اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
بين تصاعد التوترات وعودة شبح الحرب الذي يخيم فوق لبنان، إثر التعقيدات التي ترافق ملف تسليم السلاح، والقلق الشعبي خوفًا من الآتي، وبين التحضير للاستحقاقات القادمة، لا يغفل حزب الله عن أي جبهة، يتحرك بخيوط متشابكة على أكثر من مسار، واضعًا نصب عينيه الانتخابات النيابية المقبلة، حيث يعتبرها معركة وجود وليس تفصيلًا.
في زمن تتبدل فيه التحالفات كما تتبدل الفصول، يبدو أن الزمن في بعلبك الهرمل قد توقف. هنا لا شيء يتغير، حتى الوجوه التي تعبت من الوقوف تحت قبة البرلمان، تبعث من جديد تحت لافتة الثبات في الموقف والوفاء للمقاومة، لكن الحقيقة غير المعلنة: لا بدائل، لا رؤية، لا تجديد، بل تدوير للزوايا وللحلفاء.
قبل أقل من عام على الانتخابات النيابية المقبلة، يتصاعد الدخان الأبيض من غرفة القرار لدى حزب الله، ويحسم خياراته النيابية باكرًا، التحالفات تتجدد، والأسماء تكرّس، والمقاعد توزع كما توزع الحصص في زمن الغنائم. في هذه الدائرة، القديم باقٍ على قدمه، لجهة التركيبة التي عليها اللائحة، لا تعديل، أما الأسماء الحزبية وتبديل الوجوه فهي رهن دراسة وحيرة بين أمرين: إبقاء القديم لخوض المعركة بأسماء معروفة، أم تجديد أسماء يتماشى مع المرحلة التي تتطلب تغييرًا، لكن اللعبة النيابية ليست في التجديد، بل في إبقاء اللوحة السياسية معلقة كما هي، كأي صورة مؤطرة على جدار لا أحد يجرؤ على نزعها.
بثقة الواثق من أداوته وتوازناته، وقواعده الشعبية، تقول مصادر مطلعة لـ نداء الوطن إن حزب الله في دائرة بعلبك الهرمل، ورغم كل الشروخ التي أصابت بعض التحالفات في الآونة الأخيرة، وخصوصاً مع التيار الوطني الحرّ، والتي باتت بحكم الموت السريري، لم يغلق الحزب باب التواصل مع أي من الحلفاء تحضيرًا لخوض الاستحقاق في أيار العام المقبل، لكن مع بعض التبدلات في التعاطي والتقديمات.
المعادلة المسيحية تغيرت هذه المرة، لا تحالف مع التيار، لا جلسات تنسيق، ولا رفع سماعة من جبران إلى السيد، فالرجل الذي كان يمنح باسيل ما لا يمنح لحليف رحل، والتحالف الذي كان يدار بالعاطفة انتهى، والأسد الذي استدعي ذات مرة لإقناع نصرالله، لم يعد هنا. وعليه فإن المقعد الكاثوليكي الذي يشغله نائب التيار قد يذهب إلى حليف آخر قد يكون الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكن حزب الله اشترط على جناحي القومي بنات وحردان: اتفقوا قبل أن تتحدثوا معنا، وأن يأتي مرشحهم نظيفًا سياسيًا ومقبولًا تنظيميًا.
في هذا المناخ يتحول مقعد حزب البعث الذي يشغله النائب جميل السيد إلى مقعد الحلفاء، لا حاجة لتثبيت الهوية الحزبية على الورق، ما دام الولاء مضمونًا، ومن المرجح أن يشغله علي حجازي أمين عام البعث، تقديرًا لمواقفه خلال الحرب وفق المصادر، لكن من دون أن يسجل المقعد رسميًا باسم البعث، وكأن الحزب يقول لحلفائه: خذوا الكرسي وخلوا الاسم علينا.
الساحة المارونية في البقاع الشمالي ليست صافية، وهي تخضع لحسابات دقيقة تعكس مزاج الحزب وليس مزاج الناخبين، فالصوت الماروني معروف أين سيصب، وخياراته السياسية واضحة: صافي قوات، أما حسابات الحزب فتخضع لميزان الربح والخسارة، والتضحية بأي من المقاعد على حساب الفوز بالمقعد الماروني.
ولأن المشهد في بعلبك لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الوطني، يعمل حزب الله بهدوء وفق المصادر لصياغة كتلة نيابية موالية من حلفاء تاريخيين، قومي، بعثي، ماروني قديم، والسنة أيضاً، وبعض المستقلين المفصّلين على قياس التبعية السياسية، تكون ذراعه التشريعية غير الطائفية، في زمن يخشى فيه من المفاجآت. وحتى ذلك الحين تدخل بعلبك الهرمل السباق الانتخابي باكرًا، من دون أن تكون النتائج في متناول أحد، فالقادم من الأيام قد يترك مفاجآت لا يمكن لأحد توقعها.