اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يجب التأكيد بداية أن رئيس الجمهورية جوزاف عون ليس شريكًا لـحزب الله على غرار سلفه الرئيس ميشال عون، بل يريد، قولًا وفعلًا، أن تحتكر الدولة وحدها السلاح. كما يعلم تمامًا أن انتخابه لم يحصل بقرار من الحزب أو بدفع منه لكي يكون وفيًا لانتخابه. فقد أبقى الثنائي الإيراني الموقع الأول شاغرًا أكثر من سنتين سعيًا لتكرار سيناريو انتخاب الرئيس ميشال عون مع النائب السابق سليمان فرنجية الذي لا يطعن المقاومة بظهرها، وهو دعم أدى إلى الافتراق مع النائب جبران باسيل الذي كان يطمح للحصول على ترشيح الحزب أو من يسميه بسبب العقوبات الأميركية عليه بالفساد.
ويدرك الرئيس جوزاف عون أن حزب الله لم يكن أمامه خيار سوى انتخابه في ظل الاندفاعة الأميركية والسعودية، وأن عدم انتخابه كان سيضع الحزب أمام خيارات رئاسية أكثر راديكالية. ويدرك أيضًا أن انتخابه هو ترجمة لميزان قوى داخلي وخارجي جديد، وأن هذا الميزان، وتحديدًا الخارجي، يتبلور أكثر فأكثر مع انكفاء المحور الذي صادر القرار الرسمي اللبناني طوال 35 عامًا. وبالتالي، يستند الرئيس إلى ميزان قوى دولي وإقليمي ومحلي لم يعد فيه مكان للبنان الساحة.
ويدرك أيضًا أن من يعيق دوره ويُبقيه في موقع إدارة الأزمة، ويمنع قيام دولة حقيقية وطبيعية، ويُبقي لبنان محاصرًا ماليًا واقتصاديًا وغير مستقر أمنيًا، هو حزب الله، ومن مصلحته الشخصية والوطنية، معًا، ألا يكون عهده استمرارًا لعهود إدارة الأزمة، بل أن يشكل خاتمة لها.
ويعبِّر الرئيس عون في خطاباته وبياناته ومواقفه عن تمسكه الواضح بمشروع الدولة، ورفض السلاح غير الشرعي خارجها، ورفض الاستمرار في سياسة الحروب. وخطابه الاستقلالي الأخير شديد الوضوح في هذا الاتجاه، بل ذهب أكثر من ذلك بإثارة مسألة بغاية الأهمية شكلت تاريخيًا الضعف الجوهري في البنيان اللبناني، وهي الانتماء والولاء، إذ لا يكفي فعليًا نزع السلاح، على أهميته، بل المطلوب أن يكون الولاء للبنان والانتماء للدولة والوطن من البديهيات على غرار أي دولة مستقرة في هذا العالم، وخلاف ذلك يعني التهيئة والتمهيد لجولة عنف جديدة بعد تبدُّل ميزان القوى الحالي.
فالمدخل إلى أي استقرار ثابت يكمن في حسم مسألة الولاء والانتماء. وعندما تحسم هذه المسألة، تُصبح الخلافات والانقسامات والصراعات تحت سقف الدولة، من دون أن تُهدِّدها بالانهيار والحروب. وما لم تحسم هذه الناحية في المرحلة المقبلة، يصبح من الضروري التفكير الهادئ بتغيير النظام السياسي تلافيًا لحرب حتمية بعد حين.
وهنا بالذات تبرز الهوة الكبرى مع حزب الله الذي لا يقتصر الخلاف معه على سلاحه غير الشرعي، بل على ولائه لإيران وانتمائه إلى مشروعها الديني والسياسي على حساب المشروع اللبناني. ولا يوجد اليوم في لبنان أي فريق سياسي أو جماعة، باستثناء الحزب، لها أي ولاء أو انتماء لدولة أخرى غير الدولة اللبنانية.
وتحدّث رئيس الجمهورية في خطابه الاستقلالي عن انطباعين متناقضين يجسدان، برأيه، الانقسام بين اللبنانيين، وأنه يضع نفسه على مسافة واحدة من الفريقين، ويبحث عن مساحة مشتركة تشكل تقاطعًا بينهما. لكنه، لم يكن موفقًا في هذه المقاربة للأسباب التالية:
أولًا، الانطباع الأول صحيح ودقيق بأن حزب الله، من دون أن يسميه، يتصرّف وكأن شيئًا لم يتغيّر، لا عندنا ولا حولنا ولا في فلسطين ولا في سوريا ولا في العالم، وهذا التصرف ينم عن مكابرة أو حالة إنكار ليقنع هذا البعض نفسه، بأنه يمكنه الاستمرار بما كان قائمًا من تشوهات في مفهوم الدولة وسيادتها على أرضها، منذ 40 عامً.
ثانيًا، الانطباع الثاني غير صحيح وغير دقيق، إذ ليس هناك أي فريق لبناني يتعامل مع الزلزال الذي حصل باعتباره قضى على جماعة كاملة في لبنان، أو كأن طائفة لبنانية بكاملها زالت أو اختفت، أو كأنها لم تعد موجودة في حسابات الوطن والميثاق والدولة.
ثالثًا، الخطورة التي لم يتنبّه لها الرئيس، ربما، هي أن مجرّد تبنيه مقاربة الثنائي الحزبي الشيعي يسيء إلى مقاربته الشخصية وسعيه إلى دولة بسلاح شرعي فقط، لأن هذا الثنائي يحرِّض بيئته على أن أحد الأهداف الرئيسية للمواجهة معه هي القضاء على الشيعة، وأن تمسكه بسلاحه هو للدفاع عنهم. وبالتالي، يرفد رئيس الجمهورية من دون قصد، ربما، خطاب حزب الله الذي سيقول من الآن فصاعدًا لجمهوره: أرأيتم؟ حتى رئيس الجمهورية يقرّ بأنهم يريدون القضاء عليكم، وسلاحي هو لحمايتكم والدفاع عنكم؟.
رابعا، من حق رئيس الجمهورية طبعًا البحث عن تسويات للخروج من المأزق الوطني وصولًا إلى الدولة الفعلية، وعلى قاعدة عدم تبني وجهة نظر واحدة. لكن ليس من حقه تأويل مواقف فريق سياسي بما لم يقله إطلاقًا ولا يدخل في نواياه ولا في أهدافه. فمن من اللبنانيين يريد استبعاد الشيعة من حسابات الوطن والميثاق والدولة؟ ومن يريد المس بصلاحيات الشيعة في النظام؟ وهل اطلع الرئيس على مواقف القوى السياسية كافة، وفي طليعتها القوات اللبنانية، التي تشكل رأس حربة، وخطابات رئيسها الدكتور سمير جعجع الموجّهة إلى الشيعة في شهداء المقاومة اللبنانية، وفي كل المواقف التي يطلقها؟
خامسًا، المواجهة مع الثنائي الحزبي الشيعي ليست مواجهة مع الشيعة، ولا هي مواجهة من طبيعة طائفية، بل مع المشروع الذي يحمله هذا الثنائي، بدءًا بتمسّكه بسلاح غير شرعي وانقلابي على الدستور منذ 35 عامًا، مرورًا باستجراره الحروب والويلات والكوارث والخراب والموت والدمار والتهجير، وصولًا إلى إلحاق لبنان بإيران ومحورها الانعزالي عن المنطقة والعالم. ومن يمنع رئيس الجمهورية من إرساء دولة فعلية هو هذا المشروع تحديدا، لا الفريق الذي يطالب بدولة وسلاح واحد ودستور.
سادسًا، القول إن بعض اللبنانيين يتعامل مع الزلزال بأنه أزال طائفة من الوجود، يوحي بأن رئيس الجمهورية يتعامل مع الثنائي الحزبي الشيعي بوصفه يختصر الطائفة الشيعية كلها، وأن الخيار الشيعي اللبناني غير موجود. وهذا غير صحيح إطلاقًا. فبالرغم من السلاح والترهيب والمال، هناك شريحة شيعية واسعة جدًا مع مشروع الدولة وولاؤها للبنان الوطن والدولة.
سابعًا، كان المطلوب من الرئيس أن يدعو الثنائي الحزبي الشيعي إلى العودة إلى لبنان بشروط الدولة والالتزام بمشروعها، وأن يتعهّد لهما، من موقعه، بأن يكون الضامن لمنع أي انتقام او تشفّ أو استنسابية، على غرار ما مارسه هذا الثنائي بالذات ضدّ سائر اللبنانيين.
ثامنًا، حاول الرئيس الاقتباس من قاموس سمير فرنجية، لكنه لم يوفق. ففرنجية دعا بوضوح حزب الله إلى العودة إلى المشروع اللبناني بشروط الدولة اللبنانية، وسعى إلى إغرائه بتسوية بأثر رجعي تقوم على أن كل الطوائف أخطأت، وأن الحزب ساهم بتحرير لبنان من الإسرائيلي، وأن السنة ساهموا بتحريره من جيش الأسد، والمسيحيون من الفلسطيني. وكان هدفه القول إن الجميع خرج عن الدولة، والمطلوب من أن يعود الجميع إليها، وأن الحزب هو آخر تجربة على هذا المستوى، وعليه العودة بشروط الدولة.
أما خطأ رئيس الجمهورية فكان أنه، خلال اقتباسه من فرنجية حرّض الشيعة بشكل غير مباشر عبر الإيحاء بأن هناك من يريد إزالتهم من حسابات الوطن والميثاق والدولة، وهذه دعوة صريحة إلى تمسكهم بسلاحهم، وتتناقض مع هدفه الواضح والصريح بالوصول إلى دولة فعلية.
هذا أبرز ما يمكن التوقف عنده في كلمة الرئيس في مناسبة الاستقلال ببعدها الاجتماعي - السياسي. أما مبادرته للخروج من المأزق، فبحاجة إلى كلام آخر.











































































