اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
مفتاح النجاح في الحملة ستُعقد هذا الأسبوع اجتماعات حاسمة يبدأ فيها المتنافسون فعلياً في التنافس على منصب قيادة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
في آذار 2013، ألقى الكاردينال الأرجنتيني خورخي ماريو برغوليو خطاباً قصيراً مدّته نحو 4 دقائق، خلال أحد الاجتماعات المغلقة في الفاتيكان قبل اجتماع الكونكلاف (مجمع الكرادلة) لانتخاب البابا الجديد. وقد لاقت كلماته المقتضبة، التي صوّرت كنيسة تتخطّى مناطق الراحة المنعزلة والعادات المرجعية الذاتية، استحساناً كبيراً.
عندما صوّت الكرادلة في كنيسة السيستين بعد أيام، اختاروه لقيادة الكنيسة إلى الأمام، فخرج للعالم بصفته البابا فرنسيس.
ويوم الاثنين، بعد أن شارك مئات الآلاف من المؤمنين في جنازة البابا فرنسيس ودفنه خلال عطلة نهاية الأسبوع، بدأ الكرادلة أسبوعاً حاسماً من تلك الاجتماعات، إذ سيُدلي قادة الكنيسة، ومن بينهم مَن يُعتبرون «بابابيلي» (أي مرشحين محتملين للبابوية)، ببيانات مقتضبة حول القضايا الكبرى التي تواجه الكنيسة.
وقد بدأت هذه الاجتماعات منذ اليوم التالي لوفاة البابا فرنسيس، لكنّها ستأخذ الآن منحى أكثر كثافة، لتتحوّل إلى مسار حملة انتخابية قصيرة تقود إلى الكونكلاف في أيار.
وتمنح هذه الاجتماعات الكرادلة - خصوصاً الذين تقلّ أعمارهم عن 80 عاماً ويملكون حق التصويت في الكونكلاف - فرصة للتعرّف إلى بعضهم البعض، تقييم الأولويات، الأجندات، والكاريزما. وتُعرف هذه الاجتماعات باسم «الجمعيات العامة»، وهي أيضاً ساحة لانهيار بعض المرشحين المحتملين.
فالقانون الأول في «الحملة البابوية» هو أنّه لا توجد «حملة بابوية». بمعنى آخر، التفاخر بالنفس والسياسة العلنية الشفافة محرّمان في «الحملة غير المعلنة». أو كما يقول الخبراء في شؤون الفاتيكان: مَن يدخل الكونكلاف بصفته البابا، يخرج منه كاردينالاً.
لكن ليس دائماً. ففي عام 2005، ألقى الكاردينال جوزيف راتزينغر، وكان آنذاك عميد مجمع الكرادلة، عظة جنازة مدوّية للبابا يوحنا بولس الثاني - أدان فيها بشدة ما سمّاه «ديكتاتورية النسبية» - ثم دخل الكونكلاف بزخم قوي وخرج إلى شرفة القديس بطرس بصفته البابا بنديكتوس السادس عشر.
في هذه الحالة، ألقى عظة جنازة فرنسيس يوم السبت الكاردينال جيوفاني باتيستا ري، عميد مجمع الكرادلة الحالي، الذي يبلغ من العمر 91 عاماً ولا يملك حق التصويت في الكونكلاف، ولا يُعتبر مرشحاً فعلياً. ومع ذلك، استغل اللحظة للتأثير على الموازين، مشيراً إلى الحشود الهائلة التي استقطبها البابا فرنسيس بكاريزماه ورؤيته للكنيسة، وقدّم حجّة ضمنية مفادها أنّ على الكرادلة اختيار شخص يَسير على نهج البابا فرنسيس.
وأضاف الكاردينال ري: «لقد كان أيضاً بابا يُولي اهتماماً لإشارات الزمن، ولِما كان الروح القدس يوقظه في الكنيسة».
لم يحظَ البابا فرنسيس بمنبر رئيسي لإلقاء خطاب حملة. بل نال إعجاب الكرادلة من خلال تواضعه وعمق ملاحظاته خلال الجمعيات العامة. «هو سياسي بالفطرة»، يصفه رئيس الأساقفة بول غالاغر، وزير خارجية الفاتيكان وأحد المقرّبين من البابا فرنسيس، في مقابلة حديثة، مشيراً إلى مهاراته السياسية، بما في ذلك على الساحة العالمية. وأضاف: «إنّه يُحبّ السياسة. ليست غريبة عليه».
والتحدّي الذي يواجه المرشحين المحتملين في اجتماعات هذا الأسبوع هو أن يكونوا بارعين بقدر البابا فرنسيس في كسب الدعم من دون أن يبدو عليهم السعي إليه. كما يحتاجون أيضاً إلى العثور على الرسالة المناسبة لهذه اللحظة: هل يجب أن يتبعوا خطوات البابا فرنسيس، أم يعكسوها، أم يتجاوزوها؟
وقد عُيِّن العديد من الكرادلة الذين سيُصوّتون من قِبل البابا فرنسيس في دول نائية - ما كان يُسمّيه «الأطراف» - وهي أماكن لا تشهد عادة وجود كنسيِّين رفيعي المستوى. ويشرح بعض خبراء الفاتيكان أنّ ذلك قد يُفيد مرشحين ذوي أسماء لامعة، مثل الفيليبيني الكاردينال لويس أنطونيو تاغلي، الذي يُطلق عليه أحياناً لقب «فرنسيس الآسيوي».
وهناك العديد من المتنافسين الآخرين، من بينهم مَن يميلون إلى التقدّمية، وآخرون أكثر محافظة.
على الصعيد العلني على الأقل، يميل الكرادلة الأكثر احتمالاً للبابوية إلى الحفاظ على انخفاض ظهورهم، وترك حلفائهم من «صنّاع الملوك» يقومون بالمهام الصعبة، لكن لا يمكنهم أن يكونوا متخفّين إلى درجة أنّهم لا يتركون أثراً.
يوم الأحد، ألقى الكاردينال بيترو بارولين، الذي كان الرجل الثاني في عهد البابا فرنسيس، ويُنظر إليه من قِبل كثيرين في الفاتيكان كمرشح قوي، عظة في ساحة القديس بطرس أمام نحو 200,000 شخص خلال قدّاس خاص للشباب. لكنّ العشرات من الكرادلة الناخبين كانوا هناك أيضاً.
وتحدّث بإعجاب عن البابا فرنسيس، قائلاً: «علينا أن نحتضن إرثه ونجعله جزءاً من حياتنا».
ويعرف الكاردينال بارولين العالم جيداً في وقت يشهد تقلّبات، كما يعرف العديد من الكرادلة الناخبين، وقد طبّق رؤية البابا فرنسيس، لكنّه يُعتبر أكثر توازناً، ممّا قد يجعله مقبولاً أكثر لدى كتلة كبيرة من الناخبين المعتدلين. وهو أيضاً إيطالي، وهو أمر قد يُفيد، إذ يسود شعور بأنّ الكرادلة الإيطاليِّين - وبعض الأوروبيِّين الآخرين - يرغبون في «استراحة» من الأطراف. وباعتباره رجلاً من رجال الفاتيكان، يُنظر إلى الكاردينال بارولين أيضاً على أنّه أقل عداءً بكثير من البابا فرنسيس تجاه الكوريا، البيروقراطية الرومانية التي تُدير شؤون الكنيسة.
أمّا الشباب الذين حضروا قداس الأحد الخاص، فكانوا أقل اهتماماً بالتفاصيل الداخلية للفاتيكان، وأكثر حرصاً على وجود بابا يُلهِمهم. وطالبت لارا كابوتشيللي (19 عاماً) من منطقة بيدمونت الإيطالية «بالمزيد من الشمولية». وفي صباح الاثنين، بدأ الكرادلة أسبوعهم من الاجتماعات، فناقشوا القضايا المطروحة ودرسوا توقيت اتخاذ قرارهم الأكبر. وقد قرّر الكرادلة أن يبدأ الكونكلاف في 7 أيار.