جرأة عون وعدوانية إسرائيل

في القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الدوحة عقب الغارة الإسرائيلية على العاصمة القطرية، قدّم الرئيس اللبناني جوزف عون خطابًا استثنائيًا جسّد فيه الموقف اللبناني بجرأة غير مألوفة، واضعًا العدوانية الإسرائيلية في مواجهة مباشرة مع الشرعية والحق. وأوضح أنّ الاعتداء لم يكن موجّهًا ضد أفراد فحسب، بل استهدافًا لمفهوم الحوار والوساطة ومبدأ السلام نفسه، محذّرًا من أنّ الصمت العربي والدولي يُترجم كتواطؤ يشجع إسرائيل على التمادي.

لقد اعتُبر خطاب عون في الدوحة الأقوى لرئيس لبناني منذ عقود في مواجهة إسرائيل، إذ تجاوز حدود الإدانة التقليدية ليرسم معادلة جديدة تقوم على تسمية المعتدي بوضوح، ومحاسبة الصامتين، واستدعاء العرب إلى موقف جماعي صريح. هذا الخطاب أعاد إلى الأذهان المواقف التاريخية التي شكّلت محطات مفصلية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لكنه تميّز بجرأة لافتة لأنه جاء في لحظة إقليمية دقيقة تتقاطع فيها مشاريع التطبيع مع تصاعد العدوانية الإسرائيلية.

عون دعا بوضوح إلى موقف عربي موحّد يتجاوز الاستنكار إلى خطوات عملية في المحافل الدولية، مؤكدًا أن المبادرة العربية للسلام لعام 2002 تبقى الإطار الوحيد لتسوية عادلة وشاملة، وأن لبنان مستعد للسلام متى التزمت إسرائيل بالحقوق والقرارات الدولية. وفي لهجة حازمة، شدّد على أنّ الاستقرار لا يُبنى على منطق القوة بل على احترام السيادة.

لكن إسرائيل لم تتأخر في الردّ على هذا الموقف. فبعد ساعات من الخطاب، شنّت سلسلة غارات مكثفة على قرى الجنوب اللبناني. طالت الضربات بلدات ميس الجبل، كفر تبنيت، دبين، برج قلاويه، والشهابية، حيث أصابت منازل مدنيين وأخرى ملاصقة لمراكز قوات اليونيفيل. في ميس الجبل أصيب عامل سوري بجروح، فيما دُمّرت بناية في كفر تبنيت وتضررت منازل مجاورة، كما قصفت طائرات مسيّرة منزلًا فارغًا في برج قلاويه. ووفق تقارير الأمم المتحدة، سجّلت إسرائيل أكثر من 180 خرقًا للقرار 1701 منذ بداية 2025، في مشهد يختزل حجم التحدي الذي يواجهه لبنان.

هذه الغارات جاءت لتؤكد أنّ إسرائيل لم تكتفِ برفض مضمون خطاب الدوحة، بل أرادت أن تردّ عمليًا لتكريس منطق القوة، متجاهلة الشرعية الدولية وحق لبنان في السيادة. ومن هنا برزت أهمية خطاب عون، الذي لم يعد مجرد إدانة بل تحول إلى دعوة فعلية لمواجهة سياسية ودبلوماسية شاملة.

في الداخل اللبناني، أثار الخطاب تفاعلات متباينة: شريحة واسعة اعتبرته استعادة لهيبة الدولة ورسالة واضحة بأن لبنان لن يقبل أن يكون ساحة مفتوحة للعدوان، فيما رأى آخرون أنّه تحدّ محفوف بالمخاطر وسط انقسام سياسي وأزمة اقتصادية خانقة. أما عربيًا، فقد لاقى الخطاب تقديرًا لافتًا كونه أخرج الموقف الرسمي من دائرة العموميات إلى الجرأة في تحميل إسرائيل والصامتين مسؤولياتهم.

دوليًا، التزمت العواصم الغربية بيانات باهتة تكرّر الدعوة إلى ضبط النفس، متجنبة إدانة إسرائيل، وهو ما يعكس ازدواجية المعايير التي نبّه إليها عون. لكن في المقابل، برزت محاولات عربية للتنسيق في الأمم المتحدة، قد تشكّل فرصة لتحويل خطاب الدوحة إلى ورقة ضغط جماعية، إذا توافرت الإرادة السياسية.

خطاب الدوحة أعاد لبنان إلى قلب المشهد العربي والدولي: من الإدانة التقليدية إلى المبادرة الجريئة. وعدوانية إسرائيل بعد الخطاب أكدت أنّ المعركة ليست مع لبنان وحده، بل مع منطق القوة الذي تحاول فرضه على حساب الشرعية الدولية. ويبقى السؤال: هل تتحول جرأة عون، التي وُصفت بأنها الأقوى منذ عقود، إلى نقطة انطلاق لمسار عربي جديد قادر على لجم إسرائيل، أم تبقى صرخة في وجه صمت عالمي يطيل عمر العدوان؟