اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١١ شباط ٢٠٢٥
نحن موعودون بقيامة جديدة. اللبنانيون، الذين تُركوا طويلاً لمصيرٍ لم يختاروه، الذين يعانون الأمرّين على كل الأصعدة باتوا يحسبون كلفة شراء حبة البنادول، متألمين، هائمين، لا يعرفون لا حاضرهم ولا مستقبلهم. اللبنانيون يسمعون عن مستشفى بيروت الحكومي الجامعي في الكرنتينا لكنهم كانوا يقلبون الصفحة معتبرين - بذهنية سائدة - أنه ليس لهم. اليوم، مطلوب من هؤلاء الذين لا معين لهم أن يراجعوا حساباتهم وينتبهوا إلى أن في العاصمة بيروت، في منطقة الكرنتينا بالتحديد، مستشفى لهم ولهم أولاً. فهل نتكلم إنشاء؟ هل بالفعل بات المستشفى مستعداً لاستقبالهم صغاراً وكباراً؟ ماذا أنجز هناك وماذا يتوقع أن يُنجز بعد؟ وما هي الإجراءات التي يفترض اتخاذها لحجز سرير في المستشفى الحكومي في بيروت - الكرنتينا في لحظات المواطنين الصحية الصعبة؟ جولة هناك ولقاء مع رئيس مجلس الإدارة طبيب العائلة الدكتور ميشال مطر.
المستشفى، من دون مجاملة، يبدو في الشكلٍ رائعاً، نظيفاً، مزوداً بأهم وأحدث الماكينات والأجهزة. المستشفى الذي دفع ثمناً باهظاً في تفجير مرفأ بيروت قام من الموت. هنا مركز العناية المشدّدة للأطفال الحديثي الولادة. مركز الخدج هنا. بصمات الدكتور روبير صاصي، رحمه الله، واضحة. السكانر جديدة. عيادة أطباء الأسنان حديثة. غرفة العمليات مميزة. عيادة الطب النفسي حاضرة تنتظر كل اللبنانيين الذين تركت فيهم الحروب المتعاقبة جروحاً اندمالها ليس هيناً. ننظرُ إلى الأطفال في الحاضنات، المولودين قبل الأوان، فنبتسم. أصبح لهم مكان مميز، حديث، قادر أن يمنحهم القدرة على الحياة. وماذا بعد؟ ما هو المسار الذي عبره المستشفى في جلجلته؟
الدكتور ميشال مطر، رئيس مجلس إدارة مستشفى بيروت الحكومي الجامعي في بيروت، يبدو سعيداً بما آلت إليه الأمور. فكيف يمكننا نقل التفاؤل الذي يجتاحه إلى المواطنين اللبنانيين؟ يجيب متحدثاً منذ البدء، عن بداياته في هذا المستشفى 'عينت في حزيران عام 2018 في موقعي. قديماً كانت المستشفيات الحكومية تتبع مباشرة لوزارة الصحة لكن في منتصف التسعينات، أيام وزير الصحة كرم كرم، بات لكل مستشفى حكومي مجلس إدارة يعمل تحت وصاية وزارة الصحة. المستشفى الحكومي في الكرنتينا تأسس في خمسينات القرن الماضي. توالى على المستشفى رؤساء مجالس إدارة هو الثالث بينهم. تُعاونه كارين صقر (المديرة التنفيذية) وهناك مفوض الحكومة لدى المستشفى الدكتورة ديانا شربل وهناك أعضاء مجلس إدارة.
تغيير الذهنية
فلندخل في اللبّ. حين نقول مستشفى حكومي يعتقد اللبنانيون، أو لنقل الغالبية العظمى من اللبنانيين، أنه ليس لهم، مع العلم أنهم بحاجة ماسة إليه. فكيف تعمل إدارة المستشفى على توثيق العلاقة مع المواطنين؟ يجيب 'العالم لديهم فكرة خاطئة عن المستشفيات الحكومية، علماً أنها كانت، يوم إنشائها، ممتازة. أتذكر أن والدتي جاءت بي إلى هنا، إلى المستشفى الحكومي في الكرنتينا، وأنا طفل. كان في المستشفى أطباء مميزون من الجامعة الأميركية وأوتيل ديو. لكن، إبان الحرب، أكلتها. وسادت ذهنية خاطئة عن المستشفى نحاول اليوم أن نعكسها. زمان، كان يأتي الناس المعوزون فقط، أما اليوم فبات يتقاطر من هم بحالة معيشية أفضل لأن أسعارنا منافسة جداً لأسعار المستشفيات الخاصة. لماذا؟ لأن لدينا إدارة رشيدة ولأن الهبات والإعانات التي تصل إلينا لا تصل إلى المستشفيات الخاصة. إنها سياسة وزارة الصحة لمساعدة المستشفيات الحكومية للوقوف على قدميها. وما نحتاجه اليوم هو إزالة من ذهنية الناس أن المستشفى الحكومي لاستقبال الخدم الآسيويين والأفارقة والسوريين. صحيح أننا نقول أهلاً وسهلاً بهؤلاء كونهم يدرّون أموالاً للمستشفى لتتمكن من سداد أجور العاملين فيها. أقسام المختبرات والأشعة تدخل لنا المال الكثير لكن ما نريده أن تصبح من اليوم وصاعداً مقصد اللبنانيين أيضاً. كلفة الفحوصات والصور الشعاعية هنا أقل من المراكز الصحية الأخيرة بكثير. سعر تصوير السكانر لا يزيد هنا عن خمسين دولاراً في حين في مستشفيات خاصة يتراوح بين 120 و150 دولاراً'.
من دون أن نسأل يطرح الدكتور مطر سؤالاً مع إجابته 'يسألونني: كيف بتوفي معكم أسعاركم؟ جواباً، لأن السكانر الذي نعمل عليه هو تقدمة، هبة، أما في المستشفيات الأخرى فيزيدون سعره على الفواتير. ويضعون كلفته في خضم الفاتورة، بحسب ما هو متعارف عليه، بين ثماني وعشر سنوات ليعيدوا ما دفعوه. يعني إذا كان سعر جهاز السكانر 600 ألف دولار يضيفونه على تسعيرة المرضى مدة عشر سنوات. أما نحن فما يهمنا هو كلفة الصيانة. وهي ليست قليلة'.
ماذا عن مساعدة الدولة لمستشفياتها الحكومية؟ 'إنها مجرد 'سندة' لا أكثر ولا أقل. نخجل من الكلام عن المبلغ. إذا أتانا مبلغ مليار ليرة لبنانية (أي ما يعادل 10 آلاف دولار) ماذا نفعل به؟ لا شيء. لهذا نعتمد على حالنا'.
'أسامي' روبير صاصي
يوم استلم الدكتور مطر رئاسة إدارة المستشفى كان الدكتور روبير صاصي قد أسس 'أسامي' ويقول مطر 'من خلال هذا المركز وصلتنا مساعدات كثيرة ومعدات لكن تفجير 4 آب، الذي يبعد 500 متر عن المستشفى الحكومي الذي كان مفترضاً الإنتهاء من بنائه وتجهيزه في 2020 (بدأ العمل به في 2015 وكان يفترض الانتهاء من بنائه في 2020) أعادنا إلى نقطة الصفر. وتطلبت إعادة تأهيله أربعة ملايين دولار، أتت هبات من جمعيات فرنسية وقبرصية وهبة مليون دولار من عائلة المرحوم فؤاد بطرس. واستلمت إعادة الترميم اليونيسف'. ويتذكر يوم استلم 'فكرتُ في الذهنية السائدة تجاه المستشفيات الحكومية. تحدينا أنفسنا والذهنيات القائمة. وأسسنا مجدداً لمستشفى نموذجي. والرب وضع يده معنا واشتغلنا جميعاً حتى أصبح اسماً في الخارطة الصحية'.
ينظرُ الدكتور ميشال مطر حوله ويقول 'هذا المبنى سيُصبح مبنى الأم والطفل. سيكون في خدمة الأطفال ويضم عناية فائقة للأطفال والخدج وحديثي الولادة. ونحن نتعاون مع كل الجامعات التي ترسل أطباءها ليتمرنوا هنا. وهناك تعاقد بيننا وبين جامعة البلمند. كما أننا بصدد مشروع تعاون مع اليسوعية'.
فلندخل أكثر في ما يهمّ الناس مباشرة. ماذا عن عدد الأسرة؟ ومن يستطيع الدخول، برأس مرفوع، إلى المستشفى الحكومي بلا واسطة والشعور بالإذلال؟ يجيب 'لدينا حاليا بين 70 و75 سريراً معظمها للأم والطفل. لدينا طابق للولادة، افتتحناه بشكلٍ غير رسمي، لأن الحرب الأخيرة حدثت في الوقت الذي كنا قد حددناه لذلك. لكن، النزوح الشديد من الجنوب إلى بيروت، ووجود 11 ألف إمرأة حامل، جعلنا ننطلق في عمل المركز بلا افتتاح. وجرت ولادة أكثر من إمرأة، من النازحات، في شهر، هنا'.
20 سريراً للكبار
في المستشفى الحكومي 23 سريراً للولادة وللعمليات النسائية. وهناك 20 سريراً، حرص الدكتور مطر، على تخصيصها لكبار السن 'كسر ورك، عملية مرارة، زائدة، وسواها' ويشرح 'لا تزيد كلفة عملية كسر الورك مثلاً عن ثلاثة آلاف دولار في المستشفى في حين تتقاضى المستشفيات الخاصة جراء ذلك أكثر من 10 آلاف دولار. نحن نتقاضى نسبة 40 في المئة فقط مما تتقاضاه تلك المستشفيات'.
فلندخل في الإجراءات الشكلية، ماذا لو سقط مسن وكسر وركه وتوجه إلى المستشفى الحكومي؟ ما هي الإجراءات المطلوبة للدخول؟ ماذا لو كان مضموناً لكن الضمان لا يعمل؟ وماذا لو كان منتسباً إلى تعاونية الموظفين لكنه غير قادر على الاستفادة؟ يجيب 'أهلاً وسهلاً بكل مواطن ولكن نحن (كما كل المستشفيات الخاصة) نسوي أوضاعنا حالياً مع الضمان الإجتماعي. نحن أتينا إلى هذا المستشفى عام 2018 وهناك علامات استفهام حول التعاقد مع الضمان، كون المستحقات لم تكن تُدفع، لكننا اليوم بصدد التعاقد من جديد 'فليقسطه لنا مسيو كركي، محمد كركي مدير الضمان، لنعود ونفتح صفحة جديدة. وسنلتقي به في منتصف شباط هذا في هذا الشأن. عدا عن هذا/ فنحن نرحب بكل المرضى اللبنانيين. أهلاً وسهلاً بهم'.
هل نفهم من هذا أن مريض الضمان غير القادر على الاستفادة حالياً من الضمان لا يمكنه الدخول إلى المستشفى الحكومي؟ يومئ بالإيجاب قائلاً 'هذا لأنه لا يمكنه أن يأتي بموافقة من وزارة الصحة للاستفادة كونه مضموناً'. هذا معناه أن الضمان أصبح عبئاً؟ 'إنه يتحسن. وأعتقد أن المشاكل ستُحلّ قريباً وسيتمكن من تغطية بين 40 و50 في المئة من قيمة الفاتورة قريباً. حين يحصل ذلك نسدد نحن فرق الضمان ويتعالج مجاناً مئة في المئة'.
ماذا عن المستفيدين من تعاونية الموظفين؟ 'هؤلاء يمكنهم الدخول، ومثلهم من يستفيدون من الطبابة العسكرية من جيش وقوى أمن داخلي وجمرك'.
يعود الدكتور ميشال مطر لشرح عدد الأسرة في المستشفى الحكومي في الكرنتينا 'لدينا 23 سريراً للأطفال. و12 حاضنة أطفال. ولدينا أيضا خمسة أسرة للعناية الفائقة للأطفال من عمر شهرين حتى 16 عاماً. ولدينا علاج شعاعي للأطفال وجناح للعمليات الجراحية للأطفال الذين يولدون بانسداد في المريء مثلاً. وعندنا طابق للعمليات النسائية. وطابق للكبار يضم بين 20 و 22 سريراً (كسور ومرارة وزائدة وفتق...)'.
غسيل الكلى قريباً
لا عمليات قلب تجرى حالياً في المسشتفى الحكومي. ماذا عن غسيل الكلى؟ 'وصلت للتوّ أجهزة الغسيل إلى لبنان وعددها ثمانية وابتداءً من الأول من أيار نبدأ استقبال المرضى حسب تعرفة الوزارة'.
سؤال بديهي، كم نسبة اللبنانيين الذين يقصدون حالياً المستشفى مقارنة بجنسيات آسيوية وأفريقية وسورية؟ يجيب 'قبل العام 2024 كان مرضانا سوريين وعمالاً أجانب بنسبة تزيد عن 80 في المئة، لكن نسبة اللبنانيين ترتفع وباتت تزيد حالياً عن ستين في المئة. أما حالات الولادة فهي بنسبة 100 في المئة من اللبنانيين، على اعتبار أن السوريات يلدْنَ على نفقة جمعيات'.
ماذا عن إمكانية الحصول على الأدوية مجاناً أو بأسعار مخفضة من المستشفى الحكومي في الكرنتينا؟ 'لا، ليس لإدارة مستشفى الكرنتينا علاقة بتوزيع الأدوية شهرياً. هذا من صلاحية إدارة مكتب الدواء الكائن وراء المستشفى. لكن، لدينا أدوية لمرضانا وعندنا مركز الرعاية الصحية الأولية والعيادات الخارجية وتضم أطباء عيون وقلب وأطفال ولقاحات توزع مجاناً وطب عائلة. نحن نؤمّّن أدوية إلى هؤلاء فقط. كما حصلنا على هبة من UNDP بقيمة مليون دولار شيّدنا بها عيادة خارجية لذوي الإعاقة وطلبنا من أركنسيال إدارتها لتساعد في إعادة التأهيل'.
هل يمكن لرئيس مجلس إدارة مستشفى بيروت الحكومي في الكرنتينا أن لا يقفل بابه في وجه أحد؟ هو سؤال كبير يجيب عليه بالقول 'حلمتُ بذلك منذ اليوم الأول الذي استلمت فيه مهامي. حصل ما حصل من تطورات أخّرتنا. لكننا اليوم نعمل بجهد على تصويب الأمور. ما نريده هو كسر الذهنية القديمة تجاهنا. وأعتقد أن مركز غسل الكلى سيشكل قريباً فارقاً. لدينا عيادتا طب أسنان. كما نبني حالياً من خلال UNDP مركزاً لإعادة تدوير النفايات الطبية الذي سيستقبل نفاياتنا ونفايات مستشفيات أخرى، ينتهي العمل به في حزيران المقبل. كما بدأنا في أعمال تشييد مبنى جديد مكان المبنى القديم بهبة من دولة قطر، سيضم 70 سريراً ويصبح مستشفى عام للكبار خلال 24 شهراً. أما المركز الحالي فسيتحول كله للأم والطفل'.
ما يريده مطر هو عدم إقفال باب المستشفى في وجه أحد. والعمل دؤوب في هذا الإتجاه. مساحة المستشفى تزيد عن 10 آلاف متر مربع. وماذا بعد؟ نجول في تفاصيل المستشفى. كل شيء تأسس وفق المعايير العالمية. قسم الطوارئ واسع ويستقبل 24 على 24 من يحتاج. هنا مختبر الدم. وهنا قاعة المؤتمرات. هنا العيادة النفسية. وهناك المطبخ النموذجي. وهنالك غرف منامة الأطباء المتمرنين. نقف أمام قسم حديثي الولادة ونقرأ: قسم الأم والطفل، روبير ك. صاصي. رحل الدكتور صاصي تاركاً إرثاً للأجيال. وها هو الدكتور ميشال مطر يفكّر في مستقبل الإرث وفي وضع كبار السنّ الذين يئنون في أسرتهم غير قادرين على زيارة طبيب. لكل هؤلاء مستشفى حكومي نتمنى أن يكون بالفعل دائماً ملجأ كل من يعوز سرير مستشفى ووصفة طبيب.