اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بيروت ـ جويل رياشي
في روايته الاخيرة «الشتاء الكبير» (الدار العربية للعلوم ـ ناشرون ودار المراد)، يعود أنطوان الدويهي إلى الجرح الأول في الذاكرة الشمالية، مستعيدا حادثة مزيارة عام 1957، لكن لا بوصفها واقعة دموية فحسب، بل كبذرة تتفرع منها أسئلة الزمن، والهوية، والعائلة، والمكان. الرواية تفتح الباب مجددا على محور كان قد طرقه شقيقه الراحل جبور الدويهي في «مطر حزيران»، غير أن أنطوان يقدم قراءته الخاصة، ببطء محسوب، ولغة تتقاطع فيها الدقة مع الصفاء السردي.
بكلمات مفاتيح وتبديل أسماء البلدات والقرى، وتلاوة حكايات المجتمع الاهدني حيث البداية، ثم الزغرتاوي، والخلافات وعمليات الثأر، وخصوصا تلك التي تطال مقربين من الطرفين تحت تسمية «المسؤولية الاجتماعية»، حملنا الدويهي الذي ينتقي كلماته وتعابيره بدقة، إلى حكايات لا تنتهي عن أهل زغرتا والشمال اختصرها بـ 197 صفحة.
ومنذ الصفحة الأولى، يعلن الكاتب أنه بدأ كتابة هذا العمل في السابعة عشرة من عمره، ولم يكمله إلا بعد خمسين عاما، «عشية يوم ماطر من العام 2018». وبين البدايتين، يعيش النص تجربة زمنية نادرة: كأن الرواية نفسها هي محاولة لمصالحة الكاتب مع الوقت، أو لإقناع الذاكرة بأنها لا تموت، بل تتغير نبرتها.
يحمل «الشتاء الكبير» بصمات الدويهي المعهودة: الهدوء، التأني، والابتعاد التام عن الصخب والابتذال. هو يكتب وكأنه يبني بالكلمات، لا يرميها. في لغة محكمة تتجنب المبالغة، ينسج حكاية أهل الشمال من داخلهم، في مجتمع يختصر جزءا من لبنان بعلاقاته المتشابكة بين العائلة، الدين، والكرامة. المكان في الرواية ليس خلفية، بل كائن حي: «جيناتا» هي إهدن، «موريا» هي زغرتا، و«طينال» هي طرابلس، وكلها تتنفس على وقع ثأر قديم وحكايات لا تهدأ.
يجد القارئ نفسه أمام نص يقرأ ببطء، «كما تفرد حبات اللؤلؤ»، على حد وصف أنسي الحاج للدويهي، علما ان شقيقه جبور كان يعهد اليه بمراجعة أعماله، فيبدل عناوينها، على الأقل، كما فعل في «طبع في بيروت» حيث اختار شقيقه جبور في الأساس عنوان «كرم اخوان 1908».
لا يبحث الكاتب عن الحبكة الصادمة، بل عن الإيقاع الداخلي الذي يجعل الجملة الواحدة مشهدا.
يحمل عالم أنطوان الدويهي السردي القارئ إلى شيء من السكينة، يعززها الكاتب باعترافه بالاقامة على كتف وادي قزحيا (شمال لبنان ويطل على وادي قنوبين) موزعا أوقاته بين التأمل والكتابة والتواصل مع الطبيعة، كما قال في مقال رد فيه على هجوم تعرض له في إحدى الصحف اليومية (18 سبتمبر 2023).











































































