اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
اللامركزية الإدارية هي علاج ولكن هذا العلاج بالذات سيكشف لبنانياً في التطبيق كل ما يعاني منه اللبنانيون، مؤسساتياً وثقافياً، بشأن مركزية الدولة وعلاقات النفوذ وقدرات محلية وعوائق ذهنية وسلوكيات سياسية ومواطنية محلية.
اللامركزية الإدارية قانونية في تنظيمها. لكنها أساساً قضية ديمقراطية شاملة، اقتصادية واجتماعية وتنموية ومواطنية محلية. ستكشف اللامركزية الإدارية لبنانياً عجز فكر قانوني – ولا نقول حقوقي – في المعالجات الجديّة. لا يعني ذلك اطلاقاً العدول عن اللامركزية الإدارية لبنانياً، بل البحث في موجباتها التطبيقية وبالتالي إرفاق اللامركزية الإدارية بدراسة جدوى تطبيقية étude d’impact.
يمارس لبنانيون الهروب في علم النفس القيادي من مركزية الدولة التي هي السبيل لأي إصلاح تطبيقي. يريد البعض من اللامركزية تغييراً في طبيعة البنيان الدستوري اللبناني! لا يوجد غالباً في لبنان فكر سياسي، بل خلفيات سياسية arrière-pensées! اللامركزية الإدارية ضرورة في أي مسار ديموقراطي في العالم. لكن كيف تكون لامركزية وديمقراطية واقعاً ولبنانياً؟ أي قانون في النصوص لا يحقق بالضرورة التطبيق بفعالية.
1. عجز لبنانيون عن إدارة شأن عام في القرية! من أصل 1064 بلدية في لبنان يوجد قبل الانتخابات الأخيرة حوالى 300 مجلس بلدي منحل بسبب نزاعات داخلية بين الأعضاء! هل اللبناني عاجز عن إدارة شأن عام محلي في القرية والضيعة والبلدية والمدينة؟ ولا يجوز لمجلس بلدي منتخب التقاعس عن مهماته! إن وصف ذلك قانوناً هو تقاعس في ممارسة شأن عام abandon de poste.
2. حزازات عائلية طاغية محلياً! في برنامج للمؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم شمل في السنوات 2002 - 2015 أكثر من خمسين بلدية في مختلف المناطق قال لنا الناس: أنتم أول من سعى إلى جمعنا! تبيّن الظاهرة إلى أي مدى نعيش في علاقات نفوذ وليس في مواطنية الشأن العام. الأمور كافة في أي بلدة مسيّسة: الحفرة في الشارع والمجارير وقنوات المياه والكهرباء... في حال دعا أحدهم لاجتماع يقاطعه من ليسوا من عائلته بسبب حزازات بين العائلات. يقول أحد الأميركيين وهو لبناني الأصل: 'لبناني واحد يساوي مئة أميركي ولكن مئة لبناني لا يساوون صفراً'! (ا. مسرّه، الحكمية المحلية، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، الأجزاء 16، 18، 21، المكتبة الشرقية، 2002-2004، والشأن العام في الحياة اليومية المحلية في لبنان، جزء 21، 2013).
3. القدرة المالية وتحقيق اجتماعي سنة 1974: في تحقيق أجراه Jean-Claude Douence سنة 1974 كانت أجوبة بلديات في الجنوب والبقاع والشمال لصالح الدولة المركزية في سبيل إنشاء مستوصف وهذا عمل يندرج في إطار العمل المحلي: Jean-Claude Douence, Les municipalités devant l’opinion publique (الحياة النيابية، جزء 5، آذار 1975، ص 43-60). إن لامركزية بدون مركزية المركز هي ذات مفاعيل سلبية في مناطق صغيرة أو نائية لا تحظى بإمكانية تنميتها الذاتية. يقول البعض أو يضمر: نحن ندفع الضرائب وهم المستفيدون! ليس ذلك فدرلة ولا لامركزية، بل هو تقسيم مقنع أو انفصال عن الوحدة. يذكر دستور جمهورية ألمانيا الفدرالية موجب 'التناغم الاقتصادي' (المادة 49)، ودور السلطة المركزية في سبيل 'الوحدة القانونية والاقتصادية للفدرالية في سبيل التناغم بين الأوضاع المعيشية في المناطق' (المادة 72 البند 3). وينقض الدستور 'الهيمنة الاقتصادية' (المادة 74)، ويوجب التزام 'التوزيع العادل للموارد الضريبية والتناغم بين المستويات المعيشية' (المادة 106، البند 3). ويرغم الدستور على 'التوزيع العادل والمتوازن بين المقاطعات التي تتمتع بانتاجية عالية وتلك ذات الإنتاجية المتدنية من خلال الضرائب المستوفاة من المقاطعات الغنية' (المادة 107، البند 2).
4. تغيير في علاقات النفوذ: في اللامركزية تغيير في علاقات النفوذ في المجتمع. نوضح ذلك من خلال حالة كما يخبرها الجنرال ميشال ناصيف نقلاً عن خبرته مع الرئيس فؤاد شهاب. يقول: 'كان كل شيء مركز في بيروت، وكان الرئيس فؤاد شهاب يعقد كل يوم خميس اجتماعات عمل في بيته يستقدم مدراء وخبراء وغيرهم ومعهم الدراسات. اتصل به يوماً رئيس بلدية القبيات، وهو كان قديماً معاوناً أول في الجيش اللبناني، وقال له: احتاج إلى كميوني زفت لتعبيد طريق في القرية. قصدت بيروت مرتين لهذه الغاية. كنت في كل مرة أجد أن المسؤول غائب فأعود أدراجي. انفعل الرئيس شهاب عندما سمع بما يحصل، وكيف أن العمل لا يتم بسبب غياب موظف ورئيس البلدية يحضر من مكان بعيد جداً وذكر على مسامعي اسمه. لم يهمل الرئيس القضية بل عمل منها قصة'.
5. طغيان مركزيات محلية بقيادة زعماتية: ترتبط فعالية اللامركزية بالثقافة المواطنية المحلية، أي درجة مبادرة الناس محلياً ومشاركتهم ومراقبتهم ومطالبتهم ومحاسبتهم والّا تحولت اللامركزية قانوناً الى مركزية محلية أكثر طغياناً من مركزية المركز! في تاريخ لبنان كان اللبنانيون يتذمرون من تسلّط المشايخ والإقطاع وبيوتات وزعامات أكثر مما كانوا يشتكون من السلطة المركزية البعيدة نسبياً عنهم.
6. نموذج شؤون معروضة على مجلس الوزراء! تبرز في الواقع بنية النفوذ في لبنان من خلال قراءة جدول أعمال مجلس الوزراء لجلسة الثلاثاء 27/7/2004 المؤلف من 87 بنداً. جدول الأعمال هذا هو التعبير الأصدق لبنية النفوذ في لبنان وشؤون الحكم والإدارة العامة. نقتطف من الجدول البند التالي: 'طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الموافقة على تعيين حاجب بصفة عامل تنظيفات في ملاك الإفتاء الجعفري في بعلبك'. ونقتطف البند التالي: 'طلب وزارة المال الموافقة على قبول هبة مجموعة من الكتب القانونية'. في جدول أعمال مجلس الوزراء لجلسة 10/11/2005 الذي يتألف من 78 بنداً ما يلي:
- طلب دار الفتوى الموافقة على قبول هبة عبارة عن ألبسة متنوعة.
- طلب وزارة المالية الموافقة على تفويض الوزير التوقيع على اتفاق تعاون بين المؤسسة الدولية للإدارة والتدريب والمعهد المالي التابع للوزارة.
- عرض وزارة الاقتصاد والتجارة موضوع تعديل تعويض متعاقدة لديها.
فعالية القانون مرتبطة بعوامل أخرى حيث تكمن حظوظ وعوائق التطبيق. يعني ذلك الزامية إرفاق أي قانون بعد اليوم، وقانون اللامركزية بالذات، بدراسة جدوى étude d’impact.
*عضو المجلس الدستوري، 2009-2019