اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٧ أيلول ٢٠٢٥
لا تكترث القيادة الإسرائيلية لأي صوت داخلي أو خارجي مهما كان عاليًا، طالما تحظى بضوء أخضر أميركي أو أقلّه أن تغض واشنطن نظرها عن خطوات تل أبيب السياسية أو العسكرية التي تثير غضب قوى ومنظمات، إقليمية ودولية. بدأ الجيش الإسرائيلي فجر الثلثاء المرحلة الأساسية من هجومه البرّي نحو وسط مدينة غزة، تحت غطاء من القصف العنيف والمكثف، الذي يؤكد شهود أنه من الأقوى منذ بداية الحرب. لا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي عَقّد جهود الهدنة المتعثرة أصلًا، في وارد التراجع عن حروبه التي يخوضها على جبهات عدّة، ولو قيد أنملة في المدى المنظور، فبينما حضر جلسة محاكمته بتهم فساد في تل أبيب أمس، أعلن بدء عملية مكثفة في مدينة غزة، ليعود ويأمر لاحقًا بشن هجوم على ميناء الحُديدة في اليمن، بالتوزاي مع تنفيذ عمليات في الضفة الغربية، حيث يسقط قتلى فلسطينيون بشكل شبه يومي، واستمرار الضربات على لبنان وسوريا.
وفيما تحدّث وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن أن غزة تحترق، أكد الجيش الإسرائيلي أن قوّاته شرعت بعملية برّية واسعة في أرجاء مدينة غزة في إطار عملية عربات جدعون 2، بهدف تحقيق أهداف الحرب في قطاع غزة. وقدّر أن 350 ألفًا من سكان مدينة غزة خرجوا منها حتى الآن، في وقت اعتبرت فيه منظمة اليونيسف أنه من غير الإنساني توقع مغادرة مئات الآلاف من الأطفال مدينة غزة لأن المخيّمات الواقعة في الجنوب غير آمنة ومكتظة وغير مجهّزة لاستقبالهم، علمًا أن عشرات القتلى يسقطون يوميًا في أنحاء القطاع.
أجرى رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير تقييمًا في القطاع بعد جولة على هجوم الفرقة 98 في مدينة غزة، موضحًا أن الهدف هزيمة لواء حماس في المدينة وليس إبادة حماس في كامل القطاع. واعتبر أن المناورة داخل المدينة خطوة حاسمة لتنفيذ أسمى وأهم مهمّة، وهي إعادة جميع الرهائن إلى أهلهم وإسقاط القدرات العسكرية والحكومية للمنظمة الإرهابية حماس، في حين توقع الجيش الإسرائيلي أن تستمرّ عمليّته في مدينة غزة عدّة أشهر حتى تكتمل، في أوّل جدول زمني يُعلنه في شأن خطّته للسيطرة على أكبر مراكز التجمّع السكاني في القطاع.
ويأتي الانقضاض الإسرائيلي على مدينة غزة بعد يوم من القمّة العربية - الإسلامية وبالتزامن مع اعتبار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أن الهجوم الإسرائيلي على المفاوضين في الدوحة كان انتهاكًا صادمًا للقانون الدولي، واعتداء على السلام والاستقرار في المنطقة، داعيًا إلى وقف المذبحة في غزة. كما يتزامن الهجوم مع صدور تقرير عن لجنة التحقيق الدولية المستقلّة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، خلص إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، واعتبر أن كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمَن فيهم نتنياهو، حرّضوا على هذه الأفعال، وهي اتهامات وصفتها إسرائيل بأنها مشينة وكاذبة، فيما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ما يحدث في مدينة غزة بـ المروّع.
وإذ اعتبر غوتيريش أن الحرب في الأراضي الفلسطينية غير مقبولة أخلاقيًا وسياسيًا وقانونيًا، رأى أن إسرائيل عازمة على الذهاب حتى النهاية وليست منفتحة على أي مفاوضات جادة لوقف النار، مبديًا استعداده للقاء نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة الأسبوع المقبل، علمًا أن ترامب، الرجل الوحيد القادر على رسم خط أحمر لنتنياهو، حذر من أن حماس تستخدم أسلوب الدروع البشرية القديم، متوعّدًا بأنه إذا فعلوا ذلك، فسيكونون في ورطة كبيرة. وأوضح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي زار إسرائيل ثمّ توجّه إلى الدوحة، أنه ذهب إلى إسرائيل لأن ترامب يريد إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء والأموات، جازمًا بأن ترامب يريد إنهاء الصراع.
في الأثناء، كشف نتنياهو أن ترامب دعاه إلى البيت الأبيض للقائه هذا الشهر، واتهم قطر بتمويل حماس، معتبرًا أن ضربة الدوحة كانت مبرّرة، لأن قطر اختارت عدم استخدام أدوات الضغط القوية التي تملكها، وفق نتنياهو. وكان الأخير قد حسم خلال فعالية في مدينة داود في القدس أن المدينة تابعة لنا، وأنها لن تُقسّم مجدّدًا، ولن تكون هناك دولة فلسطينية، متوعّدًا بأن أي إجراء أحادي الجانب سيُقابل بإجراء أحادي الجانب، بينما كان لافتًا تلميح السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي خلال مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست إلى أنه إذا قرّرت إسرائيل فرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية، فإن واشنطن ستحترم ذلك القرار ولن تملي الشروط على تل أبيب.
وبعد يوم من احتضان قطر قمة الدوحة، استقبل الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد، روبيو، في الدوحة أمس. وأفادت وكالة قنا بأن الرجلين استعرضا العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها، خصوصًا في المجالات الدفاعية... وبحثا تداعيات الهجوم الإسرائيلي الغادر على الدوحة، ومستقبل الجهود الدبلوماسية المشتركة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وخفض التصعيد في المنطقة.
وأكد روبيو أنه جرى خلال اللقاء تأكيد الشراكة الأمنية الدائمة بين أميركا وقطر، والتزامنا المشترك بإرساء منطقة أكثر أمنًا واستقرارًا، موضحًا أنه شكر بن حمد على جهود الوساطة المستمرّة التي تبذلها قطر للتوصّل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وحماس ولإعادة الرهائن إلى ديارهم. وذكرت الخارجية الأميركية أن روبيو جدّد الدعم الأميركي القوي لأمن قطر وسيادتها. وكان روبيو قد أكد خلال مغادرته تل أبيب أنه يجري وضع اللمسات النهائية على اتفاقية تعاون دفاعي معززة مع قطر، في حين أفادت الخارجية القطرية بأن بن حمد وروبيو ناقشا التعاون الدفاعي، موضحة أن هذا الهجوم (الإسرائيلي)، بطبيعة الحال، يعجّل الحاجة إلى تجديد اتفاقية الدفاع الاستراتيجي بيننا وبين أميركا، إنه ليس أمرًا جديدًا في حدّ ذاته، لكنه جرى التعجيل به بالتأكيد.
على الجبهة اليمنية، قصف الجيش الإسرائيلي بنية تحتية عسكرية في ميناء الحُديدة اليمني خلال أحدث هجوم على ميليشيا الحوثي المدعومة من طهران، فيما أفادت قناة المسيرة الحوثية أن 12 غارة إسرائيلية استهدفت أرصفة ميناء الحديدة. وكشفت وكالة رويترز أن الغارات استهدفت ثلاثة أرصفة أُعيد ترميمها بعد ضربات إسرائيلية سابقة. وتوعّد كاتس بأنه سيستمرّ التنظيم الإرهابي الحوثي في تلقي الضربات وسيدفع ثمنًا باهظًا لأي محاولة لمهاجمة دولة إسرائيل. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية لاحقًا أن المنظومات الدفاعية اعترضت صاروخًا أُطلق من اليمن.