اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٩ أيار ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
توجد مغامرة في تقرير ما هو البعد الاستراتيجي المترتب عن فتور العلاقة الراهن بين ترامب ونتنياهو. في اسرائيل كتب ايتمارا زاخر في يديعوت احرنوت يسأل هل اسرائيل لا تزال في عهد ترامب شريكاً مقدساً؛ وهل على إسرائيل أن تستمر باعتبار أن دعم واشنطن سيستمر غير محدود لها؟؟.
ولكن السؤال الأهم والأكثر دقة الذي يسأله زاخر هو أنه طالما كانت إسرائيل تحظى بدعم غير مشروط من الحزب الجمهوري؛ فما هو السبب الذي جعل الحزب الجمهوري اليوم لا يسير على نفس نهجه السخي وغير المشروط مع إسرائيل؟؟.
يسارع زاخر ليقدم الإجابة ومفادها أن السبب هو ترامب وليس الحزب الجمهوري بعينه؛ بكلام أوضح فإن السبب يعود لكون ترامب ليس رئيساً تقليدياً في الحزب الجمهوري.. ويمكن هنا إضافة – من خارج نص زاخر – أن الحزب الجمهوري مع ترامب ليس هو ذاته الحزب الجمهوري التقليدي!!
ترامب يؤمن بأن أميركا يجب أن تكون عظيمة مجدداً.. يؤمن بأن عليه أن يدير مخاطر وصفقات وأرباح؛ وزيارته إلى الشرق الأوسط هدفها اقتصادي وستؤدي لإبرام صفقات تقرب واشنطن من دول عربية لسنوات قادمة.
حتى الآن هذه هي صورة ترامب كما تم خلال الأيام الأخيرة رسمها من قبل جانب مهم من النخب الإسرائيلية المهتمة بمتابعة تشكل وتطور صورة العلاقة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن السؤال على الجانب العربي يجب أن يكون التالي هل ترامب يقود الولايات المتحدة الأميركية فعلياً إلى لحظة جعل أولويات أميركا ليس فقط أهم من أولويات أمن إسرائيل بل يتم تجسيدها على حساب أمن إسرائيل أو على الأقل من دون كثير مراعاة لأمن إسرائيل؟؟.
داخل إسرائيل هناك أكثر من إجابة وهناك أكثر من اعتقاد؛ ولكن على السطح وكردة فعل أولوية يطفو رأي متشائم ويشوبه التوتر ويحذر من إمكانية أن تكون الولايات المتحدة الأميركية في طريقها للتغير!!
يحصي أصحاب هذا الرأي عدد اللكمات التي وجهها ترامب لإسرائيل ولزعيمها نتنياهو خلال أقل من شهر:
أولاً- على نحو مفاجئ استدعى ترامب نتنياهو ليحضر إلى البيت الأبيض وأبلغه قراراً للتنفيذ وليس للنقاش بشأنه وهو بدء واشنطن التفاوض مع طهران بشأن ملفها النووي.
وتسمى هذه الواقعة بلقاء البيت الأبيض المشؤوم حيث كانت نتائجه كارثية رغم تجاسر نتنياهو ومحاولته إظهار أن لقائه بترامب بالشكل والمضمون يختلف عن لقاء ترامب بزلنسكي.
ثانياً- غزل ترامب بأردوغان الذي ينافس نتنياهو في سورية والذي يقال أنه أسقط نظام الأسد من دون التنسيق مع إسرائيل ومن وراء ظهر نتنياهو وترامب؛ حيث كان الاتفاق الإقليمي والدولي مع أردوغان هو وصول حليفه أحمد الشرع إلى حلب فقط للضغط على الأسد وليس دخول دمشق لاستبدال الاسد بالشرع واستبدال نفوذ طهران بنفوذ أنقرة.
ثالثاً- كانت إسرائيل في اليمن تنام على اتفاق مع البنتاغون بأن الولايات المتحدة الأميركية هي من يهتم بمواجهة الحوثيين عسكرياً فيما إسرائيل تتفرغ لجبهات غزة وسورية ولبنان والضفة؛ ولكن فجأة ومن طرف واحد ومن دون نقاش الأمر مع نتنياهو قرر ترامب بشكل مستقل وقف الحرب الأميركية على الحوثيين ولم يشمل وقف الحرب الأميركية موضوع قصف الحوثيين لإسرائيل.
أحد صحفيي قناة ١٤ المقرب جداً لنتنياهو تساءل أمس عن مصير شراكة نتنياهو وترامب في حربهما مع اليمن؛ هل فسخ ترامب الشراكة وذهب باتجاه وترك نتنياهو يذهب باتجاه آخر.
أمس قال نتنياهو: سوف تستمر إسرائيل بقصف اليمن ولو لوحدها.. وقبل فترة قال سوف تدمر إسرائيل مفاعل إيران النووي ولو لوحدها؛ وغداً ربما يقول نتنياهو سوف تستمر إسرائيل بالحرب على حماس حتى بعد اطلاقها الأسرى وحتى ولو من دون غطاء سياسي أميركي..
رابعاً- قرر ترامب ومن دون أي تنسيق مع نتنياهو أن يزور الشرق الأوسط بعد أيام (السعودية) من دون أن يزور إسرائيل؛ علماً ان حواره مع السعوديين يفترض بحسب جدول أعمال الزيارة المتداول في الصحافة الأميركية؛ سيتعرض ليس فقط لترليون دولار بل أيضاً لتطبيع العلاقات السعودية مع اسرائيل.. ولكن الصدمة التي تعيشها اليوم إسرائيل تتمثل بأن ترامب – حسبما يقول زاخر – ألغى من جدول زيارته للمنطقة زيارة إسرائيل وبند التطبيع بين السعودية وإسرائيل واستبدلهما بالموافقة على بناء مفاعل نووي سلمي سعودي.
والواقع أن هذا التطور فتح الباب واسعاً في إسرائيل للسؤال: هل أولوية استعادة عظمة أميركا مجدداً سوف يكون على حساب إجراء تعديلات جوهرية في استراتيحية واشنطن التي تدعم إسرائيل من دون شروط والتي تراعي لحد لا نهائي أمن إسرائيل عند اتخاذها أي قرار في الشرق الأوسط..
وفي محاولة لالتقاط نبض قلب إسرائيل الحقيقي وغير المجازف تجاه رؤيتها لمواقف ترامب الصادمة من تل أبيب، يمكن القول أن إسرائيل لم تصل لطرح سؤال عما اذا كانت واشنطن تخلت عن اسرائيل؟؟؛ بل السؤال عما اذا كان ترامب يريد الافتراق في بعض قضايا الشرق الاوسط عن الشراكة مع نتنياهو؟؟.
وأيضاً لم تصل إسرائيل لطرح السؤال عما إذا كان الحزب الجمهوري أدار ظهره لدعمه المطلق لإسرائيل بل السؤال ما الذي بالتحديد غيره ترامب الرئيس غير التقليدي في الحزب الجمهوري تجاه إسرائيل.
والسؤال الأكثر دقة هو هل ترامب غير التقليدي الذي أنهى العولمة التي صنعتها الولايات المتحدة الأميركية والذي صفى أفكاراً كانت ثوابت في الولايات المتحدة وفي الحزب الجمهوري وداخل السيستم الاميركي سيغير أيضاً الفكرة الأميركية وبخاصة داخل الحزب الجمهوري الثابتة بخصوص الدعم المطلق وغير المشروط لإسرائيل(؟؟)؛ واذا كان فعلاً يريد ذلك فهل يستطيع؟؟. هل ترامب أقوى من إسرائيل داخل أميركا.. وهل ترامب استطراداً أقوى من نتنياهو داخل إسرائيل.
انها حرب فيما لو اندلعت فإنها ستدور داخل ميدان واحد متداخل اسرائيلي – اميركي و'صهيوني مسيحي يهودي' (المسيهودية)، رغم أنها بالظاهر تبدو انها خلاف يدور بين إسرائيل- نتتياهو من جهة و'ترامب أميركا' من جهة ثانية..
وخلاصة القول في هذا المجال أن مهمة إخراج أولوية مصلحة إسرائيل من القرار الأميركي هي مهمة لا تحدث من دون صدام داخلي في أميركا، أو بالأحرى لا تحدث إلا ضمن حصول تحول سياسي ثقافي اقتصادي كبير في الولايات المتحدة الأميركية؛ فهل مثل هذه التحولات تحدث إرهاصاتها فعلياً وذلك بدليل ما يفعله ترامب؛ أم أن التحولات على صعيد تغيير نظرة أميركا لإسرائيل وموقعها داخل قرارها لا تزال بعيدة؟؟