأمنية.
الأمن أولًا: الضمانة الأساسية للثقة
الواقع الأمني في لبنان ما زال محلّ متابعة لصيقة من دول الخليج، إذ تسعى السعودية، بحسب ما ذكر السفير وليد البخاري، لإرسال لجنة أمنية رفيعة إلى بيروت لتقييم الوضع ميدانيًا قبل اتخاذ قرار بشأن رفع حظر السفر. وتعتبر المملكة حماية رعاياها أولويةً، لكنها تشارك اللبنانيين رغبتهم في استعادة العلاقة الدافئة.
الإجراءات الأمنية التي تتخذها الدولة، والدور الذي يلعبه الجيش اللبناني، المدعوم أميركيًا ودوليًا، يشكّلان عامل اطمئنان إضافي في ظلّ توتر إقليمي واسع، لا سيما في الجنوب اللبناني بسبب المواجهة المستمرة مع إسرائيل.
دور اللجنة الخماسية: رعاية ناعمة للمرحلة الانتقالية
تلعب اللجنة الخماسية العربية دورًا محوريًا في تسهيل التقارب الخليجي اللبناني. ووفق مصادر نقلتها صحيفة 'الأنباء'، فإن اللجنة بدأت تجني ثمار عملها الهادئ والدؤوب الذي أفضى إلى انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة مستقرة، وإجراء انتخابات بلدية بسلاسة.
كما تضع اللجنة خريطة طريق تشمل انتخابات نيابية في مطلع العام المقبل، تهدف إلى إنتاج سلطة لبنانية متكاملة ومنفتحة على التعاون الإقليمي والدولي، بعيدًا عن التجاذبات الحزبية والمصالح الفئوية.
تحديات قائمة: من الحزب إلى الحدود
وعلى الرغم من بشائر الانفراج، يبقى التحدّي الأكبر أمام لبنان هو فصل الملفات الأمنية عن الصراعات الإقليمية. فـ'حزب الله'، وإن بدا اليوم أكثر انكفاءً، لا يزال يمثل قلقًا خليجيًا. كما أن استمرار بقاء إسرائيل في مناطق في الجنوب، والقصف المتقطع، يعكّر صفو السياحة والاقتصاد.
إسرائيل، بحسب صحيفة 'الشرق الأوسط' ومصادر أمنية، ما زالت تنتهج 'سياسةً عدائيةً على جبهات متعدّدة'.
عودة الخليج: أكثر من مجرد سياحة
العودة الخليجية إلى لبنان، كما وصفها الإعلام المحلي، ليست مجرد حركة سياحية موسمية، بل تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي. عودة الإماراتيين بطائراتهم، وزيارات الكويتيين إلى منازلهم الصيفية، وحفاوة الاستقبال الرسمي، كلها إشارات إلى أن بيروت قد تعود قريبًا إلى موقعها الطبيعي كوجهةٍ أولى للعرب.
لبنان ينتظر ما بعد الورود
استُقبلت الطائرات الإماراتية في بيروت بالورود، لكن الأهم أن تُستكمل هذه البدايات بخطوات ملموسة على الأرض.
لبنان اليوم أمام فرصة نادرة للانفتاح مجددًا على الخليج، شرط أن يفي بالتزاماته في الأمن، السيادة، والإصلاح. فالعرب يمدّون يدهم، ولبنان المتعطش للاستقرار والنهوض عليه أن يمسك بها بثقة وجدّية.