اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
على مسافة أيّام قليلة من الانتخابات البلديّة والاختياريّة، تزداد الحماسة في الأجواء هنا وهناك، بين ما هو إيجابيّ يبعث الأمل، وما هو سلبيّ يثير القلق. وممّا قيل ممازَحةً، كما نقل لي أحدهم: كثُر المرشّحون حتّى لم يعد هناك مصوّتون!بطبيعة الحال، الترشّح حقّ لكلّ من استوفى الشروط القانونيّة، وأبرزها سجلّ عدليّ ممهور بعبارة: لا حكم عليه.لكن، هل تكفي نظافة السجلّ العدليّ لتولّي منصب عام؟ أم أنّ هناك معايير أخرى يجب أن تتوفّر في المرشّحين؟المطلوب اليوم أكثر من أيّ وقت مضى اختيار مجالس بلديّة وهيئات اختياريّة تتحلّى بالنزاهة، وحسن اللياقة، وحبّ البلدات، إلى جانب القدرة على العمل الجادّ والتخطيط السليم. نحن بحاجة إلى أصحاب علم وخبرة واختصاص وكفاءة، يتحلّون بالشجاعة في اتخاذ القرار، ويملكون القدرة على مواجهة التحدّيات، كما يتميّزون بروح الحوار البنّاء وروح الخدمة لما فيه خير الجميع. وقبل كلّ شيء، يجب أن يتحلّى المرشّح بأخلاق عالية، وسيرة حسنة، ودماثة في المعشر، ونظافة في الكفّ واللّسان. لسنا بحاجة إلى مرشّحين يهبطون بالباراشوت ولا يفقهون شيئًا من خصوصيّات قراهم وبلداتهم ومدنهم، ولم يعيشوا أرض الواقع وهموم الناس اليوميّة.
في موسم الانتخابات، تمتلئ الكنائس ودور العبادة بالمصلّين والمعزّين والمهنّئين، ثمّ، ما إن تنتهي الانتخابات، حتى يعود كلّ شيء إلى ما كان عليه، وكأنّ شيئًا لم يكن! وقد يسعى بعض المرشّحين لاستغلال هذه المنابر لأغراض انتخابيّة. من هنا، أجدّد التأكيد: الكنيسة، بطبيعتها، تلتزم الحياد، ولا تتدخّل في الأسماء واللوائح. هي تدعو إلى الوفاق حين يكون ممكنًا، وإلى التنافس الشريف حين يتعذّر التوافق. الكنيسة بيت عبادة وصلاة، لا منبرًا انتخابيًا. فلا تتجنّوا على الإكليروس، ولا تحمّلوهم مسؤوليّة نجاح مرشّح أو سقوطه، فالكاهن أبٌ للجميع، ويقف على مسافة واحدة من الجميع. وهذه قناعة راسخة لن يزعزعها أحد.
في هذه المناسبة، أحثّ الناخبين، ولا سيّما المقيمين خارج بلداتهم، على ممارسة حقّهم وواجبهم الوطني في المشاركة في الاقتراع، وعدم التهاون في أداء هذا الدور، صونًا للتنوّع وتأكيدًا للحضور. فلننظر إلى السنوات المقبلة بعين الوعي، مدركين ما ينتظرنا من تحدّيات، فلا نظلّ أسرى لأمجاد توقّف عندها الزمن.
فلتكن المنافسة ضمن حدود الاحترام المتبادل، بعيدًا عن التجريح الشخصيّ، وبثّ الأحقاد، وإثارة العداوات.فالانتخابات تنتهي، أمّا الكلمات الجارحة والعداوات التي قد تتفجّر خلالها، فتترك ندوبًا عميقة لا تندمل بسهولة.فلنتذكّر أنّنا إخوة وأبناء بلدة واحدة؛ ينجح من ينجح، ويخسر من يخسر، لكن الأهم أن نحافظ على روابط المحبّة والاحترام. فالخاسر الحقيقيّ ليس من لم يحالفه الحظّ في الانتخابات، بل من خسر محبّة الناس واحترامهم بسبب سوء تصرّفه.أسأل الله أن تمرّ الانتخابات بخير وسلام، دون أيّ تداعيات سلبيّة تُلقي بثقلها على السنوات الستّ القادمة.
وأختم بالقول: كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ (متّى ٢٠: ٢٨).بهذه الروح، يجب أن يُنتقى المسؤولون: لأنّ المراكز ليست وجاهة، بل هي دعوة إلى الخدمة والعمل والتضحية.