اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢ شباط ٢٠٢٥
فخامة الرئيس،
دولة الرئيس المكلف،
في الرابع من شباط ٢٠٢١، وُجد لقمان سليم مقتولًا بست رصاصات في الرأس والظهر. بعد أربع سنوات، أُغلق ملف التحقيق. لا مشتبه بهم، لا متهمون، لا عدالة. جريمة مثالية في دولةٍ تتقن فن الإفلات من العقاب، حيث يصبح الاغتيال السياسي مجرد تفصيل إداري.
لكن القتلة لا يكتفون بجريمتهم الأولى. إنهم يقتلون دائمًا مرتين: أولًا حين يسقط جسد الضحية، وثانيًا عندما تُطوى القضية، عندما تُمحى الحقيقة، وعندما يتحول الجلاد إلى شبح مجهول. واليوم، مع إقفال ملف لقمان سليم دون محاسبة، وقعت جريمة القتل الثانية.
هذه ليست مجرد “إخفاق قضائي”. إنها قرارٌ سياسي. الدولة اللبنانية، منذ عقود، تتقن فن التواطؤ الصامت. تحني رأسها أمام “حزب القتلة”، تزور الحقائق، وتدفن التحقيقات تحت طبقات من “التوازنات” والتبريرات الفارغة.
القتلة لا يكتفون بجريمتهم الأولى. إنهم يقتلون دائمًا مرتين: أولًا حين يسقط جسد الضحية، وثانيًا عندما تُطوى القضية
جدارٌ لا مجرد ذكرى
كان لقمان سليم رجلاً يكسر المحرمات، يمضي إلى جوهر الأمور دون مواربة. بعد مجزرة مرفأ بيروت، قالها علنًا: 'حزب الله' ونظام الأسد مسؤولان. لم يساوم، لم يهادن، ولم يخضع لقواعد “السلامة الشخصية” التي تُفرض على أصحاب الصوت الحر في هذا البلد. لقد أدرك أنه بذلك كان يوقع على حكم إعدامه.
وكذلك كان سمير قصير قبله، حين فضح ثقافة القمع والاستبداد، فكانت سيارته المفخخة هي الرد الوحيد الذي استطاع خصومه تقديمه. وقبلهما، كثيرون. لكن هؤلاء لم يكونوا مجرد شهداء. إنهم حراس الحقيقة. دمهم ليس ماءً، وإرثهم ليس مجرد ذكرى، بل هو الجدار الأخير الذي يفصل بين الدولة والعصابة، بين الحق والخضوع.
كان لقمان سليم رجلاً يكسر المحرمات، يمضي إلى جوهر الأمور دون مواربة. بعد مجزرة مرفأ بيروت، قالها علنًا: 'حزب الله' ونظام الأسد مسؤولان
الاستسلام باسم الواقعية
فخامة الرئيس، دولة الرئيس المكلف،
هناك دائمًا طريقان عند مواجهة الاستبداد والعنف السياسي: طريق وينستون تشرشل وطريق نيفيل تشامبرلين. والتاريخ علّمنا أن طريق تشامبرلين – طريق “التسوية من أجل السلم الأهلي” – لا يؤدي إلا إلى زوال معسكر السلام أمام معسكر الحرب. ولبنان دفع الثمن باهظًا منذ ١٩٦٩ بسبب هذه المعادلة الكاذبة. كم مرة بعد عليه أن يختبرها؟
إقرأ أيضا: حين تبحث عن مفارقات لقمان تجدها أمامك.. بالحبر والدم
اللبنانيون لا يريدون أن يُعاد تدوير هذه المسرحية البائسة. يريدون قطيعة كاملة مع المنظومة التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لكن الإفلاس الأخطر كان ولا يزال الإفلاس الأخلاقي. الإفلاس الذي جعل السلطة ترضخ للقتلة بدلًا من مواجهتهم، وتتعايش مع السلاح غير الشرعي بدلًا من نزعه، وتحمي مرتكبي الجرائم السياسية بدلًا من محاكمتهم.
لقد جاء دعم اللبنانيين، لكم لأنهم اعتقدوا أنكم قادرون على إحداث هذا التغيير. لأنهم أرادوا رئيسًا وحكومة تأخذ القرارات الصعبة، لا سلطة جديدة تدير الانهيار القديم. هذه المرة، لن يكون هناك “إحباط” عادي. هذه المرة، إذا خابت الآمال، فستكون الضربة القاضية لما تبقى من إرادة الصمود.
اللبنانيون لا يريدون أن يُعاد تدوير هذه المسرحية البائسة. يريدون قطيعة كاملة مع المنظومة التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس السياسي والاجتماعي والاقتصادي
ما بُني على باطل فهو باطل
الإصلاح الحقيقي يبدأ من لحظة قرار حاسم: أن يُمسك المرء مصيره بيده. رفض أي شراكة مع 'حزب الله' في السياسة أو في الحكم ليس مسألة تكتيكية، بل مسألة وجودية. لا يمكن بناء دولة على أساس مغشوش. ما بُني على باطل فهو باطل.
إقرأ أيضا: عن لقمان معارض «حزب الله» ونظام الفساد في لبنان!
قتلة لقمان سليم وسمير قصير لا مكان لهم في مؤسسات الدولة. لا ينبغي أن يكونوا شركاءً، ولا مفاوضين، ولا جزءًا من أي تسوية. مكانهم الوحيد أمام العدالة، في قفص الاتهام، حيث سيحكم عليهم التاريخ، حتى لو تخاذل القضاة اليوم.
أما أنتم، فلكم أن تختاروا: إما أن تكتبوا أسماءكم على صفحات التاريخ كرجال دولة، أو أن تتركوها تتلاشى كحبرٍ يُمحى في دفتر العار.