اخبار لبنان
موقع كل يوم -الميادين
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
'إسرائيل' تهندس التجويع: أسواق غزة فارغة برغم مرور المساعدات
برغم فتح المعابر جزئياً، لم يشهد قطاع غزة أي تحسن ملموس، إذ تستمر المجاعة ونقص المواد الأساسية وسط ارتفاع هائل في الأسعار. وتُستخدم المساعدات كأداة ضغط سياسي، ويُتهم الاحتلال بتحويلها إلى وسيلة لفرض التهجير القسري وتقسيم القطاع.
لم يُسفر فتح المعابر الإسرائيلية جزئياً عن أي تحسن ملموس في أوضاع قطاع غزة، إذ ما تزال الأسواق خاوية من المواد الغذائية الأساسية، وسط ارتفاع حاد في الأسعار تجاوز عشرات الأضعاف، لا سيما سعر الدقيق برغم تدني جودته.
وبرغم التصريحات المتكررة حول إدخال المساعدات، لم تصل إلى غزة سوى شاحنات معدودة، بينما يحتاج القطاع إلى نحو 600 شاحنة يوميًا لتلبية الاحتياجات الأساسية، وبعد أكثر من 80 يومًا من الإغلاق الكامل، عادت بعض الأفران للعمل لفترة قصيرة قبل أن تتوقف مجددًا بسبب نفاد الدقيق والوقود، وسط مجاعة متفاقمة، خاصة في شمال القطاع المعزول عن أي إمدادات إنسانية.
وتأتي هذه الأزمة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، وتصاعده بعد انهيار الهدنة في 18 آذار/مارس، وسط توسع التوغّل البري وإخلاء مناطق واسعة ما فاقم أوضاع السكان ودفع كثيرين لتناول علف الحيوانات والدقيق الفاسد، واستخدام البقوليات كبديل بدائي للطحين.
الأسواق فارغة والتصريحات مراوغة
وفي هذا الإطار، يقول الفلسطيني ناصر عياش للميادين نت إنّ 'الاحتلال يدّعي إدخال شاحنات المساعدات ليروّج إعلامياً وكأن غزة تعيش حالة ازدهار، بينما الواقع مختلف تماماً على الأرض؛ فالمحلات التجارية خالية من المواد الأساسية، والأسعار مرتفعة بشكل غير معقول، ولا يستطيع معظم السكان تحملها بسبب التدهور الحاد في أوضاعهم الاقتصادية وفقدان مصادر الدخل المستمرة.'
ويضيف عياش، أنّ 'أهالي غزة يعانون من مجاعة حادة تتفاقم يوماً بعد يوم، حتى بات الكثيرون عاجزين عن تأمين قوت يومهم، وهناك نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والسكر والدقيق، ما يضطرهم لشراء كميات قليلة بأسعار باهظة تفوق قدرتهم المالية'.
أما الفلسطيني عدنان طافش، فيؤكد أنّ تصريحات الاحتلال بشأن إدخال المساعدات مجرد مراوغة للتهرب من الضغوط الدولية، مشيراً إلى أنّه تفقد الأسواق خلال اليومين الماضيين على أمل رؤية أثر حقيقي لهذه التصريحات، لكن الأسواق لا تزال خاوية والسلع نادرة وأسعارها مرتفعة بشكل غير مبرر.
ويضيف في حديثه إلى الميادين نت: 'نحن نواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة، حتى تكايا الطعام الخيرية التي كنت أعوّل عليها توقفت تماماً بسبب نقص المواد الأساسية'، موضحاً أنّ 'الحديث عن فتح المعابر أصبح مجرد وهم يُروّج له بعيداً من واقعنا المرير، والذي يُستغل لتنفيذ مخططات الاحتلال العسكرية والسيطرة على القطاع'.
ويشدد طافش على رفضه القاطع لتعاون الاحتلال مع الشركة الأميركية الجديدة لتوزيع المساعدات، والتي تنتهك حقوق الفلسطينيين وتسعى إلى فرض واقع قاسٍ على سكان غزة، مطالباً بضرورة وقف إطلاق النار ووقف جرائم الإبادة، إلى جانب فتح المعابر ودخول المساعدات الإنسانية.
انهيار الحركة التجارية
من جهته، يعبّر بائع المواد الغذائية شادي منصور عن غضبه الشديد من شحّ البضائع واستمرار إغلاق المعابر، متهماً الاحتلال بسرقة الشاحنات التي يدّعي حمايتها لمصلحة المنظمات الدولية.
ويوضح منصور في حديثه إلى الميادين نت، أنّ الاحتلال سمح بدخول الدقيق للمخابز ليوم واحد فقط، قبل أن يعلن برنامج الغذاء العالمي توقفه عن العمل نتيجة نقص الدقيق والوقود، لافتاً إلى 'الحديث عن إدخال مساعدات ما هو إلا ذر رماد في العيون، ويُستخدم كغطاء لتنفيذ مخططات الاحتلال الإجرامية التي تُرتكب تحت مسمى العمل الإنساني'.
بدوره، يؤكد بائع الحلويات في سوق الصحابة بمدينة غزة، راشد الهندي، للميادين نت، توقف عمله بالكامل بعد إغلاق محله نتيجة نقص البضائع وارتفاع الأسعار غير المسبوق، إذ ارتفع سعر كيلو السكر من 8 شواكل (نحو 2 دولار) إلى 160 شيكلاً (نحو 45 دولاراً) خلال شهرين فقط، ما جعل صناعة الحلويات شبه مستحيلة.
ويحذر الهندي من أن استمرار الحصار والقيود المشددة على إدخال البضائع والمساعدات سيقود القطاع إلى انهيار شامل في الحركة التجارية، ويعمّق الأزمة الإنسانية، مما يفاقم حالة المجاعة التي تضرب السكان بشكل متزايد.
المساعدات سلاح ابتزاز وتهجير
فيما سمح الاحتلال بدخول عدد محدود جداً من الشاحنات، وهو ما وصفه رئيس جمعية النقل الخاص في غزة، ناهض شحيبر، بأنه 'هدف لتخفيف الضغط الدولي واستهلاك إعلامي'، معرباً عن أمله في زيادة الكميات لاحقاً لإنهاء حالة المجاعة.
ويتصاعد الصراع حول 'إدارة المساعدات الإنسانية' في غزة، وسط اتهامات بتحويلها إلى أداة ضغط سياسي ضمن خطة أميركية-إسرائيلية لتوزيع المساعدات عبر أربع نقاط في جنوب القطاع، بإشراف شركة خاصة وحماية عسكرية، ما أثار رفضاً واسعاً من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لابتعادها عن المعايير الإنسانية.
من جانبه، يعرب مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا، عن رفضه لهذه الخطة، معتبرًا أنّها تكشف أهدافاً أمنية لفرض نزوح قسري، وتنتهك مبادئ العمل الإنساني من خلال آلية تشرف عليها قوات الاحتلال وشركات أمنية، بدون مراعاة الحاجة الفعلية.
ويحذر الشوا خلال حديثه إلى الميادين نت، من غياب ضمانات السلامة وتكدس السكان في نقاط توزيع محدودة، مشدداً على أن الخطة تشكل جزءاً من مخطط 'الفقاعات الإنسانية' لتقسيم القطاع وتهجير السكان قسراً.
من جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر للميادين نت أن 'إسرائيل' تدير تجويع غزة بشكل منهجي، عبر إدخال مساعدات لا تغطي سوى 5% من احتياجات السكان، برغم حاجة القطاع إلى 800 شاحنة يوميًا، فضلاً عن عدم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي نص على إدخال 600 شاحنة يوميًا.
ويلفت أبو قمر إلى أن خطة الاحتلال، بالتعاون مع شركة أميركية، تعتمد توزيع المساعدات عبر أربع نقاط مزدحمة تخدم 2.4 مليون نسمة، في إطار خطة تهدف إلى تهجير السكان قسرًا داخل معسكرات، محذرًا من أن 'إسرائيل' تستخدم المساعدات كورقة ابتزاز وعقاب جماعي.