اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٤ أيار ٢٠٢٥
رغم صدور نتائج الانتخابات البلدية في مختلف قرى البقاع، لا يزال الجدل محتدماً حول بلدية حوش حالا - رياق، بعد ما كشفته انتخاباتها من ندوب عميقة في مجتمعها المتنوع، قد يصعب التنبؤ بمآلاتها، ما لم يعالج الوضع بحكمة ووعي كافيين.
في الأسبوع المقبل تستكمل مرحلة الانتخابات البلدية بالبقاع بدعوة أعضاء ثلاثين بلدية منتخبة في زحلة وقضائها، إلى اختيار رؤسائها ونوابهم. إلا أن هذه الانتخابات في بلدية رياق - حوش حالا تحديداً، ستكتسب أهميتها انطلاقاً من الخلل الطائفي الذي أصاب مجلسها الفائز بالتزكية، بحيث تكون من أغلبية 15 عضواً من الطائفة الشيعية بدلاً من ثمانية، بمقابل ثلاثة أعضاء مسيحيين بدلاً من عشرة.
استقالات معلّقة وأعراف منتهكة
عملياً، رغم استقالة أربعة أعضاء من المجلس البلدي قبيل إعلان فوزه بالتزكية، فإن هذه الاستقالة لم تقدم بعد إلى محافظ البقاع كمال أبو جودة. وخلافاً لما تناقلته بعض وسائل التواصل الاجتماعي عن كون المحافظ رفض الاستقالة، فإنها لم تأخذ بعد مجراها القانوني حتى يقبلها المحافظ أو يرفضها. ووفقاً لما يشرحه مصدر مسؤول، لا تبدأ ولاية المجلس الجديد إلا في الأول من حزيران المقبل، أي بعد آخر يوم من ولاية المجلس الحالي، على أن يتم التسليم والتسلم بين الرئيس المنتخب من قبل المجلس والرئيس السابق. وحينها، يحق للأعضاء الفائزين التقدم باستقالاتهم إذا رغبوا. غير أن استقالة أربعة من أعضاء مجلس بلدية رياق، حتى لو أفرغ المجلس من مسيحييه، لن يكون كافياً لاعتباره مستقيلاً، ما لم يستقل نصف الأعضاء على الأقل. فيما الميثاقية ليست مبنية على أسس قانونية تسمح بإعادة إجراء الانتخابات بالبلدة، خصوصاً أن لا شيء في القانون ينص على توزع مقاعد أي بلدية بين الطوائف، وإنما هي أعراف تحترمها المجتمعات في العادة للحفاظ على نسيجها. وعليه، فإن مجلس بلدية رياق يعتبر مجلساً شرعياً قانونياً، وإن فقد شرعيته 'الشعبية' بالنسبة للعائلات 'المسيحية'. علماً أن هذه العائلات انسحبت من المعركة الانتخابية تعبيراً عن حالة إعتراضية بوجه هيمنة 'حزب الله' ومحاولته فرض إرادته على البلدتين وأهلهما.
على رغم مكابرة ملموسة لدى مختلف مكونات البلدتين، في محاولة للخروج بصورة ربح من خسارة وحدة نسيجهما المسيحي المسلم منذ سنوات طويلة، فإن الوضع في رياق- حوش حالا يبدو مقلقاً لعقلائها، الذين يأسفون أيضاً لما آلت إليه نتائج الانتخابات الاختيارية في البلدتين. فالانقسام الحاد الذي أخرج المكوّن المسيحي من مجلس بلدية حوش حالا - رياق، أدى إلى إلغاء الصوت المسيحي في مخترة حوش حالا، بمقابل إلغاء الصوت الشيعي في رياق. ففاز ثلاثة مخاتير مسيحيين في رياق، وأربعة مخاتير مسلمين في حوش حالا. وهكذا وقعت البلدتان في مأزق مزدوج: الأول، يعكس اختلاف الرؤية بين رياق وحوش حالا. والثاني، يكرّس الفرقة الطائفية داخل كل بلدة على حدة.
حين فاض الغضب المسيحي على هيمنة 'حزب الله'
منذ سنوات، يتصرف 'حزب الله' في رياق وكأن رئاسة البلدية للمسيحيين شكلية فقط، فيما القرار الفعلي في يده. وقد أدى هذا الأداء، بخاصة في ظل تدهور عمل البلدية، إلى تآكل الثقة وتنامي الامتعاض، وسط شعور بأن كلمة 'الشرطي البلدي الشيعي' أقوى من قرار رئيس البلدية المسيحي.
أخرج العدوان الإسرائيلي الأخير النقمة المختزنة على هذه الهيمنة إلى العلن، كاشفاً عن هشاشة شعارات التعايش التي تمسكت بها عائلات البلدتين لسنوات طويلة. فالأهالي المسيحيون الذين وجدوا موتاهم مدفوعين خارج مقابرهم، بعدما تضررت بفعل غارة جوية أصابت أطرافها، استشعروا الخطر المتأتي من البيئة الصديقة لـ 'حزب الله' عند شركائهم المسلمين في البلدة. ففجّر العدوان غضباً مكتوماً، خصوصاً في صفوف المكوّن المسيحي، الذي بات يشعر أن رياق تُعامل كجزء من بيئة 'حزب الله'، من دون أي مراعاة لتنوّعها وشراكة أبنائها.
جاءت الانتخابات الأخيرة كتعبير صارخ عن هذا الغضب. وبدلاً من التحلي بالحكمة في السعي لإرساء أجواء توافقية بين مختلف مكونات المجتمع، نُسف التوافق عبر قوة فائضة مورست باسم عائلات البلدة. فلم يلتزم المكوّن الشيعي بأي اسم توافقي لرئاسة البلدية، حتى بعد طرح اسم القاضي فادي عنيسي الذي حاز قبولاً واسعاً، في صفوف عائلات البلدتين المسيحية.
المطلوب التوازن لا الخضوع
انطلاقاً من هنا، ومع أن محافظ البقاع طبق القوانين المرعية بإعلان فوز مجلس بلدية رياق - حوش حالا بالتزكية، فإن حل أزمة البلدتين، يبدو كاستحقاق 'أخلاقي' أبعد من النصوص القانونية. والنتائج النهائية التي سيتوصل اليها إما أن تؤدي إلى اجتياز مرحلة الانتخابات بأقل شرذمة ممكنة، أو بترسيخ الفرقة.
يؤكد الساعون للائحة توافقية في المرحلة السابقة أنهم ليسوا مع أي فصل لرياق عن حوش حالا، ولا يؤيدون على الإطلاق ما آلت اليه الأمور بين عائلاتهما المسيحية والمسلمة، ولكن عتبهم على عائلات حوش حالا المسلمة تحديداً، لكونهم استسلموا لرغبة حزبية لا تحظى بإجماع وطني في أي ناحية من لبنان.
هذا في وقت لا تؤدي الدينامية المفاجئة التي ظهرت في نطاق البلدية من خلال تزفيت طرقاتها المحفرة، كافية لتعبيد العلاقات الاجتماعية بين مكونات البلدتين، ولتضميد الجروح النفسية العميقة التي فتحتها الانتخابات، وما رافقها من لغة تحريضية، أساءت أولاً إلى ثقة أبناء البلدة ببعضهم البعض.
تبدو رياق حوش حالا اليوم منقسمة فعلياً، ولكن لا أحد من أهلها يرغب في هذا الانقسام. المكوّن المسيحي يطالب بإعادة الحوار على أسس عائلية واجتماعية بعيداً عن هيمنة الأحزاب، فيما يلتزم المكوّن المسلم الصمت. ورغم وجود تباينات في الرأي، تستمر أبواق الطرف الأقوى في رواية ما جرى وفق سرديتها الخاصة، تجتزئ الوقائع وتهمّش الأصوات المعارضة، في تجاهل تام لحقيقة أن ما تريده رياق- حوش حالا هو العودة إلى توازنها... لا خضوعها.