اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
كلّ إنسانٍ يحمل في داخله نوراً ينتظر الاكتشاف، وأثراً ينتظر الظهور. والتمايز بين الأنامِ لا تصنعه الظروف، بل طريقة رؤيتنا لأنفسنا وللحياة.
اعرف ذاتك قبل أن يعرفك الآخرون.
فأعمقُ رحلةٍ يمكن أن يخوضها الإنسان هي تلك التي تبدأ من داخله، نحو معرفة مَن يكون حقاً. ليست المعرفة هنا بالمظهر أو اللقب أو الدور الاجتماعي، بل بالجوهر، بالضمير الذي يسكن في الدّاخل بغض النّظر عن مظاهر السلوك، وبالنية التي تحرّك. حين يعرف المرءُ ذاته فقد خطا جيدا لمعرفة ربه.
لا يحتاج المرءُ إلى تصفيقٍ ولا إلى اعترافٍ من أحد، لأنه يكون قد بلغ شبه يقينٍ بنفسه. ومن لا يعرف نفسه، يظلّ تائهاً في مرايا الآخرين، يرى انعكاساتهم فيه، فيتلوّن بألوانهم وينسى لونه الحقيقي، فيصبحُ أمعةً لا قيمة لها.
إحسانك نعمة لك قبل لغيرك.
الخير الذي يزرعه المرءُ في الآخرين، يعود إليه على نحوٍ أسرع وأعمق مما يظن. ليس العطاء صدقةً ماليةً فحسب، بل هو نظرة ودّ، وكلمة طيبة، وابتسامة تسندُ قلباً تعباً.
حين يُحسن، فإنه ينعش نفسه أولاً، لأن الإحسان يطهّر القلب من الأنانية، ويُعيد إليه توازنه. كم من إحسانٍ خَفيّ، لا يراه الناس، كان سبباً في سكينةٍ عميقةٍ بين العبد وربّه.
فاجعلي، يا نفسُ، إحسانكِ عادةً، من توفيقِ الله، لا مصلحة، ورسالةً لا مناسبة، ليغدو المحسن مفيدا ومستفيدا من نور إحسانه، ومن شذا عطره، ومن صدقه كما من صدقِ الصادقين، ومن إخلاصه كما من إخلاص المخلصين.
لا تحقّر خيراً صغيراً أو كبيراً.
ربّ كلمةٍ بسيطة أنقذت روحاً، وربّ التفاتةٍ صادقةٍ بدّلت حالاً. الأعمال العظيمة تبدأ بنوايا صغيرة، لكنها صادقة، صافية، نقيّة، شفّافة، نراها على حقيقتها، لا كما يريد المتلوّنون أن نراها.
قالت لي الحياةُ بعد بلوغي عمرا وضعفا: لا تنتظر أن تُغيّر العالم لتصنع أثراً، فالعالم يبدأ من قلبك. في كلّ يومٍ فرصةٌ لفعل الخير: مساعدة عابر، مسامحة غائب، واستماعٍ الى عاتب، أو تلبية نداء محتاج.
الله لا ينظر إلى حجم العمل، بل إلى صدق القصد فيه. وإن خفي العمل عن الناس، فالكل مكشوفٌ أمام ربه. فلتزرعي الخير بصمتٍ، يا نفسُ، ودعي الأثر يتحدث حين تغيب الأبدان، ويَتلاشى الحُضورُ في غياهبِ النسيان.
الصدق قيمة تُرضي الله وتُحيي الحياة.
الصدقُ هو عنوان القلب النقيّ، فبهِ يصبحُ القلبُ سليماً، وهو ما ينبغي أن يكونَ مفتاحَ الثقة بين الناس.
الصدق ليس في القول فقط، بل في النيّة والفعل «والموقِف».
قالت لي مرايا الروح: أن تكون صادقاً يعني أن تُصغي لضميرك، وأن تُعلن الحقيقة وإن خالفت هواك. بالصدق تُبنى الصِّلاتُ على الثقة، وتُصلح النفوس طريقها نحو الله. وعكسُ الصدق، مهما تجمّل، لا يدوم، لأن الحقّ يسطع ولو بعد حين.
وأردفتِ المرايا قائلةً: كن، يا صاحِ، صادقاً لتطمئنّ نفسُك، ولتجعل حياتك شهادة حيّة على أن القيمَ الطّيبةَ لا تموت مهما تبدّلت العصور.
خِتاماً، الحياة لا تُقاس بطولها، بل بما تركناه فيها من صدقٍ وإحسان. والقلوب التي تعرف ذاتها وتزرع خيرها، تظلّ حيّة في الحضُور والغياب، ولا يخفى على الله خافية لا في أرضه ولا في سمائه.
د. غَازِي قانصو
من كتاب: «مرايا الرُّوح»







 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 









































































 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 