لايف ستايل
موقع كل يوم -في فن
نشر بتاريخ: ١٩ أيلول ٢٠٢٥
شهد مهرجان صيف الزرقاء العربي المسرحي في الأردن لحظة استثنائية هذا العام، بعدما خطفت مسرحية كونتينر الأضواء وحولت مشاركتها إلى حدث بارز في المشهد المسرحي العربي، فقد تمكن العمل من تحقيق إنجاز نوعي نادر، بحصده أربع جوائز كبرى دفعة واحدة.
وذهبت جائزة أفضل ممثلة للفنانة مريم حسين عن أدائها المؤثر الذي تفاعل معه الجمهور بحرارة، وحصل الممثل كُميل العلي على جائزة أفضل ممثل، بينما نال الكاتب عباس الحايك جائزة أفضل نص، فيما تُوج المخرج عقيل الخميس بجائزة أفضل إخراج، ليؤكد العرض تفوقه في مختلف عناصره الفنية. وقد جاء هذا النجاح بدعم ورعاية من هيئة المسرح والفنون الأدائية، ما أتاح للعمل أن يقدَّم بصورة احترافية ويترك بصمة واضحة في المهرجان.
ويعود جانب من هذا التميز إلى الجهود التدريبية التي خضع لها فريق التمثيل، إذ تولى الممثل حسن العلي تدريب الممثلين على الأداء وصقل أدواتهم، ولعب دورًا كبيرًا في البروفات التحضيرية للمشروع، ما انعكس على قوة الحضور فوق خشبة المسرح وتجسيد الشخصيات بعمق وإقناع.
هذا التتويج جاء تتويجاً لمسيرة عمل مسرحي حمل في طياته الكثير من العمق الإنساني والرمزية، إذ يطرح 'كونتينر' حكاية اللاجئين في قالب درامي مكثف، وتدور الأحداث داخل حاوية معدنية تستخدم كمأوى مؤقت لزوجين، يعيشان صراعًا نفسيًا بين ذاكرة مثقلة بالمآسي والاعتقال والخوف من المجهول، وبين رغبة عارمة في النسيان وبدء حياة جديدة. ومن خلال هذا الفضاء الضيق، يتمكن النص من استحضار معاناة إنسانية شاملة، تتجاوز حدود المكان والزمان لتصبح قصة يمكن أن تحدث في أي نقطة من العالم يشهد صراعات وحروبًا ونزوحًا.
الكاتب عباس الحايك صاغ النص بوعي إنساني عميق، جعل الحكاية أشبه بمرايا متعددة تعكس صور القهر والاغتراب من جهة، والأمل والإصرار على الحياة من جهة أخرى. ولعل أبرز ما ميّز النص هو قدرته على المزاوجة بين اليومي والرمزي، بين مشاهد الحميمية الزوجية وما يرافقها من لحظات ضعف وقوة، وبين الرموز الكبرى التي يجسدها المكان (الحاوية) وصوت الطرقات على الباب وصور التحقيق والاعتقال التي تلاحق الشخصيات حتى في لحظات محاولاتها للنسيان.
أما إخراج عقيل الخميس فقد أضفى على العمل بعدًا بصريًا وحسّيًا لافتًا، إذ اعتمد على البساطة في التشكيل الركحي مع توظيف الإضاءة والموسيقى والإكسسوارات الصغيرة لتكثيف الأجواء المشحونة.
بدا الكونتينر في العرض أكثر من مجرد فضاء مسرحي؛ لقد تحول إلى رمز للحياة المؤقتة والهشاشة، لكنه في الوقت ذاته مكان يفيض بالأمل، حيث يمكن أن تبدأ الحكايات الجديدة وتنبت البذور رغم القيود. هذا التوظيف البصري والرمزي جعل لجنة التحكيم تمنح الخميس جائزة أفضل إخراج، باعتباره نجح في خلق عرض متكامل يوازن بين النص والتمثيل والتقنيات.
في المقابل، حمل الأداء التمثيلي قوة إضافية للنص والإخراج. فقد تمكنت مريم حسين من تجسيد شخصية الزوجة التي تحاول دفن الألم عبر التمسك بالنسيان، في مواجهة زوج يصرّ على استحضار الذاكرة بما تحمله من وجع وخوف. هذا التوتر بين النسيان والتذكر ظهر في أدائها بانفعالات مدروسة وحضور طاغٍ على الخشبة، ما جعلها تستحق بجدارة جائزة أفضل ممثلة. كذلك نجح كُميل العلي في أداء شخصية الزوج، ليضيف للمسرحية طبقة أخرى من العمق، متقاطعًا مع أسئلة الهوية والكرامة والقدرة على مواجهة الماضي.