اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٦ نيسان ٢٠٢٥
من أسوأ مظاهر التخلّف العربي اختزال العداء للكيان الإسرائيلي، حصراً، في الجانب العسكري وإهمال عمق الجانب الثقافي. عاش لبنان طوال سنوات حروب 1975-1990، ويعيش الشعب السوري بعد انهيار نظام الأسد، معضلة استعادة الدولة وأصالة التراث العربي والإسلامي في الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية.
تكمن الإشكالية المطلقة والجوهرية في لبنان وعروبته وعروبة سوريا في التناقض المطلق بين الأيديولوجية الصهيونية في ترادفها بين دين ومساحة جغرافية espace identitaire والتراث الدستوري العربي والإسلامي. تميّز العرب بفلسفة الإسلام بالذات في اعتماد أنماط متعددة في الإدارة الذاتية الحصرية ونظرية التعددية الحقوقية والتمييز الإيجابي، خلافاً لعقائد مستوردة وأيديولوجيات حول العصرنة والبناء القومي. كل أنماط الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية هي خاضعة لمعايير وقابلة للعصرنة.
في اختزال العداء الإسرائيلي في الجانب العسكري خرّبت لبنان أيديولوجيا غير لبنانية أساساً. يُخشى أن تخرب تراث سوريا جماعات وقوى إقليمية مع مساعي استعادة الشعب السوري وحدته وعراقة تراثه. من أدرك الجانب الثقافي بالعمق حول مخاطر الصهيونية؟ إنهم الآباء المؤسّسون للدستور اللبناني وأبرزهم ميشال شيحا. وأدرك ذلك بالعمق الإمام موسى الصدر في قوله: 'إن السلام في لبنان هو من أبرز وجوه الحرب تجاه إسرائيل' (سيرة الإمام موسى الصدر، بيروت، دار بلال، 2000، 12 جزءاً، جزء 7، 1976، ص 198).
تواجه إسرائيل في داخلها جذور النزاع والتفكك وتفاقم الانشقاق، بخاصة في السنوات الأخيرة. عبّر عن ذلك سابقاً أحد الكتّاب: Marc Hillel, Israël en danger de paix, Fayard, 1968, 350 p..
خلال ندوة منذ سنوات في لبنان انساق أحدهم في المزايدة المعروفة حول العدائية تجاه إسرائيل واجتراره أن بعض اللبنانيين لا يقرّون بهذا العداء! قلت له: كفى، أصمت، كلنا شهداء وضحايا! يذكر كمال جنبلاط بأمانة وخلقية قصوى في كتابه - الوصية ما قال له عبد الحليم خدام بالذات: 'جماعة الكفور هم وطنيون حقيقيون':
Kamal Joumblatt, Pour le Liban, Stock, 1977, 276 p., p. 193.
إن الإعلان الدستوري الموقت في سوريا في 13/3/2025 يجب أن يحمل الفكر العربي الدستوري والحقوقي على استعادة البحث المنهجي والتطبيقي، وليس الأيديولوجي، بشأن التراث العربي والإسلامي في إدارة التعددية الدينية والثقافية. تناقض هذا التوجه ذهنية لبنانية وعربية عامة.
1. إنتروبولوجيا التاريخ والقانون: يستعيد الشعب السوري اليوم سياق نشوء الدولة في انضمام الأطراف الجغرافية والجماعات إلى مركزية الدولة. هل يتم هذا الانضمام؟ أو هل يستمر مغامرون ومخادعون في افتعال حروب أهلية أو داخلية كما حصل طوال سنوات الحروب المتعددة الجنسيات في لبنان في السنوات 1975-1990؟
أدرك كتّاب إسرائيليون التناقض المطلق بين المنظومة الدستورية اللبنانية والعربية الجذور وبين الأيديولوجية الصهيونية في الترادف بين مساحة جغرافية ودين محدّد. يصف أحدهم لبنان بأنه خطأ تاريخي وجغرافي (موشي شامير، 'يوجد حل: تقسيم لبنان'، معاريف، تعريب السفير، 24/10/1983). وكتب موشي أرنز عن 'هندسة إسرائيلية للبنان' (Wall Street Journal, 11 June 1982). وترد النظرة الإسرائيلية إلى لبنان في:
Meir Zamir, “Politics and Violence in Lebanon”, Jerusalem Quarterly, no 25, 1982.
إن زرع معابر ومتاريس في كل جغرافية لبنان وتغذية حروب متعددة الجنسيات في لبنان في السنوات 1975-1990، هو التنفيذ الميداني التفصيلي للمراسلات الإسرائيلية التي نشرت في صحيفة دافار (إسرائيل)، في تشرين الأول/ أكتوبر 1971، وأعادت نشرها بالعربية مجلة بيروت المساء (العددان 97-98 في 9 و 16 كانون/ديسمبر 1975). وصدرت أيضاً بالعبرية في: موشي شاريت، مذكرات، 8 أجزاء، تل أبيب، منشورات معاريف، 1978: 'محضر اجتماع مع بن غوريون ودايان ولافون حول التقسيم'.
موجز المداولات بين بن غوريون وموشي شاريت أن العلاقات بين الطوائف في لبنان صلبة عبر كل التاريخ. أما بن غوريون فيعتبر أن عنفاً طويل الأمد يؤدي إلى انفصام هذه العلاقات! هل تنجرف جماعات وتنظيمات في سوريا في مغامرات من الماضي ومسار انتحاري تغذيها أيديولوجية صهيونية في 'هندسة الشعوب' وقوة إقليمية تسعى إلى ضرب عروبة لبنان وسوريا والمنطقة؟
2. 'الطائفية' مشكلة عربية ورسالة الأسد سنة 1973: حصلت تظاهرات بتحريك من علماء مسلمين طوال أشهر في سوريا سنة 1973 في سبيل الذكر في الدستور أن دين رئيس الجمهورية الإسلام:
John Donohue, « La nouvelle Constitution syrienne et ses détracteurs », Travaux et jours (USJ), no 47, avril-juin 1973, pp. 93-111.
حمل ذلك مجلس الشعب على الموافقة بالإجماع على النص في الدستور بأن دين رئيس الجمهورية الإسلام بناءً على رسالة من الرئيس حافظ الأسد (البعث، 21/2/1973).
إن التنظيم الانتخابي في سوريا سنة 1946، عملاً بالمادة 37 لدستور 1930، يعتمد التمييز الإيجابي: 116 للمسلمين و18 للمسيحيين ومقعد لليهود. ثم ألغى الاتحاد السوري - المصري في 1958-1961 قاعدة التمييز الإيجابي.
في مصر في انتخابات 1964 نجح قبطي واحد، حليم جريس بيشاي من أسيوط، على مجموع 360 نائباً. توجد معضلة كبرى في ضمان صحة التمثيل في مجتمعات تتصف تاريخياً بتعددية نسيجها الاجتماعي. والمعضلة الأكبر في ذهنية أيديولوجية في التوحيد القسري 'والانصهار' أي بالحديد والنار.
ورد في الإعلان الدستوري السوري في 13/3/2025 أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، انطلاقاً من التجربة التاريخية السابقة. لا يعني ذلك بالضرورة استنساخ بعض مواد الدستور اللبناني في واقع سوريا وفي مجتمعات عربية أخرى. ترد في دساتير عديدة في العالم بأشكال متعددة ضرورة ضمان المساواة والمشاركة في الحياة العامة.
في بلجيكا وبولونيا وإسبانيا والبرتغال وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وبلدان أخرى عديدة. ترد في الدساتير ضمانات في عدم العزل والمشاركة في الحياة العامة.
3. معضلة ثقافية عربية أولاً: يستمر أيديولوجيون بشأن البناء القومي والعصرنة، ومثقفون بدون خبرة في اجترار خطاب أصبح مملاً واجترارياً حول 'أزمة نظام في لبنان'. الحاجة إلى استعادة أصالة التراث العربي والإسلامي في الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية. إنه العداء الجوهري للصهيونية وليس خطاب الإنكار والانتصار (أنطوان مسرّه، 'أزمة المرجعية في الفكر السياسي العربي: دراسة مقارنة في القيم والمعايير في التاريخ العربي وأوروبا الوسطى'، الجمعية العربية للعلوم السياسية، المؤتمر الثالث، القاهرة 1-4/2/1989، 26 ص).
(*) عضو المجلس الدستوري، 2009-2019