اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
موسى موسى
وجدت شجرة الزيتون ووجد معها أسلوب عصر حباتها واستخراج زيتها، من سلقها وطحنها في البيت حتى المعاصر الحديثة. منذ البداية هي شجرة تاريخية مباركة في كل الثقافات السماوية وتشكّل على مرِّ التاريخ رافدا أساسيا للاقتصاد وفرص عمل سنوية لشريحة كبيرة من المجتمع الشرقي سواء بالزراعة أو المتاجرة، أو المونة السنوية لكل أسرة من زيت ومخللات وكبيس..
لكنها هذا العام تواجه موسماً استثنائياً من التراجع وقلّة الإنتاج، إذ أظهرت التقديرات انخفاضاً حادّاً في إنتاج الزيتون وزيته نتيجة انخفاض الهطولات المطرية العام الفائت والتي أثّرت بشكل كبير على الموسم الحالي، وخاصة أن كل زراعة الزيتون في عكار هي بعلية وتعتمد في ريّها على الأمطار، كما أن موجات الحر الشديدة خلال فترات الإزهار والعقد كان لها الأثر السلبي على إنتاج الغلّة إلى جانب ضعف الخدمات الزراعية من تسميد وري، فصار الموسم منخفض الإنتاج بطبيعته مقارنة بالمواسم السابقة فالزيتون بحسب المزارعين يحتاج الى دعم فني وتجديد غرسه بما يتناسب مع خصوصية التربة والمناخ لكل منطقة ومعظم الشجرات صارت معمّرة ومتقدمة بالسن.
ويُعدّ موسم الزيتون مساحة لإحياء العادات الريفية التراثية التي تصاحب موسم قطاف الزيتون من جمع العائلة ولمّتها داخل كرم الزيتون الى مصالحات عائلية تحصل بين المتخاصمين وقصص التواصل وبناء علاقات الحب تحت الزيتونة وطبخات البرغل والمكمورة وعموم الأكلات الزيتية، فالزوادة بالصرّة هي أول العادات الموروثة.
ورغم أن الآلات الحديثة (الفاروطة) دخلت بعض مراحل قطاف الزيتون رافقها تطور جديد في آلات مكابس (معاصر) الزيتون، إلّا أن الموسم يبقى كرنفال فرح عائلي حيث الأولاد يتسابقون لجمع الثمار، والكبار يتسلقون السلالم لفرط حبات الزيتون من أعلى الأغصان لتقع على مدات النايلون، وهي أوقات موسمية يعيشها الناس في الأرياف خاصة عند عصر الحبات وجني الزيت، فيبدأ هجوم الأكل على الكبة النية ليتذوّقوا الزيت البكر الجديد.
حبلص
وفي إطار ارتباط شجر الزيتون بوسائل عصر الزيتون بين الماضي والحاضر، أوضح المؤرخ الدكتور عبد الكريم حبلص في مداخلة لجريدة «اللواء» ان شجرة الزيتون مقدّسة عند الديانات السماوية الثلاث، لذلك حظيت بمكانة مرموقة عند العكاريين وسواهم من الذين غرسوها منذ مئات السنين، ولا زالت بعض الأشجار القديمة والمعمّرة حاضرة في بعض الكروم، ويطلق عليه البعض لقب «سيفلية» أي تعود إلى فترة حكم آل سيفا، الذين تولوا إمارة طرابلس وعكار خلال 1528 - 1640م.
ثم انتشرت زراعة الزيتون في عكار على نطاق واسع خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتوسّعت لتشمل مناطق مختلفة حتى ارتفاع 800 متر أحياناً.
وحول عصر الزيتون بين الماضي والحاضر، قال حبلص: كان العكاري بداية، يقوم باستخراج الزيت بوسائل وطرق بدائية قديمة حيث يعمد كل مزارع إلى عصر منتوجاته من الزيتون في منزله، إما عن طريق سلق الثمار وطحنها ووضعها في «شوالات» أو «الخوص» وتركها لعدة أيام مضغوطة بواسطة حجر ثقيل ليتم فصل الزيت واستخراجه من الثمار، أو يقوم البعض بدق الثمار في أجران حجرية كبيرة موجودة في المنازل خصيصاً لذلك، ثم يتم فصل الزيت عن الشوائب ليحصل على المادة التي تستخدم في الطعام والطبابة وإنارة الفوانيس والمشاعل فى المنازل وأماكن العبادة.
ثم تغيّرت هذه الطريقة نحو الأفضل، فأصبحت عملية إنتاج الزيت تعتمد على طحن الثمار بواسطة معاصر خاصة مزوّدة بحجر ضخم يوضع في جرن حجري كبير له حواف معدنية للحفاظ على المادة المطحونة، يديره حيوان (جمل أو حصان) بواسطة عصا خشبية قوية مثبتة في وسط الحجر، الذي يدور فوق الثمار لمدة ساعة على الأقل لكي تصبح جاهزة لإنتاج الزيت.
أما في العصر الحديث فقد دخلت الآلة في صناعة الزيت كما سائر السلع الصناعية، فأصبحت عملية استخراج الزيت تتم آليا بالكامل تقريباً، بواسطة مصانع حديثة تدار آلاتها جميعاً بواسطة الطاقة الكهربائية، ودخلت آلة فرز الزيت لتنقية المنتج بدل العمل اليدوي، وما زال البعض حتى اليوم يفضّل الزيت المستخرج على البارد كما يُقال، أي الطحن بواسطة الحجر بدل «الفرم» بواسطة الآلة الذي يؤثر على نوعية الزيت المستخرج بسبب ارتفاع الحرارة التي تسببها آلة طحن الثمار أثناء عملية الإنتاج.
عبيد
ويؤكد المزارع أحمد عبيد: اننا ورثنا الاهتمام بالزيتون عن أجدادنا وولدنا لنجد أمامنا شجر الزيتون مزروع من الأجداد، وهذا الموسم يعطي نصف الإنتاج وكسور للوراء تقريبا بحسب كل بستان ونقول عنها هالسنة ما فيها حمال وهي سنة محل. يعني الشجرة ما فيها حب زيتون مثل عام الحمال والزيتون بيعطي عام وبينقص عام، والزيتونة شجرة مباركة يحبها ربنا، ولكنها تتطلّب رعاية مستمرة بالتشحيل والتسميد والفلاحة والمزارع إجمالا لا يخسر ولكنه يخطأ بتقدير نسبة الإنتاج لأن الزيتون يتعرّض للجفاف إذا تأخّر المطر فتتساقط حباته على التراب وتصيبها الضريبة فتقع الخسارة.
وبيع حبات الزيتون تربح معنا أكثر من عصره وتبعاته من اجار مكبس وأدوات تعبئة ونقل، بينما في بيع الحبات تحمل من الكرم مباشرة للتاجر.
الميناوي
أما محمد ميناوي فيعتبر انه موسم البركة من كل عام سواء ازداد إنتاجه أو نقص، ولا بد للشجرة أن تعطي شيئا من الحبوب، تُزاد عاما وتنقص عاما بحسب ري الشتاء والرزق بيد الله. ويخرج من الزيتون عدة أنواع من الأطعمة، فزيته يستعمل للعلاج ولعشرات المأكولات، وحبه يستعمل في عشرات الأنواع من المونة. وكلنا نقول الزيتون ملك السفرة أو الطاولة وهو دواء بالمسح والشراب.
الحاج
ويحمّل خالد الحاج الخسارة لقلّة خبرة المستثمر، ويقول: هناك خسارة يتحمّلها المزارع نفسه من قلّة خبرته وسوء تقديره وهناك عوامل الطقس والرياح القوية، وقلّة الأمطار أيضا تسبب تساقط الحبات على التراب فتصبح (عجيرا) لا يصلح للعصر أو الأكل، وعندنا مشكلة ثمن بدل الضمان، ضمان الحبات، يعني فسعر الشنبل على أمه حوالي مئة دولار والأمل بزيادة إنتاج الزيت والزيادة في التقدير ومن يخسر يخسر من عجلته وقلّة خبرته ومزاحمته لأصحاب الخبرة. وبشكل عام فان الزيتون رغم كلفته لا يخسر ولكنه لا يغني بمعنى ان المزارع يربح مونته والمربح الأكبر لصاحب الأرض الذي يضمنها رغم انه يصرف عليها بالتشحيل والتسميد والحراثة.











































































