«جيرسون»: علاج بين الأمل والتضليل

شهدت السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً للعلاجات البديلة لمرض السرطان، والتي تحظى بتأييد بعض المؤثرين رغم افتقارها إلى الأساس العلمي. ومن بين هذه العلاجات، يبرز ما يُعرف بعلاج «جيرسون»، الذي يعتمد على مزيج من الأنظمة الغذائية الصارمة، والعصائر الطازجة، و«حقن القهوة الشرجية» وهي نوع من أنواع مطهرات القولون المستخدمة في الطب البديل، والذي أثار جدلاً واسعاً بعد عرضه في مسلسل «خل التفاح» (إخراج جيفري ووكر- إنتاج هيلين غريغوري وإميل شيرمان وسامانثا ستراوس وكايتلين ديفر) على منصة البث التدفقي «نتفليكس»، المكون من 6 حلقات والذي تدور أحداثه حول كيف استخدمت صديقتان منصاتهما على وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم علاجات للناس، إذ تمكنت إحداهما من بناء إمبراطورية إعلامية ضخمة بالاعتماد على كذبة أنها شفيت من سرطان الدماغ بفضل نظام غذائي صحي.

يركّز المسلسل على ميلا بليك، التي تجسدها الممثلة أليشيا ديبنام-كاري، والتي تلجأ إلى علاج غير تقليدي بعد تشخيصها بالسرطان. القصة مستوحاة من حياة المؤثرة الأسترالية جيسيكا أينسكوف، التي وثّقت رحلتها مع المرض لأكثر من 1.5 مليون متابع عبر مدونتها قبل وفاتها في عام 2015. رغم إيمانها بعلاج جيرسون كوسيلة لمحاربة «الساركوما الظهارية» وهي ورم في الأنسجة الرخوة والتي تكون غالباً موجودة تحت جلد الإصبع أو اليد أو الساعد أو أسفل الساق أو القدم، إلا أن فعاليتها لم تثبت علمياً، ما جعل قصتها مثالاً للتحذير من مخاطر الطب البديل غير المدعوم بأدلة طبية.

يعد استخدام «حقن القهوة الشرجية» أحد أبرز مكونات علاج «جيرسون»، إذ يزعم مؤيدوه أنها تساعد على إزالة السموم من الكبد وتحفيز جهاز المناعة. إلا أن الدكتورة المتخصصة في الطب البديل، إيميلي ليمنغ، تؤكد عدم وجود أدلة علمية تدعم هذه الادعاءات، قائلة: «الفكرة بأن الكافيين المُمتص عبر المستقيم يمكن أن يزيل السموم من الكبد مجرد تكهنات، ولم تثبت أي دراسات علمية موثوقة فعاليتها. بل على العكس، من الممكن أن يؤدي الاستخدام المتكرر لهذه الحقن إلى مخاطر صحية مثل الالتهابات أو تلف الأمعاء».

وتشير الدراسات إلى أن «الحقن الشرجية» قد تكون ضرورية في بعض الحالات الطبية، لكن الاستخدام الذاتي والمتكرر قد يُعرّض المرضى لمضاعفات غير متوقعة، ممكن أن تصل إلى الإضرار بوظائف الأمعاء الطبيعية.

عقب انتشار المسلسل، شهد محرك البحث «غوغل» ارتفاعاً بنسبة 300% في عمليات البحث عن «فوائد حقن القهوة الشرجية»، ما يعكس التأثير القوي للمنصات الرقمية في تشكيل قناعات الجمهور بشأن العلاجات الصحية. ومع ذلك، يحذر الخبراء من خطورة اتباع هذه الاتجاهات دون استشارة طبية، خاصة أن أينسكوف، التي تبنّت هذا العلاج، توفيت بعد سبع سنوات من تشخيصها، في حين أن المرضى الذين يخضعون للعلاجات التقليدية غالباً ما يستمرون لعقود مع المرض.

في عصر تزايد المعلومات المضللة، يبقى الاعتماد على الأبحاث العلمية والمؤسسات الطبية الموثوقة هو الضمان الأساسي للحفاظ على صحة المرضى. فبينما قد يكون للقهوة فوائد في كوب الصباح، إلا أن استخدامها في غير موضعه قد يحمل مخاطر جسيمة لا يمكن تجاهلها.